الأب سلوانس - منتدى ام السمائيين و الارضيين
الرئيسية التسجيل مكتبي
Image
البحث الأعضاء الرسائل الخاصة


منتدى ام السمائيين والارضيين


   
العودة   منتدى ام السمائيين و الارضيين > منتدى الطريق نحو الابديه > قسم سير حياه القديسين والشهداء
 
قسم سير حياه القديسين والشهداء يشمل سير حياه جميع القديسين والشهدء الذين عرفوا طريق الابديه ونالوا الاكاليل

إضافة رد
   
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 08-23-2011, 11:53 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
مشرف
 
الصورة الرمزية بنت مارمينا
 

 

 
1 الأب سلوانس







الأب سلوانس

زار أحدُ الإخوةِ الأب سلوانس في جبل سينا، فلما رأى الإخوةَ منكبِّين على العملِ، قال للشيخِ: «لا تعملوا للطعامِ البائد أيها الأب، لأن مريمَ اختارت لها الحظَّ الصالح». فقال الشيخُ لتلميذِه: «أعطِ الأخَ مصحفاً (أي إنجيلاً) وأدخله في قلايةٍ فارغةٍ». ففعل. فلما حانت ساعةُ الأكلِ بقي الأخُ منتظراً على البابِ مترقباً وصول من يسأله المجيء إلى المائدةِ. فلما لم يدعُهُ أحدٌ، نهض وجاء إلى الشيخِ وقال له: «أما أكل الإخوةُ اليوم يا أبانا»؟ فأجابه: «نعم». فقال له: «ولماذا لم تدعُني للأكلِ معهم»؟ فأجابه الشيخُ: «ذلك لأنك رجلٌ روحاني، لستَ في حاجةٍ إلى طعامٍ، وأما نحن فجسديون نحتاجُ إلى طعامٍ ولذلك نمارسُ الأعمالَ. أما أنت فقد اخترتَ النصيبَ الصالح، تقرأ النهارَ كلَّه، ولا تحتاج إلى أن تأكلَ طعاماً». فلما سمع الأخُ هذا الكلامِ خرَّ ساجداً وقال: «اغفر لي يا أبانا». فأجابه الشيخُ: «لا شكَّ أن مريمَ تحتاجُ إلى مرثا، لأن مريمَ بمرثا مُدحت».
وحدث في بعضِ الأوقاتِ أن سُئل الأب سلوانس: «أيَّ سبيلٍ سلكتَ حتى حصلتَ على هذه الحكمةِ»؟ فأجاب وقال: «إني ما تركتُ في قلبي قط فكراً يُغضبُ اللهَ».
سُئل أحدُ الشيوخِ: «أيُّ الوصايا يقتنيها الإنسانُ حتى يستطيعَ بواسطتها الخلاص»؟ أجاب وقال: «إنها أربعُ فضائل يلزم للإنسانِ اقتناؤها: الصوم، الطلبة إلى الله، العمل بيديه، عفة جسمه. فالشيطان يعمل ضد هذه الأربعة، فإنه أخرج آدم من الفردوس أولاً إذ خدعه بالمأكلِ، وأضلَّه ثانياً بالهربِ فلم يَدَعه يطلب من الله غفرانَ خطيئته، كذلك احتال عليه بواسطة البطالةِ لما طُرد من الفردوس، فرماه في كثرة الشبقِ والتهور باللَّذة، حتى صيَّره أسيراً بالكليةِ. فلِعلم السيد محبّ البشر بسوءِ أعمال المحتال، أعطى آدم عملاً يشتغلُ به حتى لا يتسلَّط عليه المحتال بواسطة البطالة والفراغ، قائلاً له: اعمل الأرضَ. لذلك يعمل الشيطان على إبطال الصوم لأن به يتذلل الجسدُ ويتلطف العقلُ ويستنير، كما يحرص على إبطال الصلاة لأن بها يدنو الإنسانُ من الله، كما أنه يعمل كذلك على إبطال العمل لأن العمل يمنع شرورَ المحتالِ ويُعين على حفظِ العفةِ التي بها يتَّحدُ الإنسانُ بالله، فإذا أحكم الإنسانُ اقتناء وممارسة هذه الأربع فضائل، أمكنه بواسطتها الحصول على باقي الفضائل».
