الاصحاح 27 - منتدى ام السمائيين و الارضيين
الرئيسية التسجيل مكتبي
Image
البحث الأعضاء الرسائل الخاصة


منتدى ام السمائيين والارضيين


   
العودة   منتدى ام السمائيين و الارضيين > منتدى الكتاب المقدس > دراسة الكتاب المقدس > انجيل معلمنا متى
 
 
   
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 01-25-2012, 06:33 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية mena_malak
 

 

 
201 الاصحاح 27





الأَصْحَاحُ السَّابِعُ وَالعِشْرُونَ
صلب المسيح ودفنه

(1) المحاكمة أمام السنهدريم (ع 1-2):
1- ولما كان الصباح، تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه. 2- فأوثقوه ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطى الوالى.

ع1:بعد محاكمة المسيح فى دار قيافا رئيس الكهنة، أصعدوه إلى مجمع السنهدريم (ص 5: 20-21) فى أحد أروقة الهيكل، وكان ذلك مع الفجر، وحكموا بموته، إذ أنه للحكم على أحد بالموت فى النظام اليهودى، لابد أن يكون هناك أكثر من جلسة، كذلك لا يصح الحكم على أحد بالموت إلا فى النهار.
وهذه هى المحاكمة الثالثة للمسيح، وهى المحاكمة الدينية الأخيرة. وقد قرروا فيها قتل المسيح، ورتّبوا الدعوة التى سيقدمونها لبيلاطس حتى يقتله، وكانوا قد أجمعوا على الآتى:
(1) أن يطلبوا من بيلاطس الموافقة على قرارهم بقتله.
(2) إذا لم يوافق، يتهمون المسيح بادعائه أنه ملك اليهود، وبهذا يكون عاصيا ضد قيصر، ومهيجا للشعب ضد السلطة، ويدّعوا أنه يمنع دفع الجزية ليثيروا ضده السلطة المدنية، فتوافق على قتله.
(3) اتهام يسوع بالتجديف، إذ أعلن أنه ابن الله.
وكان رد بيلاطس عليهم:
(1) لم يوافق على قرارهم بقتل المسيح.
(2) فحص اتهامهم الثانى، فوجده بريئا، ولم يوافق على قرارهم بقتله.
(3) لم يهتم بأمر التجديف، لأنه أمر يخص شريعتهم، ولا يعاقب عليه القانون الرومانى.
لم يعد أمامهم سوى أن يؤكدوا الاتهام الثانى، وهو ادعاءه أنه ملك اليهود، وأحرجوا بيلاطس، الذى اضطر، لخوفه من أن يُعتبر مؤيدا للمسيح ضد قيصر، أن يوافق على كلامهم، وأمر بصلبه.
ع2:كان بيلاطس واليا على اليهودية من قِبَلِ السلطة الرومانية، وكان قاسيا، وسفك دماء كثيرين، وتولى مدة عشر سنوات، وشكاه اليهود كثيرا لقيصر، ولكنه كان ضعيفا فى تمسكه بالحق، ومهتما بأن يحتفظ بمركزه.
لا تحاول البحث عن اتهامات لمن تتضايق منهم حتى تثير الآخرين ضدهم، مستخدما عقلك بطريقة شريرة، فإنك بذلك تجلب غضب الله عليك، ويضطرب قلبك، وتخسر محبة المحيطين بك حتى لو أيدوك فيما تقول أو تفعل، لأنهم يشعرون بأفكارك العدوانية.

(2) يهوذا يرد الفضة (ع 3-10):
3- حينئذ، لما رأى يهوذا الذى أسلمه أنه قد دين، ندم وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ، 4- قائلا: "قد أخطأت إذ سلمت دما بريئا." فقالوا: "ماذا علينا؟ أنت أبصر." 5- فطرح الفضة فى الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه. 6- فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا: "لا يحل أن نلقيها فى الخزانة، لأنها ثمن دم." 7- فتشاوروا، واشتروا بها حقل الفخارى مقبرة للغرباء. 8- لهذا سمى ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم. 9- حينئذ، تم ما قيل بإرميا النبى القائل: وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذى ثمنوه من بنى إسرائيل. 10- وأعطوها عن حقل الفخارى كما أمرنى الرب.

ع3-4:"قد دين": حكم اليهود بقتله.
"ماذا علينا؟": لا يهمنا كلامك، فقد حصلنا على ما نريده، وهو القبض على المسيح.
"أنت أبصر": أنت المسئول عن ذنبك، فتصرف كما تريد بعيدا عنا، فلن نساعدك فى شىء.
عندما علم يهوذا أن اليهود حكموا على المسيح بالموت، نخسه ضميره وشعر بفظاعة خيانته، بل صارت الفضة ثقلا يوجع قلبه ويُذكّره بخطيته، ذهب فى الصباح إلى الهيكل، فوجد أنهم قد ذهبوا بالمسيح إلى بيلاطس، ولكن قليلا من الكهنة ما زالوا موجودين، فألقى لهم الفضة ليتخلص مما ينخس ضميره، واعترف أن المسيح برىء، وأنه خائن إذ أسلمه إليهم. ولكن للأسف، كان ندما بدون رجاء، فهو ليس توبة، لأن التوبة هى إيمان بالله ورجاء فى الحياة معه، وليس مجرد ندم.
أما الكهنة والشيوخ، فحاولوا التنصل من خطيتهم برفض الفضة، وقالوا ليهوذا أن يتحمل ذنبه، فهم غير مسئولين.
كيف هذا وهم سيتممون قتله بعد قليل؟! إنه الخداع الذى يخدع به الإنسان نفسه حتى لا يتوب.
ع5:لما رفض الكهنة أخذ الفضة منه، ألقاها أمامهم ليتخلص منها، ظنا منه أن هذا يخلّصه من الإحساس بالذنب، وترك الهيكل، بل والمدينة كلها. لكن ضميره استمر ينخسه ويوبخه، فلم يحتمل، وذهب وشنق نفسه. والأرجح أنه علّق نفسه بحبل فى الجبل، فاختنق ثم ثقل على الحبل، فانفك من الجبل وسقط، فانشق وخرجت أحشاؤه منه، كما ذكر بطرس الرسول فى سفر أعمال الرسل (1: 18).

ع6:لم يستطع رؤساء الكهنة وضع الفضة فى صناديق الخزانة التى فى الهيكل لأنها ثمن دم إنسان، وهم يعتبرون أن العطايا التى توضع فى الخزانة مقدسة. ورغم علمهم بكل هذا لم يتوبوا، واستمروا فى شرهم حتى صلبوا المسيح.

