الكتاب المقدس وامسالة التفسرية

الكتاب المقدس والمسألة التفسيرية

للقس موسى روفائيل

في رسائل بولس الرسول وفي كل الكتاب المقدس "أشياء عسرة الفهم"(2بط3 :16) سببت حيرة وارتباكا شديدا لدى كثير من المؤمنين* وبسبب بعض المعلمين الذين وصفهم الكتاب بـ "معلمين كذبه"(2بط 1: 2) "رسل كذبة فعله ماكرون"(2كو 11: 13) "اخوة كذبة" (2كو 11 : 26) "ذئاب خاطفة" (أع 20 : 29) تعدى الأمر أن يكون ارتباكا وحيرة بل صارت "سببا لهلاك كثيرين"(2بط 1 :2) هؤلاء فصلوا هذه الأجزاء الكتابية عن الكتاب والكنيسة واستغلوها كتربة خاصة زرعوا فيها تعليم " حسب شهواتهم الخاصة " (2تي 4 : 3) لا تمت للوحي بصلة* وهكذا صار في الكنيسة كثير من هذه التعاليم نمت وتزايدت على سطح بعض الأجزاء الكتابية* بواسطة المعلمين الذين فسروا كلمة الله بطريقتهم الخاصة.

والآن على أي أساس يفهم المؤمنون كلمة الله وكيف يفسرونها؟ في القرن السادس عشر نادت حركة الإصلاح البروتستانتية بعبارة صارت شعارا لهم: (Sola ura) أي (الكتاب وحده)* وهم قصدوا وحده دون أي كتاب آخر أو أي سلطة تعليمية أخري. ونادت الكنيسة وقتها بعبارة مقابلة هي: (الكتاب والتقليد). أترى هل يمكن أن يفهم كل منا المعنى الصحيح لكامل للكتاب بمفرده بعيدا عن " الإيمان المسلّم مرة للقديسين" (يه 1 : 3)..؟

لقد حذر آباء الكنيسة بالإجماع من خطورة هذا الأمر ذلك لان اكثر الهراطقة الذين قاوموا الحق الإلهي الثابت والمستقر في الكنيسة أمثال آريوس* سابليوس* مقدونيوس كان أسلوبهم هو الاعتماد على هذا المنطق: (الكتاب وحده) فقد حشدوا عشرات النصوص الكتابية التي تؤيد وجهة نظرهم معتمدين على العقل والاستنتاجات المنطقية وحدها في التعامل مع النصوص المقدسة. فماذا كانت النتيجة؟ أنكر هؤلاء ألوهية السيد المسيح* والروح القدس* وأنكروا تقليد الكنيسة في الثالوث القدوس.

وقد يدقق أولئك بشدة في النص الكتابي* مثلما حدث في أيام القديس باسيليوس الكبير* درسوا أشكال حروف الجر المرتبطة بالروح القدس في الكتاب ولكن دون الارتكاز على قاعدة إيمانية سابقة قادهم هذا أيضا إلى إنكار ألوهية الروح القدس.

القديس إيريناؤس في مناهضته لتعليم الغنوسيين أورد تشبيها رائعا* صنع فنان موهوب صورة جميلة لأحد الملوك من الفسيفساء مزينة بأحجار كريمة* ولكن شخصا آخر فكك هذه الحجارة وأعاد ترتيبها بأسلوب آخر ليقدم منها صورة كلب أو ثعلب* ثم زعم أن الصورة هي الصورة الأصلية لأنها مصنوعة من الفسيفساء والحجارة الكريمة الأصلية!!

الحق إن ما غاب هنا ليس بعض الفسيفساء بل النموذج ( الترتيب ) الأصلي* وهذا ما حدث مع المعلمين الكذبة* كلماتهم وتعبيراتهم أصلية ولكن قياسهم أو تصميمهم كيفي وخاطئ..(ضد الهراطقة 1 * 8)* وما أراد إيريناؤس أن يوضحه أن للكتاب نموذجه وبنيته الداخلية وهذه غائبة عن الهراطقة* وكثرة النصوص المقتبسة من الكتاب ليست برهانا على صحة الإيمان ذلك لان النصوص مرتبة حسب أهوائهم* أما القاعدة الأساسية التي احتكم لها الآباء في صراعهم مع الهراطقة أن الكتاب المقدس – بحسب تعبير ترتليان – هو كتاب الكنيسة ولا حق للهراطقة في استخدامه* ولا يمكن أن يفهم صحيحا إلا حسبما استقر في الكنيسة من إيمان مسلّم لنا. من عبارات القديس اثناسيوس : " لننظر إلى تقليد الكنيسة الجامعة وتعليمها وإيمانها الذي أعطاه الرب وبشر به الرسل وحفظه الآباء لان الكنيسة أُسست عليه" (إلى سيرابيون 1 * 8)* وأوريجانوس الذي رأى أن مهمة المفسر هي الإعلان عن كلمة الروح قال: "يجب أن ننتبه عندما نُعلّم لئلا نقدم تفسيرنا الخاص بدلا من تفسير الروح القدس" (في تفسير رومية 1 * 3)

وفى الواقع هذا ما يدعونا إليه الكتاب نفسه ففي رسالة تسالونيكى يقول الرسول " تمسكوا بالتعاليم (في اليونانية: التقاليد) التي تعلمتموها* سواء بالكلام أو برسالتنا" (2تس 2 : 15) فالرسول يوصى بالتمسك بالتقاليد التي سلمها سواء بالكلام شفاهة أو برسالته كتابة* وهذا ما دعى (Bruce) أحد أساتذة الدراسات النقدية في جامعة مانشستر أن يكتب تعليقا على (2تس 2 : 15) قائلا: " بينما يميل مسيحيو الغرب إلى إقامة الكتاب المقدس والتقليد الواحد ضد الآخر* كما لو كان التقليد شفهي فقط غير مكتوب* فانه ليس هناك ما يمنع أن يكون التقليد مكتوبا* فقد أخذ التقليد الرسولى شكلا شفهيا في حينه وصار بعضه كتاباً رسولياً " وهذا ما أشار إليه اثناسيوس الرسولي قائلا: " إن الكتاب نفسه هو تقليد رسولي " (إلى ادلفيون).
لذلك فأول مبدأ من مبادئ تفسير الكتاب: فهمه من خلال الإيمان الثابت والمستقر في الكنيسة* وليس قياس الكتاب على الكتاب بمنطق عقلي مجرد.

	لاتقرأ وتذهب بل سجل بالمنتدى لتكون عضوا مشاركا معنـــــــا

المصدر: منتدى ام السمائيين و الارضيين - من قسم: العهد الجديد

---

hg;jhf hglr]s ,hlshgm hgjtsvdm

أستاذ أبو بيشو