قال أحدُ الآباءِ: «اهتم بعمل يديك ومارسه إن أمكنك ليلاً ونهاراً. لكي لا تُثقل على أحدٍ. وحتى يكون لك ما تعطي المسكين، حسب ما يأمر به الرسول، ولكي ما تصرع شيطانَ الضجر، وتُزيل من نفسِك بقيةَ الشهوات، لأن شيطانَ الضجرِ منكبٌ على البطالةِ وهو في الشهواتِ كامنٌ».
قال القديس نيلس: «إن البطالةَ هي مصدرُ رداءةَ الأعمالِ، لا سيما من أولئك الذين قد عدموا الأب. لأن اليهودَ لما لم يكن لهم في البريةِ عملٌ يشتغلون به، خرجوا من البطالةِ إلى عبادة الأوثان. فعلينا ألا نفارق عملَ اليدين، لأنه نافعٌ جداً ومهذِّبٌ».
وقال أيضاً: إن إنساناً كسلاناً بلغني عنه أنه أخذ من خزانتِه الإنجيلَ من الساعةِ السابعة إلى غياب الشمس، ولم يستطع أن يفتحَه البتة، وكأنه كان مربوطاً بالرصاصِ. أما أنطونيوس فإنه لم يفعل هكذا، بل عمل كما أراه الملاك؛ فتارةً كان جالساً ولعملِه ممارساً، وتارة أخرى كان قائماً وللصلاةِ ملازماً. فكان يؤدي ذلك، ولا يترك تلك. فحظيَ بنورٍ فائق الحدِّ. حتى أنه قال لأحدِ فلاسفة زمانه: «إني كما في لوحٍ أتأمل طبيعةَ المخلوقات دائماً، وذلك بتلاوةِ أقاويل الربِّ حتى ولو في ظلمةِ الليل الحالكة». بهذا المقدار فإنه كان يتصل بالله، فكان ليلُه نهاراً مضيئاً. كما هو مكتوبٌ: «إنَّ كلامَك سراجٌ منيرٌ والليلَ يضيءُ مثل النهار». وقال أيضاً: «يجب أن تكون أعمال يديك إلهيةً لا أرضية. ولتكن أثمانُها مشاعةً بينك وبين المساكين».
قال ما أفرآم: «فاتحةُ العجرفةِ هي عدم مشاركة الراهب الإخوة في العمل حسب قدرتهِ، وإذا ما جئنا إلى العمل فلا نُكثر الكلامَ بل ليكن اهتمامُنا وتفكيرُنا في الهدفِ الذي من أجلهِ خرجنا».
سأل أخٌ القديسَ يوسف قائلاً: «ماذا أعملُ فإنه لا يمكنني أن أتعبَ أو أعملَ أو أتصدق»؟ فقال الشيخُ: «إن لم يمكنك العملَ فاحفظ قلبَك ونيَّتك من كلِّ ظنِ سوءٍ بأخيك فتخلص، لأن اللهَ يريدُ النفسَ ألا تكون خاطئةً».
قال أحدُ القديسين: «إن الآباءَ قد سلموا إلينا هذه الطريق، وهي: أن نعملَ بأيدينا، وأن نلازمَ الصمتَ، وأن نبكي على خطايانا».
قال القديس مرقس: «لا تكن من القومِ البطالين الذي يؤثِرون الاغتذاءَ من وجوهٍ سمجةٍ لا سيما من النساءِ، وإذ لك يدان فاعمل وكُلْ، لأنه أوفق لك أن تتشاغل بعملِ اليدِ من أن تُصرع بأعمال الخطية. لأن العمّال لا يقبل البطالةَ لئلا يسقط كمن يظن أنه منكبٌ على عملٍ روحاني ولا يسير فيه كما ينبغي».