ع7-8:"تشاوروا": أعضاء مجلس السنهدريم، بعد أن قدموا المسيح ليصلب.
"حقل الفخارى": حقل يسمى بهذا الاسم، ولعله كان يؤخذ من ترابه لعمل الفخار فسُمى هكذا. وهو لا يصلح للزراعة، فكان ثمنه زهيدا، ويمكن فقط البناء عليه.
"للغرباء": اليهود الغرباء عن أورشليم إذا ماتوا فيها، ويكونون فقراء ليس لهم مكان يُدفنون فيه.
"حقل الدم": لأنهم اشتروه بثمن دم إنسان وهو المسيح.
"اليوم": وقت كتابة متى البشير إنجيله.
وجد الكهنة حلا، وهو شراء شىء ما بهذه الفضة لعمل الخير، فاشتروا حقل الفخارى وخصصوه مقبرة للغرباء الذين ليس لهم مكان يُدفنون فيه، وسمى ذلك الحقل حقل الدم تأكيدا لشناعة خطيتهم، ولم يستطع تخفّيهم وراء عمل الخير أن يمحو خطيتهم.

ع9-10:بِشَرّهم هذا تمموا ما تنبأ به إرميا النبى (18: 2، 6) عن حقل الفخارى، وزكريا النبى (11: 13) عن ثمن هذا الحقل وهو ثلاثين من الفضة.
وهكذا نجد أن كل تفاصيل آلام المسيح عن البشرية كلها، قد تنبأ عنها العهد القديم ليؤمن اليهود، ولكنهم للأسف قسّوا قلوبهم وصلبوه.
اُنظر، لا تُقَسِّ قلبك وترفض توبيخ الآخرين وكلمات الكتاب المقدس والعظات الروحية، بل اعتبرها رسائل من الله تنبهك وتعيدك إلى محبته، فتتوب عن خطاياك.
(3) المحاكمة أمام بيلاطس (ع 11-14):
11- فوقف يسوع أمام الوالى، فسأله الوالى قائلا: "أأنت ملك اليهود؟" فقال له يسوع: "أنت تقول." 12- وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه، لم يجب بشىء. 13- فقال له بيلاطس: "أما تسمع كم يشهدون عليك؟ 14- فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة، حتى تعجب الوالى جدا.

ع11:بدأت محاكمة المسيح أمام السلطة الرومانية ممثَّلة فى الوالى بيلاطس، وهى المحاكمة الرابعة للمسيح. وقد سأله بيلاطس: هل أنت ملك اليهود؟ فأجاب بالإيجاب، لعله يراجع نفسه ولا يسقط فى خطية تسليمه لليهود، ليس لأنه متراجع عن إتمام الفداء، ولكن حتى يكون بيلاطس بلا عذر، وينتبه أنه أمام ملك، فلا يندفع فى الحكم عليه بأى شر.
وقد أوضح المسيح فى حديثه مع بيلاطس، كما ذكر يوحنا (18: 36-37)، أن ملكوته روحى وليس أرضيا، فخاب ادعاء اليهود على المسيح، الذى حاولوا به تهييج بيلاطس ليحكم عليه. وإذ علم أنه يقصد مُلْكٌ روحى، حكم ببراءته عندما قال أنه لم يجد فيه علة (لو 23: 4، 14؛ يو 18: 38).

ع12-14:حاول رؤساء الكهنة وشيوخ اليهود أن يقدموا اتهامات على المسيح للوالى بيلاطس، وهى بخصوص تهييجه للشعب كما يذكر لوقا البشير (23: 5). ولم يدافع يسوع عن نفسه، لأنه يعرف إصرار اليهود على لصق التهم الباطلة به، ويعلم أيضا ضعف بيلاطس، الذى، رغم علمه ببراءته، يحاول إرضاء اليهود خوفا منهم، ويحاول اصطياد كلمة من المسيح ليحكم بها عليه.
تعجب الوالى لصمته، وسأله لماذا لا يرد على ادعاءاتهم حتى يثبت براءته. أما هو، فظل صامتا. فزاد بذلك تعجب الوالى، لأن المتهمين فى مثل هذه الأحوال يدافعون عن أنفسهم حتى لا يُحكم عليهم بالموت؛ فالمسيح لم يكن محتاجا أن يدافع عن نفسه، بل يريد أن يتمم خلاصنا بموته على الصليب.
وبهذا، ظهرت مرة أخرى أمام بيلاطس براءة المسيح، وكان قد أرسله إلى هيرودس عندما علم أنه جليلى، وعلم أيضا أن هيرودس والى الجليل فى زيارة لأورشليم. ولما حاكمه الأخير ولم يجد فيه علة (لو 23: 15)، وهذه هى المحاكمة الخامسة، فرده إلى بيلاطس ليحاكمه المحاكمة السادسة والأخيرة.
وبهذا ظهرت براءة المسيح ثلاث مرات، مرتين أمام بيلاطس، ومرة أمام هيرودس. ولكن، لضعفه، لم يستطع بيلاطس أن يطلقه (راجع عدد المحاكمات الدينية والمدنية ص 26: 66).
إذا صمت الآخرون أمام أخطائك، فلا تتمادى فيها، بل راجع نفسك لتتوب.

(4) إطلاق باراباس (ع 15-26):
15- وكان الوالى معتادا فى العيد أن يطلق للجمع أسيرا واحدا من أرادوه. 16- وكان لهم حينئذ أسير مشهور يسمى باراباس. 17- ففيما هم مجتمعون، قال لهم بيلاطس: "من تريدون أن أطلق لكم، باراباس أم يسوع الذى يدعى المسيح؟" 18- لأنه علم أنهم أسلموه حسدا. 19- وإذ كان جالسا على كرسى الولاية، أرسلت إليه امرأته قائلة: "إياك وذلك البار، لأنى تألمت اليوم كثيرا فى حلم من أجله." 20- ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرضوا الجموع على أن يطلبوا باراباس، ويهلكوا يسوع. 21- فأجاب الوالى وقال لهم: "مَنْ مِنَ الاثنين تريدون أن أطلق لكم؟" فقالوا: "باراباس." 22- قال لهم بيلاطس: "فماذا أفعل بيسوع الذى يدعى المسيح؟" قال له الجميع: "ليصلب." 23- فقال الوالى: "وأى شر عمل؟" فكانوا يزدادون صراخا، قائلين: "ليصلب." 24- فلما رأى بيلاطس أنه لا ينفع شيئا، بل بالحرى يحدث شغب، أخذ ماء وغسل يديه قدّام الجمع، قائلا: "انى برىء من دم هذا البار، أبصروا أنتم." 25- فأجاب جميع الشعب وقالوا: "دمه علينا وعلى أولادنا." 26- حينئذ، أطلق لهم باراباس. وأما يسوع، فجلده وأسلمه ليصلب.