أخبرنا يوحنا الخصي أنه سأل في شبابهِ شيخاً قائلاً: «كيف استطعتم أن تعملوا عملَ الله بنياحٍ، مع أننا لم نستطع أن نعملَه نحن حتى ولو بالتعبِ»؟ فقال الشيخُ: «نحن إنما أمكننا ذلك لأن عملَ الله كان رأسَ مالِنا، وحاجة الجسد كانت في المرتبةِ الثانية. أما أنتم فحاجةُ الجسد عندكم هي رأسُ مالِكم، وعملُ الله في المرتبةِ الثانية، من أجل ذلك فإنكم تكلِّون وتخورون، وبخصوص ذلك قال مخلصنا لتلاميذِه: يا قليلي الإيمان اطلبوا أولاً ملكوتَ اللهِ وبرَه، أما هذه الأشياء فتُزاد لكم». فسأل الأخُ الشيخَ قائلاً: «زدني إيضاحاً». فقال له: «ها أنت تسمع عني أني مريضٌ ويجب عليك افتقادي، فتقول في نفسِك: إذا ما فرغتُ من عملي أمضي إليه وأفتقده، ويتفق أن يعوقك عائقٌ ما فلا تجيء إليَّ بالكليةِ، وبذلك تكون قد جعلتَ عملَ السيد الذي هو رأسُ المال وحياةُ النفس في المرتبةِ الثانية. كذلك ربما يطلب إليك أخٌ آخر قائلاً: تقدم يا أخي وساعدني في هذا الأمر. فتقول في نفسِك: أأترك عملي وأذهب معه؟ فتكسر وصيةَ المسيح التي تتعلق بالعمل الروحي، وتعكُف على عملك الذي ينبغي أن تجعله في المرتبةِ الثانية».
سأل أخٌ الأب بيمين قائلاً: «قل لي كلمةً». فأجابه قائلاً: «واظب على عمل يديك ما استطعت، وذلك لتعمل منه صدقةً، لأنه مكتوبٌ: إن الرحمةَ تُطهِّر الخطايا».
قال الأب لوط: «الراهب الذي لا يمارس عملاً يُدان كإنسانٍ نهمٍ مغتصب».
قال الأب بيمين: «ثلاثةُ أعمالٍ رأيناها للأب بموا: صومٌ إلى المساءِ كلَّ يومٍ، وصمتٌ دائم، وعمل اليدين».
وقيل عن الأب بموا أيضاً لما حضرته الوفاة، أن سأله الآباءُ قائلين: «قل لنا كلمةً». فقال: «إني منذ دخولي هذه البرية وبنائي القلاية وسكناي فيها، ما انقضى عليَّ يومٌ واحدٌ بدونِ عمل، ولا أتذكر أني أكلتُ خبزاً من إنسانٍ، وإلى هذه الساعةِ ما ندمتُ على لفظٍ واحد تلفظتُ به، وها أنا منطلقٌ إلى الربِّ كأني ما بدأتُ بشيءٍ يرضيه بعد».
وقال أحدُ الآباء: إذا قمتَ باكر كلِّ يومٍ، خاطب نفسَك قائلاً: «يا نفسي استيقظي لترثي مُلك السماءِ». ثم خاطِب جسدَك قائلاً: «وأنت يا جسمي اعمل لتغتذي».
سُئل أحدُ الآباء: «أيُّ شيءٍ يلزم لمن يريد الخلاصَ»؟ وإذ كان الأبُ ملازماً العمل لا يرفع رأسَه عنه، أجاب: «هذا هو ما تراه».
قال الأب إشعياء: «اِغصب نفسَك على العملِ، وخوفُ اللهِ يحلُّ عليك».
جاء أحدُ المتوحدين إلى غديرٍ فيه قصب، فجلس هناك وصار يقطعُ من حشائشِ النهر ويضفِّر ويرمي الضفيرةَ في النهرِ لأنه لم يكن يعملُ لاحتياجٍ، بل لكي لا يكون بطالاً، فكان يُتعب جسدَه، ولم يزل هكذا حتى قصده الناسُ، فلما رآهم تحول عن ذلك المكان».
سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «إن اتفق لي تحصيل حاجاتي من حيثما اتفق، فهل يليقُ بي أن لا أعمل بيدي»؟ أجاب الشيخُ: «حتى ولو اتفق من حيثما اتفق، فلا تترك العملَ، اعمل بكلِّ جهدك».
قال الأب لوقيوس: «أنا عبدٌ وسيدي قال لي: اعمل عملاً وأنا أعولك بالطريقة التي أراها؛ فإن أنا استجديتُ واقترضتُ، فليس هذا من شأنك، فقط اعمل أنت، وأنا أقوم بأَوَدك».
جاء قومٌ إلى الأب شوشاي ليسمعوا منه قولاً. فلم يخاطبهم بشيءٍ ولم يزد عن: «اغفروا لي». ولما رأوا عنده زنابيل قالوا لتلميذهِ: «ماذا تعملون بهذه الزنابيل»؟ قال لهم: «إن الشيخَ يفرِّقها هنا وهنالك». فلما سمع الشيخُ قال: «إن شوشاي من هنا ومن هنالك يغتذي». فلما سمعوا ذلك انتفعوا جداً.
قال مار أفرآم: «إن أحدَ الإخوةِ قال: طلبتُ من اللهِ أن يعطي عمل يدي نعمةً كي أعولَ جميعَ من هم في الكنوبيون، لأني بذلك أفرحُ».
قال أحدُ القديسين: إذا باشرت عملاً في قلايتك وحانت ساعةُ صلاتك، فلا تقل: «أفرغ من هذا القليل الذي بيدي وبعد ذلك أقوم»، بل بادر للوقتِ وأوفِ الصلاةَ لله في وقتِها في كلِّ حين، لئلا تعتاد نفسُك تدريجياً إهمالَ الصلاةِ.
قال قاسيانوس الرومي: إنه لأمرٌ فظيع وقبيح بنا أن يتعبَ العلمانيون ويعملون ويعولون أولاداً ونساءً، ويدفعون خِراجاً وضريبةً، ويُحسنون إلى فقراءٍ ومحتاجين حسب طاقتهم، ويحملون إلى بيتِ الله باكوراتٍ وقرابين، أما نحن فلا نقتني من أتعابنا حتى ولا حاجاتنا اللازمة لنا، بل نحبس أيدينا داخل ثيابنا، ونستجدي أتعابَ غيرنا، ولا نُصغي إلى الرسولِ القائل: «إن هاتين اليدين قد خدمتا حاجاتي وحاجات الذين هم معي». وقوله: «إن الربَّ أعطى الطوبى للمعطي أكثر من الآخذ». وقوله أيضاً: «نحن نوصيكم يا إخوتنا باسم ربنا أن تتجنبوا كلَّ أخٍ عديم النظام، لا يسلك حسب التقليدِ الذي سلمناه لكم، لأننا ما أسأنا إلى النظامِ بينكم، ولا أكلنا من أحدٍ خبزاً مجاناً، بل كنا نتعب ونكد عاملين ليلاً ونهاراً لئلا نُثقل على واحدٍ منكم. ليس لأنه لا سلطان لنا، بل لنعطيكم أنفسَنا مثالاً. لأني وقت أن كنت عندكم، قد أوصيتُكم بهذا: إن من لا يشاء أن يعمل عملاً فلا يأكل، والآن فقد سمعنا أن فيكم قوماً يسيرون بعدمِ نظامٍ ولا