ع15-18:وجد بيلاطس نفسه أمام إنسان برىء مسالم، لا يجد عليه علة تستحق الموت. ولأن بيلاطس ضعيف الشخصية، لم يستطع أن يعلن براءته. ففكر فى وسيلة ليخلّصه من الموت، ولكن دون أن يعادى اليهود، لأنه يبحث عن مركزه ورضا الشعب عنه. فكان معتادا أن يطلق لليهود أحد المسجونين فى عيد الفصح، ليظهر سماحته وعطفه على اليهود، فسألهم هل يطلق لهم يسوع، أم مجرما مسجونا يسمى باراباس كان مشهورا بالإجرام ومعروفا عند الشعب؟ وكان يعلم أن يسوع برىء، ورؤساء الكهنة والشيوخ يحسدونه، لأنه اجتذب الجموع بمحبته وتعاليمه ومعجزاته.
"مجتمعون": يقصد عامة الشعب وليس رؤساء الكهنة، لأنه ظن أن المسيح إذ صنع خيرا معهم، يطلبون إطلاقه.
ع19:نبه الله بيلاطس مرة أخرى، حتى لا يخطئ فى حق المسيح ويحكم عليه بالموت، إذ أرسلت إليه امرأته تنذره ألا يحكم بشىء ضار على المسيح، لأنها رأت حلما فى ليلة محاكمته يؤكد بر المسيح، وكم يحتمل آلاما دون ذنب.
لم يذكر الكتاب المقدس تفاصيل الحلم، ولكنه شهادة ببر المسيح من امرأة وثنية، فى الوقت الذى يحكم عليه اليهود بالموت، ويهرب تلاميذه وكل محبيه.
"اليوم": أى فى ليلة اليوم التى تُحسَب جزءا منه، وهذا معناه أن الحلم إعلان إلهى، لأنه لم يكن اليهود قد قدموا المسيح إلى بيلاطس حين حلمت حلمها ليلا.

ع20:بحقد وحسد هيّج الكهنة وشيوخ اليهود كل الشعب المجتمع أمام بيلاطس، ليطلبوا إطلاق باراباس المعروف بإجرامه وقتل يسوع، فحاولوا مدح باراباس والتماس العذر له فى جريمته. أما المسيح، فحاولوا إلصاق التهم به ليقنعوا الشعب بطلب إطلاق باراباس.

ع21-22:بعد أن ترك بيلاطس اليهود يفكرون، سألهم عمن يريدون أن يُطلَق لهم، يسوع أمباراباس، فقالوا جميعا: باراباس. فسألهم ماذا يصنع بيسوع، فقالوا: اصلبه؛ ولعل الرؤساء هم الذين بدأوا المطالبة بصلبه، وتبعتهم الجموع.
والصلب هو وسيلة قتل المجرمين عند الرومان، والذى كان سيقع على باراباس، فطلب اليهود أن يتم فى المسيح.

ع23:سألهم بيلاطس مرة أخرى بضعف، ما هو الشر الذى صنعه، لعلهم يتراجعون عن قرارهم، كأن القرار هو للشعب وليس له! إنه منتهى التخاذل... فازداد صراخ اليهود مطالبين بصلب المسيح.
وهكذا يعطيهم الله أكثر من فرصة لعلهم يتوبون، أما هم، فأصروا على شرهم بقتل البار.
ونلاحظ هنا أنه قد سبق تحذيران لهما: الأول من المسيح نفسه أنه يأتى ليدين العالم كله، (يو 5: 22)، ويدينهم على شرهم بقتله (ص 26: 24). والتحذير الثانى كان على لسان يهوذا الإسخريوطى مسلمه عندما أعلن براءته (ع4). والتحذير الثالث عندما غسل بيلاطس يديه أمامهم معلنا براءة المسيح كما سيأتى شرحه فى (ع24).
إن الله ينبهك مرات كثيرة لترجع عن خطاياك، فلا تسد أذنيك وتتمادى فى شرك.
ع24:"يحدث شغب": أى هياج فى المدينة (أورشليم) يلومه عليه القيصر، ويكون سببا فى عزله لعدم التحكم وضبط المدينة.
"غسل يديه": عادة معروفة قديما للدلالة على عدم مسئولية الإنسان عما يحدث أمامه (تث 21: 6).
"أبصروا أنتم": أى أنتم المسئولون عن الحكم وقتله.
أعلن بيلاطس أن المسيح بار وبرىء، وغسل يديه أمام كل الشعب ليعلن براءته من جريمة قتل يسوع. ولكن هذا لا يعفيه أبدا من مسئوليته عن قتله، لأنه كان فى إمكانه أن يحميه ولا يسلمه لليهود. ولكن، لضعفه، خاف من صراخهم، واهتم بمركزه كوالٍ أكثر من اهتمامه بالحق.

ع25-26:أعلن اليهود المجتمعون مسئوليتهم عن قتل المسيح، حتى يشجعوا بيلاطس على أن يأمر بصلبه، وقالوا: "دمه علينا وعلى أولادنا." لأن المشتكى على إنسان بتهمة، إذا ظهرت بعد ذلك براءته، يقع عقابها على المشتكى، كما حدث مع الذين اشتكوا دانيال (دا 6: 24)؛ وما زالت جريمة صلب المسيح على كل يهودى لم يؤمن به.
وفى خضوع وضعف، أمر بيلاطس بجلد المسيح وتسليمه لليهود حتى يصلبوه.
"جلده": منيحكمعليهالرومانبالصلب، يُجلدأولا. وكانالجلدالرومانىقاسيا، إذيضربون بسيور جلدية فى نهايتها قطع معدنية حادة، فتجرح بقسوة من يجلدونه.
تمسك بالحق مهما كلفك، لأن الحق هو الله، وتخاذلك عن إعلانه هو رفض لله. فلا تترك بريئا يُظلم وفى يدك أن تدافع عنه، ولا تبحث عن مصلحتك وتنسى مصلحة غيرك المظلوم.