يمارسون عملاً. فنحن نوصي هؤلاء ونسألهم باسم ربنا يسوع المسيح أن يعملوا عملَهم بسكونٍ، ويأكلوا خبزَهم». أسمعتم كيف أن الرسولَ بحكمةٍ يزيل عِللَ الصلفِ. ويدعو الذين لا يعملون عادمي النظام. وبهذا أرانا رذيلةً كبرى شريرة. لأن البطَّال غيرُ نافعٍ في أيِّ أمر. وهو مهيأٌ للغضبِ، وغيرُ موافقٍ للسكوتِ، وعبدٌ للضجر ومنغمسٌ في الشهوات، كما أنه متهجمٌ في أقوالهِ فاعلٌ الرذائل الأخرى كلَّها. أما قوله: «أنهم لا يسلكون بحسب الوصية التي أخذوها منا»، فيقصد به أنهم متوانون ومتكبرون معاً، ومبطلون للوصايا. كذلك قوله: «لم نأكل منكم خبزَ البطالةِ»، فيؤنِّب به الذين لا يعملون بأنهم يأكلون خبزَ البطالةِ أي أنهم يُعالون بغير واجبٍ. ولذلك كان الآباءُ بإسقيط مصر لا يسمحون للرهبان لا سيما الشبان منهم بأن يتفرَّغوا من عملٍ، لا صيفاً ولا شتاءً حتى ولا إلى لحظةٍ من الزمان، لأن الذي يمارس العملَ يتخلَّص من الضجرِ ويتحصل على ما يقتاتُ به ويسعفُ منه المحتاجين.
قيل إن أحدَ الرهبانِ كان يشتغلُ في عيدِ شهيد. فلما أبصره آخر هكذا، قال له: «أيجوز اليومَ العملُ»؟ فأجابه: «إن الشهيدَ فلان قد عُذب في هذا اليوم، وجُلد وتجشم أتعاباً كثيرةً حتى الموت، ألا ينبغي لي أن أتعبَ ولو قليلاً في عمل يدي».
قيل: إنه حضر إلى الأب لوقيوس رهبانٌ من أولئك الذين يُدعَون مصلين، فسألهم عن عمل أيديهم، فقالوا له: «نحن لا نهتم بعمل اليدين. إنما نهتمُ بالصلاةِ الدائمة كقولِ الرسول». فقال لهم الشيخُ: «أما تأكلون وتنامون»؟ قالوا: «نعم». فقال لهم: «فإذا ما جلستم تأكلون أو إذا نمتم فمن يصلي عنكم»؟ فلم يكن لهم ما يجيبونه به. فقال لهم: «اغفروا لي، فإن عملَكم ليس كقولِكم، لكني أُريكم كيف إني أمارسُ عملَ يدي وأصلي دائماً. وذلك بأن أجلسَ بعونِ الله وأبلَّ خوصاً وأضفِّر الضفيرة، وأقول: ارحمني يا الله كعظيمِ رحمتك وككثرة رأفاتك امحُ إثمي. أفما يُعتبر ذلك صلاةً»؟ أجابوه: «نعم». قال لهم: «وإذا مكثتُ هكذا طولَ النهار أعمل وأصلي فيكون لي عن عملي كلّ يومٍ ستة عشر فلساً، فأعطي منها على الباب فلسين، وآكل بالباقي. فيصبح آخذ الفلسين مصلياً عني في وقتِ أكلي وفي وقتِ نومي، وبنعمةِ الله تكمُل لي الصلاةُ الدائمة كأمرِ الرسول. وإذ أمارسُ عملي فبذلك أقهر شيطانَ المللِ والشهوةِ. لأن المللَ يؤدي إلى البطالة، والشهوةُ كائنةٌ في البطالة. والطريق التي سلمها لنا جماعةُ الآباءِ هي هذه: «إنه يلزمنا أن نشتغلَ بأيدينا ونصوم طول النهار، ونقتني صمتَ اللسان، ونبكي على خطايانا».
وبخصوص الصلاة، قال القديس برصنوفيوس: «الصلاةُ الكاملة هي أن تخاطب الله بلا طياشةِ عقلٍ ولا سجس العالم. لأن المصلي الكامل قد مات عن العالمِ. إن إمساك البطن هو أن تُقلّل من شبعك قليلاً، وإن كان عليك قتالٌ فاترك قليلاً أكثر، أما إمساك العقل والقلب فهو أن يكون متيقِّظاً. لا تتهاون بأفكارِك، وإذا قاتلك العدو بالفكرِ فلا تلتفت إلى قتالهِ لأنه يريد بذلك أن يشغلَك عن مخاطبةِ الله».
قال القديس أوغريس: «تغافل عن ضروريات الجسد عند وقوفِك للصلاة، حتى ولو لدغك برغوثٌ أو بعوضة أو ذبابة أو أحدُ الهوام فلا تنشغل بها لئلا تخسر الربحَ العظيم الذي للصلاةِ. وقد حكى لنا آباؤنا القديسون عن أحدِهم كان الشيطانُ يحاربه إلى درجةٍ كبيرةٍ عند وقوفهِ للصلاة. وذلك أنه عندما كان يبسط يديه للصلاة كان الشيطانُ يغيِّر شكلَه قدامه بهيئة أسدٍ، ويشبك رجليه الاثنين في رجلي القديس وينتصب قبالته. ثم يجعل مخالبه في حَقويْ المجاهد من هنا وهنا. فلا يرجع عنه حتى يُنزل يديه، ولم يكن المجاهد يُنزل يديه حتى يُكمل صلاتَه كعادته. كذلكعرَّفونا أيضاً عن آخر أنه كان منفرداً في جبٍ جاف، وكان اسمُه يؤنس الصغير، ولو أنه في الحقيقةِ كبيرٌ عظيمٌ في الرهبانِ جداً. هذا قيل عنه أنه كان بغير انزعاج في مخاطبة الله بالصلاةِ، وكان الشيطانُ يظهر له في هيئة تنينٍ عظيمٍ يطوِّقه حول حلقهِ وينهش في لحمِه وينفخ في وجهِه بغير شفقةٍ. فإذا وقفتَ للصلاة قدام ضابط الكلِّ الخالق صانع الخير لكلِّ البريةِ، لماذا تُظهر ذاتك أمامه باحتقارٍ فتخاف من البعوضِ والذباب؟ أما سمعتَ القائل: إن الربَّ إلهك هو الذي يُخاف منه؟ ويقول أيضاً: إن كلَّ الأشياءِ تخاف وترتعد من قدام وجه قوتِه».
«قرأتُ في سيرةِ رهبان دير تاسا ما هو مكتوبٌ عنهم هكذا: إنه بينما كان القديسُ باخوميوس يتكلم مع الإخوةِ دفعة بكلامِ الله، إذ بحيتيْن قد جاءتا والتفتا حول رجليه. أما هو فلم يقلق ولكنه تظاهر كأنه يطرح حُلَّته تحت رجليه حتى فرغ من حديثهِ بكلمة الله، وحينئذ أعلم الإخوة بهما».
«كذلك قرأنا عن أخٍ روحاني أنه فيما هو يصلي مرةً جاءت أفعى وحكّت رجليه وهو يصلي، فلم يبالِ بالكليةِ حتى أكمل صلاتَه كالمعتاد، ولم يُؤذَ بالكليةِ. ذلك لأنه كان يحبُ الله أكثر من جسدِ لذاتهِ. اقتنِ لك عيناً غيرَ متشاغلةٍ وقتَ الصلاةِ، واجحد ذاتك واطلب الله بكلِّ قلبك».