(5) الاستهزاء بالمسيح وتعذيبه (ع 27-31):
27- فأخذ عسكر الوالى يسوع إلى دار الولاية، وجمعوا عليه كل الكتيبة. 28- فعرّوه، وألبسوه رداء قرمزيا. 29- وضفروا إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه، وقصبة فى يمينه، وكانوا يجثون قدامه، ويستهزئون به، قائلين: "السلام يا ملك اليهود." 30- وبصقوا عليه، وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه. 31- وبعدما استهزأوا به، نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه، ومضوا به للصلب.
ع27:بعد أن جلدوه وألبسوه ثيابه، أدخلوه إلى دار الولاية، واجتمع عليه عساكر الكتيبة الرومانية، وهى حوالى 600 عسكرى، لأنه يبدو أن اليهود كانوا قد حذروا بيلاطس من تابعى يسوع الذين قد يقومون بثورة ويختطفوه، فلذا جمع عليه كل هذا العدد من العسكر.

ع28:عرّوه ثانية،فقد نزعوا ثيابه أولا عند جلده، ولم يشفقوا على جسده الدامى الممزق بالجلدات، ثم ألبسوه ثوبا قرمزيا، يبدو أنه كان ثوبا قديما من ثياب الملوك المخزونة فى دار الولاية. وهذا اللون القرمزى، ويسمى أيضا الأرجوانى، أى الأحمر الداكن، يرمز للدم والفداء الذى سيتممه لأجل خلاص البشرية.

ع29:إمعانا فى الاستهزاء به، فبدلا من وضع تاج من الذهب والجواهر، ضفروا إكليلا من شوك وغرسوه فى رأسه، وهو يشبه غطاء كامل للرأس (طاقية)، كم كان مؤلما!! وبدلا من أن يمسك صولجانا (وهو قضيب من الذهب أو العاج يمسكه الملوك فى أيديهم)، وضعوا قصبة (عصا صغير من خشب البوص) فى يمينه، ثم سجدوا أمامه باستهزاء قائلين: "السلام يا ملك اليهود."
لقد حمل البار خطايانا، واحتمل ما كان يجب أن نحتمله. فالخاطئ يضرب نفسه بجلدات الشهوة التى تمزقه، فيظن بإتمامها أنه ملك، ويلبس الملابس الملوكية فى كبرياء، وأكاليل الكرامة التى يفتخر بها هى الماديات الفانية والأرض الملعونة التى تنبت شوكا وحسكا، فلا يغطى رأسه إلا القلق والألم. وإذ قد فقد سلطانه على نفسه، يصير مثل قصبة (نبات ضعيف مثل البوص) تحركها الريح، أى ينساق مع تيار العالم الشرير. وإمعانا فى خداع نفسه، يفرح بكلمات النفاق والاحترام المزيّف الذى يُقدّم له من المنتفعين منه.

ع30:استمروا فى الاستهزاء به واحتقاره، وبصقوا عليه، وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه الدامى من الأشواك.
وهذا هو الاستهزاء الثالث يالمسيح، فالأول كان من خدام الهيكل فى بيت قَيَافَا (ص 26: 67، 68)، والثانى بواسطة هيرودس وعسكره الذى يذكره لنا لوقا البشير (23: 11).

ع31:بعدما استهزأوا به بكل نوع، أعادوا إليه ثيابه وقادوه للصلب. وكان ذلك فى الساعة الثالثة، فالمحاكمة أمام مجمع اليهود كانت فى باكر الجمعة. أما المحاكمات الثلاث المدنية، فقد بدأت فى باكر، وامتدت إلى الساعة الثالثة حين سلّمه بيلاطس للجند حتى يصلبوه.
إن تعرضت لاستهزاء أو احتقار فلا تنزعج، لأن إلهك قد احتمل لأجلك كل إهانة، وهو البار القدّوس. فاحتمل لأجله، وثق أنه سيسندك، بل ويُظهر برك ويكافئك فى السماء، ويمنحك السلام الداخلى على الأرض فى هذه الضيقات.

(6) صلب المسيح (ع 32-38):
32- وفيما هم خارجون، وجدوا إنسانا قيروانيا اسمه سِمعان، فسخّروه ليحمل صليبه. 33- ولما أتوا إلى موضع يقال له جلجثة، وهو المسمى موضع الجمجمة، 34- أعطوه خلا ممزوجا بمرارة ليشرب. ولما ذاق، لم يرد أن يشرب. 35- ولما صلبوه، اقتسموا ثيابه مقترعين عليها، لكى يتم ما قيل بالنبى: اقتسموا ثيابى بينهم، وعلى لباسى ألقوا قرعة. 36- ثم جلسوا يحرسونه هناك. 37- وجعلوا فوق رأسه علته مكتوبة: هذا هو يسوع ملك اليهود. 38- حينئذ، صُلب معه لصان واحد عن اليمين وواحد عن اليسار.

ع32:حمل المسيح الصليب، وسار به من دار الولاية إلى خارج أورشليم، وكان جسده منهكا مملوءا بالجروح والكدمات، فلم يستطع جسده الضعيف أن يواصل المسيرة تحت ثقل الصليب، وهذا يؤكد ناسوت المسيح، فقد أخذ جسدا حقيقيا أُرهق من كثرة الجلدات.
وحتى لا يتعطل الجند الذين يقودونه، أمسكوا رجلا يسمى سِمعان، كان فلاحا راجعا من حقله، وألزموه أن يحمل الصليب دون مقابل، ويسير خلف المسيح حتى يصلوا بسرعة إلى إتمام صلبه. وكان هذا الرجل يهوديا من القيروان فى شمال أفريقيا، أى فى ليبيا الحالية، ويبدو أنه قد ظهرت عليه علامات الإشفاق على المسيح، فاستغل الجند ذلك وجعلوه يحمل الصليب، ولم يحملوه هم لأنه علامة العار.
إن سِمعان يرمز لكنيسة العهد الجديد، أى المؤمنين الذين يحملون الصليب خلف المسيح، كعلامة حب له فى ترك كل خطية واحتمال الآلام لأجله.

ع33:وصلوا إلى مكان خارج أورشليم يسمى جلجثة، وهى كلمة عبرانية معناها الجمجمة. وهناك تقليد قديم بأن آدم قد دُفن هناك، لذا سُمى المكان بهذا الاسم. وها آدم الثانى، المسيح، يُصلب فيه ليفدى آدم وكل بنيه.
وقد صُلب خارج أورشليم، كما كانوا يُخرجون بعض الذبائح ويذبحونها خارج المحلة التى يسكنون فيها؛ فالمسيح حمل كل العار والخزى، ورُفض من الجميع.
وقد تم خروج المسيح ووصوله إلى الجلجثة أثناء الساعة الثالثة، أى من الساعة الثالثة إلى الساعة السادسة (راجع تفسير ص 20: 2-7).
إذا رفضك الناس، فتذكر ما فعلوه بسيدك يسوع المسيح، وتحمّل من أجله كما تحمّل من أجلك.