«وآخر أيضاً من القديسين الذين يصلُّون كما ينبغي كان منفرداً في البريةِ، هذا وقف قدامه الشياطين مقدار أسبوعين وهم يلكمونه ويُحَلّقون به في الجوِ ويقطعون عليه الحصير، وبرغم هذا كلِّه لم يستطيعوا بالجملةِ أن يخطفوا عقلَه ولو كان في صلاةٍ قليلةٍ بحرارةٍ مع الله. اجتهد أن توقف عقلَك كمن هو أطرش وأخرس في وقتِ الصلاة، وهكذا تستطيع أن تصلي. إن كنتَ تريد أن تصلي جيداً ويصير لك افتخارٌ قدام الله، فاجحد ذاتَك في كلِّ حينٍ وفي كلِّ ساعةٍ. الصلاةُ هي بابُ الفرجِ والشكر. الصلاةُ هي دواءُ الأحزانِ وضيقِ الصدر، لا تصلِّ بالشكلِ الظاهر فقط ولكن بمخافةِ الله ورعدةٍ وخشوع مع الالتفات بعقلِك نحو المعقولات. الصلاةُ هي فهمٌ للعقلِ، الصلاةُ ترفعُ العقلَ إلى الله، الصلاةُ هي عملٌ يليقُ برتبةِ العقلِ وبطبيعتهِ الفاضلة».
وقال أيضاً: «فالواجب علينا أن نفحصَ السُبلَ التي سلك فيها الرهبان الذين تقدَّمونا ونستقيم مثلهم، فنجد أموراً كثيرةً جداً قالوها وصنعوها، لأن واحداً منهم قد قال: إن الأكلَ بضيقٍ، والحياةَ بغير تلذُّذٍ إذا اقترنا بالمحبةِ فإنهما يوصلان الراهبَ بسرعةٍ إلى ميناءِ عدمِ الأوجاع، وقد شَفيا فعلاً أحدَ الإخوةِ من خيالات الليل التي كان يقلق منها، ولما أُمر أن يخدم المرضى وهو صائمٌ خفَّت عنه، وحينئذ قال: إن أمثال تلك الأعراض لا يستطيع أحدٌ اجتنابها إلا بالرحمةِ».
تقدم أحدُ الحكماءِ في ذلك الزمان إلى القديس أنطونيوس وقال له: «كيف أنت ثابتٌ في هذه البريةِ وليس لديك كتبٌ تتغذى بها»؟ فأجابه قائلاً: «أيها الحكيم، إن كتبي هي شكل الذين كانوا قبلي، أما إن أردتُ القراءةَ، ففي كلامِ الله أقرأ».
وقال أيضاً: مضيْتُ دفعة إلى الأب مقاريوس بالنهارِ ظهراً، وقد عطشتُ لدرجةٍ كبيرةٍ جداً، فطلبتُ منه قليلَ ماءٍ لكي أشرب، فقال لي: «يكفيك ذلك الظل الذي أنت واقفٌ فيه، لأنّ كثيرين الآن في المسالكِ والوهاد في العراءِ، لا يجدون ظلاً مثل هذا». فسألتُه بعد ذلك أن يقول لي كلمةً عن النسكِ، فقال لي: «قوِّ قلبَك يا ابني فإني أقمتُ عشرين سنةً لم أشبع من خبزٍ ولا من ماءٍ ولا من نومٍ، وكنتُ آكل خبزي بقانون، أما من جهة النوم فإني كنتُ أستند على الحائطِ وأختطف يسيراً منه».
أُخبر أحدُ الرهبان أن أباه قد مات، فأجاب الذي أتاه بالخبرِ قائلاً: «كُف عن التجديف، فإن أبي لا يموت».
قال أحد الرهبان: «لأجل هذا تركتُ عني إرادتي لكي ما أنزع معها مسببات الغضب الذي يحارب الإرادةَ في كلِّ حينٍ، ويُقلق العقلَ ويطرد المعرفةَ».
قال أحد الشيوخ: «إن المحبَّ للهِ لا يحفظ ملاذَّ الأطعمة ولا المال». كما قال أيضاً: «إني لا أتذكر أن الشياطين أطغوني مرتين قط في أمرٍ واحدٍ».