ع34:كانت عادة الرومان أن يُسقوا المقدَّم للصلب خلا ممزوجا بمرارة حتى يُخدَّر جزئيا من يشربه، فيتحمّل الآلام بسهولة أكثر. وكان بعض اليهود يقدّمون الخل الممزوج بمرارة كعمل رحمة للمحكوم عليه بالإعدام، فقد يكون بعض اليهود هم الذين قدّموا هذا الخل للمسيح.
أما المسيح، الذى حمل مرارة خطايانا، فلم يرد أن يشرب أى مُخدّر حتى يحمل كل أتعاب خطايانا، فهو: "مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا" (إش 53 :7).
ويذكر مرقس البشير أنهم: "أعطوه خمرا ممزوجة بمر" (15: 23)، وليس هناك اختلاف مع متى الذى ذكر أنه خل، لأن عسكر الرومان كانوا يستخدمون نوعا رخيصا وحامضا من الخمر، فطعمه يشبه الخل، ويعطى نفس تأثير الخمر، عند مزجه بالمر، فى تخدير من يشربه.
يلاحظ أن تقديم الخمر الممزوج بمرارة للمسيح قبل تعليقه على الصليب، غير المرة الثانية التى قدّموا فيها خلا له وهو معلّق (ع48)، وعندما قال: "أنا عطشان" (يو 19: 28).

ع35:ثياب المسيح الملتصقة بجسده ترمز للكنيسة، وقد قسمها الجند الذين قاموا بصلبه إلى أربعة أقسام بينهم، رمزا لخلاصه المقدم لأربعة أركان العالم. وقد أخذها الجند الأمميون، فخلاصه مقدم للعالم كله؛ لليهود والأمم ولكل من يؤمن به.
أما لباسه، فكان منسوجا كقطعة واحدة، وقد اقترعوا عليه، فهو يرمز للكنيسة الواحدة المنسوجة من فوق، أى من السماء، ويريدها أن تحيا فى محبة واحدة دون انشقاق.
وقد تنبأ داود النبى عنه (مز 22: 18)، أن ثيابه يقتسمونها ويقترعون عليها. وقد كان الصلب تعذيبا شديدا لمن يُصلب، فبعد أن يُعرّوه، يسمّرونه فى يديه ورجليه، ويتركونه معلقا حتى يموت وهو يعانى من النزيف والآلام الصعبة.
وكان الصلب أيضا يعنى العار والخزى عند الرومان، الذين كانوا يحكمون العالم فى ذلك الوقت.
واقتسام الثياب يظهر مدى قسوة البشر، وانهماكهم فى تحصيل الماديات فيما هم يعذبون الآخرين. فالمسيح يموت لأجل خلاصنا، أما نحن، فننشغل باقتسام ثيابه أو الاقتراع عليها.
وكانوا يضعون المصلوب على الصليب أفقيا، ويسمرونه، ثم يرفعون الصليب ويضعونه فى حفرة قد تم تجهيزها لذلك، ويثبّتونه بحيث تكون رجلىّ المصلوب مرتفعة عن الأرض نحو 30-40 سم.
وقد تم تسمير المسيح على الصليب فى نهاية الساعة الثالثة، لذلك يذكر مرقس البشير أنهم صلبوه فى الساعة الثالثة (15: 25)، أما يوحنا البشير (19: 14، 15) فيذكر أن نهاية محاكمة المسيح على يد بيلاطس كانت نحو الساعة السادسة، أى قبل انتهاء الساعة الثالثة بقليل، وهى الفترة التى تم خلالها الخروج من أورشليم إلى الجلجثة وتسمير المسيح على الصليب، حتى أنه فى الساعة السادسة كان قد تم تعليقه على الصليب، وتثبيت الصليب فى الأرض، وحينئذ صارت الظلمة على الأرض كلها (ع45).

ع36:جلس الجند الرومان لحراسة يسوع، مع أنه الحارس للعالم كله، ولكنه اتضع وخضع ليفدينا. وبهذا يكون الحراس شهودا على صلبه وموته، ليكون ذلك دليلا على قوة قيامته بعد الموت، وكذلك لم يُصلب إنسان آخر شبيه له، فهو المسيح الذى سلّمه يهوذا وحاكمه اليهود، وصُلب ومات من أجل خلاص المؤمنين به.

ع37:كتب الرومان فوق الصليب أنه ملك اليهود، وهو ليس ما أراده الكهنة وشيوخ الشعب، ولكن كان هذا بسماح إلهى، لأنه هو ملك الملوك الذى يفدى شعبه.
وكانت العادة كتابة علة الصلب أو سببه، وكان المقصود أن سبب صلب المسيح هو ادعاؤه أنه ملك اليهود، وهذا مقاومة للقيصر.
يلاحظ أن الإنجيليين الأربعة قد أجمعوا على أن سبب صلب المسيح هو ادعاؤه أنه ملك اليهود، وقد أوردوه كالآتى، مع مراعاة أن النقل من اللغات المختلفة قد يصحبه بعض الفروق فى التعبير:
fمتى: "هذا هو يسوع ملك اليهود" (27: 37).
fمرقس: "ملك اليهود" (15: 26).
fلوقا: "هذا هو ملك اليهود" (23: 38).
fيوحنا: "يسوع الناصرى ملك اليهود..." (19: 19).
ويلاحظ أن لوقا ويوحنا (19 :20) البشيرين، أضافا أن ما كتب كان بثلاث لغات، هى العبرانية واليونانية واللاتينية.

ع38:لقد تنازل المسيح ليكون بين الأشرار، فقد صُلب معه لصان واحد عن اليمين وواحد عن اليسار ليطلب خلاصهما. وقد آمن به اللص اليمين، فقبله فى فردوسه (لو 23: 40-43).
اتضع بين الضعفاء والمحتقَرين لتشجعهم وتجذبهم للمسيح، فيجدوا راحتهم، كما اتضع المسيح وصُلب بين الأشرار.

(7) محاولة تعطيل الفداء (ع 39-44):
39- وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزّون رؤوسهم، 40- قائلين: "يا ناقض الهيكل وبانيه فى ثلاثة أيام، خلِّص نفسك، إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب." 41- وكذلك رؤساء الكهنة أيضا، وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ، قالوا: 42- "خلّص آخرين، وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها، إن كان هو ملك إسرائيل، فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به. 43- قد اتكل على الله، فلينقذه الآن إن أراده، لأنه قال أنا ابن الله." 44- وبذلك أيضا كان اللصان اللذان صلبا معه يعيّرانه.

ع39-40:كان الشيطان فى حالة من الشك الدائم وعدم اليقينية نحو شخص الرب يسوع. وعندما خشى أن يكون هو (المسيا) المنتظر المعلق على الصليب، حاول إيقاف عملية الفداء، وبالتالى عملية تقييده من المسيح بأن جعل الذين يمرون عليه يستهزئون به، ويستفزونه حتى ينزل عن الصليب، وكانوا يذكّرونه بكلامه عن قدرته على هدم الهيكل وبنائه فى ثلاثة أيام، أى إن كان قادرا على ذلك كما ادعى، وإن كان أيضا ابن الله كما يقول، فلينزل عن الصليب، مع أنه لم يقل هذا عن هيكل سليمان، بل عن هيكل جسده الذى حين يصلبونه ويموت، سيقيم نفسه فى اليوم الثالث. وكانت هذه هى الشهادة الزور عليه، وهى قوله أنه سينقض هيكل اليهود، وهذا لم يحدث.
وقد اشترك فى هذا الاستهزاء اليهود الذين مروا فى هذا المكان، وكذا رؤساء الكهنة (ع41)، وأيضا عساكر الرومان (لو 23: 36). فكانت الاستفزازات كثيرة للمسيح، حتى ينزل عن الصليب ولا يكمل عملية الفداء.

ع41-42:اشترك رؤساء الكهنة أيضا مع الكتبة والشيوخ فى الاستهزاء به، بأنه إذا كان قد صنع معجزات وشفى مرضى وأقام من الأموات، فليخلّص نفسه الآن، أى يؤكدون عجزه ويستفزونه ليرد على افتراءاتهم، ناسبين معجزاته السابقة إلى السحر والعلاقة برئيس الشياطين، بدليل عجزه الآن عن تخليص نفسه، مستهزئين بادعائه أنه ملك إسرائيل، لأن تفكيرهم فى المُلك أرضى مرتبط بالقوة والعظمة المادية، وليس سماويا.

ع43:استمروا فى استهزاءاتهم بالمسيح، فقالوا له: إن كنت أنت ابن الله، واتكلت عليه كما ادعيت، فلماذا لم يخلّصك الله من العذاب والموت، فصلْبك يؤكد أنك لست المسيا المنتظر، وهذا الاستهزاء تنبأ عنه داود بالتفصيل فى (مز 22: 7، 8).

ع44:هنا استهزاء وتعيير آخر يأتى إليه من أحد اللصين، وهو اللص اليسار (بحسب التقليد الكنسى)، إذ قال له: إن كنت أنت المسيح، فخلِّص نفسك وإيانا" (لو 23: 39).
وقد كُتب أن اللصين كانا يعيّرانه، باعتبار أن تعيير أحدهما يدل على كلاهما، مع أن اللص اليمين لم يشترك فى هذا التعيير الشرير، كما يذكر لوقا البشير (23: 40، 41)، والكتاب المقدس يذكر أن أحد اللصين آمن به.
لذلك لقّبته الكنيسة باللص اليمين، باعتبار أن اليمين يمثل البركة والقوة، أما اليسار فيرمز للبعد عن الله.
لا ترد على الأشرار إذا استفزوك، حتى لا تخطئ مثلهم، بل اهرب بحياتك من الغضب، فتكون بالحقيقة قويا مثل المسيح وتتمم أهدافك.

(8) موت المسيح (ع 45-50):
45- ومن الساعة السادسة، كانت ظلمة على كل الأرض، إلى الساعة التاسعة. 46- ونحو الساعة التاسعة، صرخ يسوع بصوت عظيم، قائلا: "إيلى... إيلى، لَمَا شَبَقْتَنِى؟" أى: إلهى... إلهى، لماذا تركتنى؟ 47- فقوم من الواقفين هناك، لما سمعوا قالوا: "إنه ينادى إيليا." 48- وللوقت، ركض واحد منهم، وأخذ إِسْفِنْجَةً وملأها خلا، وجعلها على قصبة وسقاه. 49- وأما الباقون فقالوا: "اترك، لنرى هل يأتى إيليا يخلّصه؟" 50- فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم، وأسلم الروح.

ع45:أعلنت الطبيعة حدادها واستنكارها لما يصنعه البشر مع إلههم المصلوب، بأن صارت ظلمة على كل الأرض فى منتصف النهار والشمس فى قوتها من السادسة إلى التاسعة بحسب التوقيت اليهودى، وهى من الثانية عشرة حتى الثالثة ظهرا.
وهذه الظلمة ترمز لظلمة الخطية التى عاش فيها العالم، وقد صُلب المسيح ليرفعها عنا، وكذا إعلانا لحزن الطبيعة من أجل صلب وموت خالقها، وتنبيها للأشرار حتى يتوبوا كما تاب وآمن اللص اليمين.

ع46:"نحو الساعة التاسعة": أى قرب نهاية الساعة السادسة.
"إيلى": كلمة عبرانية معناها: إلهى، وبالسريانية: أَلُوِى أو إِلُوِى، كما ذكر مرقس البشير (15: 34).
"إلهى... إلهى، لماذا تركتنى؟": تعبير يهودى معروف ومحفوظ، إذ أنه الآية الأولى من (المزمور 22) الذى يشير إلى نبوات واضحة عن آلام وصلب المسيح، ففيه تنبأ داود عن:
(1) احتقار واستهزاء الشعب (ع 6-8).
(2) عطشه قبل موته (ع 15).
(3) ثقب يديه ورجليه (ع 16).
(4) اقتسام ثيابه وإلقاء قرعة عليها (ع 18).
لهذا استخدمه المسيح، كأنه يقول لليهود ارجعوا إلى ما كتب داود عنى، لتعلموا ماذا تصنعون أنتم بى.
ولا يُقصد طبعا أن الله تركه، لأنه هو الإله المتأنس، والابن والآب جوهر واحد.
ومناداة المسيح تعلن شدة الآلام التى يعانيها، سواء الآلام الجسدية أو الآلام الروحية، لأنه يحمل خطايا العالم كله، وهو الله القدّوس الذى يتنافر مع الخطية، فيُظهر شناعتها.
ع47-49:كان اليهود الواقفون وسامعين له، يظنون إنه ينادى إيليا، لأن لفظة إيلى تشبه إيليا، كما أنهم يعتقدون أن إيليا سيأتى مرة ثانية. فاستهزأوا به قائلين: اُنظروا، هل يأتى إيليا يخلصه؟ وهذا استفهام استنكارى، أى لن يأتى إيليا.
وأعلن المسيح عطشه وقال: أنا عطشان (يو 19: 28) ليؤكد ناسوته، فالمصلوب يشعر بالعطش الشديد، فتقدم واحد وقدم له خلا ليشرب منه، ووضعه فى إسفنجة ووضعها على قصبة من نبات الزوفا كما يذكر يوحنا البشير (19: 29). والزوفا نبات كانت غصونه تستعمل لرش المياه المقدسة حسب الطقوس اليهودية.

ع50:بهذا أكمل المسيح كل الآلام عنا فصرخ بصوت عظيم تعبيرا عن شدة الألم، ومات على الصليب، وانطلقت روحه منفصلة عن جسده، وبهذا تم الفداء؛ ولكن ظل لاهوته متحدا بجسده وأيضا بروحه.
وقد نطق المسيح وهو على الصليب بسبعة أقوال، هى:
(1) صلاته من أجل من يصلبونه، قائلا: "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 23: 34).
(2) وعده للص التائب بالفردوس، بقوله: "اليوم تكون معى فى الفردوس" (لو 23: 43).
(3) تسليمه العذراء أمه ليوحنا بقوله لها: "يا امرأة هوذا ابنك"، ثم قوله ليوحنا: "هوذا أمك" (يو 19: 26، 27).
(4) صراخه إلى الله من شدة الألم، قائلا: "إيلى... إيلى لَمَا شبقتنى" (مت 27: 46).
(5) قوله: "أنا عطشان" (يو 19: 28).
(6) قوله: "قد أُكْمِلَ" (يو 19: 30).
(7) تسليم روحه لله، قائلا: "يا أبتاه فى يديك أستودع روحى" (لو 23: 46).
اُنظر لآلام المسيح على الصليب حتى تشعر بحبه لك، فتحبه كل حين.

(9) حوادث مصاحبة لموت المسيح (ع 51-56):
51- وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، 52- والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، 53- وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين. 54- وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع، فلما رأوا الزلزلة وما كان، خافوا جدا، وقالوا: "حقا، كان هذا ابن الله." 55- وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد، وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه. 56- وبينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسى وأم ابنى زَبَدِى.

ع51:عند موت المسيح فى الساعة التاسعة، انشق حجاب الهيكل، وهو ستارة ضخمة من القماش، عرضها حوالى 7 متر وارتفاعها 14 مترا، وهى تفصل بين القدس وقدس الأقداس[1](+)، ولا يمكن أن يرى هذا الانشقاق إلا الكهنة، فهم وحدهم المسموح لهم بالدخول إلى القدس، وقد آمن بعضهم وأعلن ما حدث.
وانشقاق الحجاب إشارة ثانية إلى نهاية الكهنوت اليهودى، وبداية الكهنوت المسيحى، {كانت الإشارة الأولى فى (ص 26: 56)، عندما مزق قيافا رئيس الكهنة ثيابه}، إذ أتم المسيح الفداء على الصليب كرئيس كهنة، قدّم نفسه ذبيحة عنا، وبموته فتح لنا الطريق إلى الأقداس، أى فردوس النعيم وملكوت السماوات، إذ لم يكن مسموحا فى العهد القديم أن يدخل أحد إلى قدس الأقداس إلا رئيس الكهنة ومعه دم يرشه على تابوت العهد. أما الآن، فالمسيح رئيس الكهنة بشق جسده، أى موته على الصليب، فتح لنا الطريق إلى الأقداس، فنستطيع، ليس فقط أن ننظر إلى الهيكل والمذبح فى الكنيسة، بل نتناول جسده ودمه الأقدسين.
"الأرض تزلزلت، والصخور تشققت": معناه اهتزاز الطبيعة أمام الخلاص الإلهى الذى تم على الصليب. ومن الناحية الروحية الرمزية، يرمز إلى اهتزاز الشهوات الأرضية التى رفعها عنا لمسيح، وتشقُّق القلوب الصخرية ليسكن فيها.

ع52-53:بالإضافة إلى تأثر الهيكل والطبيعة، تأثر الموت أيضا، فلم يعد له سلطان على أولاد الله، إذ القبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين (المؤمنين)، فقد نقلهم بصليبه من الجحيم إلى الفردوس، فهم يعلنون بقيامتهم فرحتهم بالخلاص الذى نالوه، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، أى أورشليم، لأن فيها هيكل الله، وظهروا لكثيرين ليعلنوا القيامة والخلاص لليهود حتى يؤمنوا بالمسيح الفادى، سواء كانوا من القديسين المعروفين مثل الأنبياء ورجال الله، أو المؤمنين بالمسيا المنتظر من اليهود الذين ماتوا من فترة قريبة ويعرفهم الناس الذين فى أورشليم.
ع54:عندما رأى قائد المئة والجند الذين معه المسئولون عن حراسة المسيح المصلوب (وهم رومانيون أمميون) تغيرات الطبيعة بالزلزلة وتشقق الصخور، بالإضافة إلى معاينتهم الظلمة السابقة، أعلنوا أن المسيح ليس إنسانا عاديا، بل خافوه كإله، وقالوا: "حقا، كان هذا ابن الله"، مصدقين قوله عن نفسه أنه ابن الله، كما علموا من الجموع الذين مروا بالصليب.
ويذكر يوحنا البشير (19: 31) أنه فى هذا الوقت، طلب اليهود من بيلاطس كسر سيقان المصلوبين، حتى يموتوا ولا تبقى أجسادهم معلقة فى عيد الفصح والفطير الذى يمتد ثمانية أيام، فوافق، وكسر الجند أرجل اللصين، وعندما أتوا للمسيح وجدوه قد مات، فطعنه أحد الجنود بحربة فى جنبه للتأكد من موته، فخرج دم وماء.

ع55-56:وكانت هناك مجموعة من النساء، هن اللاتى كن يتبعن ويخدمن المسيح بأموالهن، وأتين معه من الجليل فى شمال اليهودية إلى أورشليم، ومنهن مريم المجدلية التى أخرج منها سبعة شياطين، ومريم زوجة كِلُوبَا أو حلفا أخت العذراء مريم، وسالومة أم يعقوب ويوحنا ابنى زَبَدِى. وكن ينظرن من بعيد، إما خوفا من اليهود، أو لأن العسكر أبعدوهن، ولكن محبتهن جعلتهن يتابعن كل شىء حتى النهاية.
الله يُظهر أمامك علامات فى أحداث الحياة لتؤمن به وتتكل عليه، يمكنك أن تفهمها إن كنت متمسكا بعلاقتك به فى صلوات وأصوام وقراءات وتناول من الأسرار المقدسة. وإن فهمت ما يحدث حولك فلا تهمله، بل ليكن دافعا لك حتى تتوب، وتُزيد علاقتك مع الله.

(10) دفن المسيح (ع 57-61):
57- ولما كان المساء، جاء رجل غنى من الرامة اسمه يوسف، وكان هو أيضا تلميذا ليسوع. 58- فهذا تقدّم إلى بيلاطس، وطلب جسد يسوع. فأمر بيلاطس حينئذ أن يُعطَى الجسد. 59- فأخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقى. 60- ووضعه فى قبره الجديد الذى كان قد نحته فى الصخرة، ثم دحرج حجرا كبيرا على باب القبر ومضى. 61- وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر.

ع57-58:أحد تلاميذ المسيح، أى تابعيه، يدعى يوسف الرامى، والرامة قريبة من أورشليم. وكان هذا أحد شيوخ اليهود من مجمع السبعين شيخا، وهو غنى، ولم يكن موافقا لرأى شيوخ اليهود فى صلب المسيح (لو 23: 51).
وبما له من علاقات ومركز، استطاع بجرأة وإيمان أن يدخل إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع بعد أن مات،فسمح له. وبتصرّفه هذا، عرّض نفسه للخطر من بيلاطس واليهود، لأن هذا دليل على ارتباطه الشديد بالمسيح المصلوب، ولكنه لم يخف، والله حفظه فلم يؤذه أحد.

ع59:اشترك مع يوسف الرامى نيقوديموس الذى كان مؤمنا بالمسيح، ولكن خفية مثل يوسف خوفا من اليهود، وكان يحمل أطيابا وحنوطا وضعاه على الجسد (يو 19: 39). ثم أخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقى.
والكتان يوضع للأغنياء إذ هو ملك الملوك، وأيضا لباس الكهنة إذ هو رئيس كهنتنا الذى قدّم نفسه ذبيحة على الصليب.

ع60:كان يوسف يملك بستانا قريبا من مكان الجمجمة داخله صخرة نحت فيها قبرا لنفسه. وعندما مات المسيح، فضّله على نفسه ووضعه فى قبره الجديد الذى لم يوضع فيه أحد. وكان هذا بتدبير الله، ليؤكد قيامته، فلا توجد أجساد أو عظام أخرى معه يُشَكّ أنها قامت. ووضع حجرا كبيرا على باب القبر لا يستطيع أحد بسهولة أن يدحرجه، ليؤكد هذا عدم استطاعة تلاميذ المسيح أن يسرقوا الجسد دون ضوضاء يشعر بها حراس القبر.

ع61:ما زالت بعض النساء، فى محبتهن للمسيح، يراقبن دفنه. ويذكر الكتاب المقدس منهن مريم المجدلية ومريم أخرى يذكر مرقس البشير أنها أم يوسى (15: 47)، ويذكر لوقا أنه: "تبعته نساء كن قد أتين معه من الجليل، ونظرن القبر وكيف وُضع جسده. فرجعن وأعددن حنوطا وأطيابا، وفى السبت استرحن حسب الوصية." (23: 55، 56), كما يذكر يوحنا: "وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كِلُوبَا." (19: 25).
محبتك لله تجعلك تراقب طرقه وتسير وراءه، ليس فقط فى وقت الراحة، بل وفى الضيقات أيضا، متمسكا بوصاياه، فكن جريئا وأعلن محبتك له مهما كان الأشرار يرفضون طريق الله.

(11) ختم القبر (ع 62-66):
62- وفى الغد الذى بعد الاستعداد، اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس، 63- قائلين: "يا سيد، قد تذكّرنا أن ذلك المضل قال وهو حى، إنى بعد ثلاثة أيام أقوم. 64- فَمُرْ بضبط القبر إلى اليوم الثالث، لئلا يأتى تلاميذه ليلا ويسرقوه، ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات، فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى. 65- فقال لهم بيلاطس: "عندكم حراس، اذهبوا واضبطوه كما تعلمون." 66- فمضوا وضبطوا القبر بالحراس، وختموا الحجر.

ع62-64:"رؤساء الكهنة والفريسيون": أعضاء مجلس السنهدريم.
"المضل": ما زالوا يلقبون المسيح بذلك، رغم رؤيتهم للظلمة والزلزلة، لأنهم مصرون على الشر.
فى مساء يوم الجمعة، أى بداية السبت، إذ أن اليوم يبدأ من ليلته، وبعد انتهاء يوم الجمعة المسمى عند اليهود بالاستعداد ليوم السبت، بعد دفن المسيح، تذكّر رؤساء الكهنة والفريسيون كلام المسيح عن قيامته عندما: "قال لهم انقضوا هذا الهيكل ’أى جسده‘ وفى ثلاثة أيام أقيمه" (يو 2: 19)، وقد يكونوا عرفوا من أحد تلاميذه نبوته عن قيامته فى اليوم الثالث (ص 16: 21)، وخافوا أن يسرق التلاميذ جسده ويدّعوا أنه قام. فذهبوا إلى بيلاطس وأخبروه بهذا، وطلبوا منه أن يأمر بضبط القبر، أى بوضع الأختام والحراس عليه، ولم يفهموا أنهم بهذا يؤكدون قيامته عندما يقوم فى اليوم الثالث، رغم وجود الأختام والحراس.
"الضلالة الأخيرة": إذ اعتبروا كل تعليم المسيح ضلال للشعب، فإذا سرق التلاميذ جسده وادعوا أنه قام، يضلون الشعب أكثر من أيام حياة المسيح بينهم.

ع65-66:سمح لهم بيلاطس أن يضبطوا القبر، فمضوا وضبطوا القبر بالحراس الرومانيين والأختام؛ وبالطبع أتموا كل شىء بتدقيق ليضمنوا عدم سرقة الجسد.
لا تنزعج من حِيَلِ الأشرار وقوتهم، فالله يحولها لمصلحتك وإظهار برك.


(+)للتقريب لذهن القارىء، كان الهيكل يتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية: الدار الخارجية، وهى تماثل صحن الكنيسة حاليا، وكان ممكن للشعب التواجد بها. أما الجزءان الداخليان (القدس وقدس الأقداس)، فلا يُسمح لأحد بالاقتراب منهما سوى الكهنة. ويمكن تشبيههما بالهيكل والمذبح فى كنائسنا.


hghwphp 27







التوقيع

رد مع اقتباس
 



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات ام السمائيين و الارضيين