سُئل القديس برصنوفيوس: «إن الآباء قالوا: ينبغي لنا أن ندخلَ إلى القلاية ونتذكر خطايانا، لكني أجد نفسي إني أتذكرها بدونِ وجعٍ، وأشتهي أن أتخشع فلا يأتيني الخشوع، فما السبب»؟
الجواب: «لستَ تسلك في سبيل الحق، لأنك تحتاجُ إلى تفتيش القلبِ وضبطِ الفكرِ عن كلِّ إنسان، فمن لم يقطع هواه، لا يوجعه قلبه، وقلةُ الإيمانِ لا تدع الإنسانَ أن يقطع هواه، وسبب ذلك هو محبةُ مجدِ الناسِ أكثرَ من مجدِ اللهِ، كما قال الربُّ. فإن أردتَ بالحقيقةِ أن تبكي على خطاياك، فمُت عن كلِّ الناسِ واقطع هواك واجتنب تزكيتك لنفسِك وإرضاءك للناس، ولا تتلذذ بطعامٍ ولا تشبع ولا تدن أحداً، وكن حسنَ الطاعةِ لتبلُغَ الاتضاع، والاتضاع يُميتُ الأوجاعَ».
سُئل أيضاً هكذا: «قُدسك قال لي هو ذا خطاياك قد غُفرت، وأنبا إشعياء قال: ما دام الإنسانُ يجدُ في قلبهِ لذةَ الخطيةِ، فلم يحظَ بعد بغفرانِها، وإني إلى الآن أحسُّ بلذتها، لذلك أظن أنها لم تُغفر بعد، فأحزن وفكري يحدثني قائلاً لي: إن الله خذلك لأن قتالَ الزنى قد ثقل عليَّ طول هذا الأسبوع»؟
الجواب: «لقد قلتُ لك إن خطاياك القديمة قد غُفرت، أتراني قلتُ لك إن قتالات العدو قد بَطُلت؟ فالراهبُ قائمٌ في صفِّ الجهاد ولو لم يكن لك خطايا. فالشيطان يجلبُ لك لذَّةَ الخطيةِ بالفكرِ، أمَّا ما قاله لك أنبا إشعياء فهو عن فاعليها المتلذِّذين بعملِها، لأن ذِكر حلاوة العسل شيء، وتذوُّق حلاوة العسل شيءٌ آخر. حتى إن الذي يتذكر لذَّة الخطية ولا يفعل ما يتعلق باللَّذةِ، بل يجاهد في سبيل إبعادها عنه فذلك هو الذي غُفرت له خطاياه القديمة. ومن خيالات الشيطان أنه يقول لغير المتمكنين: إن خطاياكم لم تُغفر، وذلك ليقطعَ رجاءَهم، فَتَحَفّظ من ذلك. أما عن قتال الزنى، فيحتاج الإنسانُ إزاءَه إلى جهادٍ واتضاعٍ، فبلا تعب واتضاع لن يخلُصَ أحدٌ. أما من جهةِ الخذلان فالله لا يخذلنا، فما لم نتخلَّ نحن عن محبتِه أو نحيد عنه، فهو لا يتخلى عنا، إذ أن مشيئته هي أن نلجأ إليه ونخلص».
وبصدد الابتعاد عن العالم قال البار إشعياء: إني في بعضِ الأوقات كنتُ جالساً بقرب القديس مقاريوس الكبير حين تقدم إليه رهبانٌ من الإسكندرية ليمتحنوه، قائلين: «قل لنا كيف نخلص»؟ فأخذتُ أنا دفتراً وجلستُ بمعزلٍ عنهم لأكتبَ ما يتحاورون به. أما الشيخُ فإنه تنهَّد وقال: «كلُّ واحدٍ منا يعرف كيف يخلص، ولكننا لا نريد الخلاصَ». فأجابوه: «كثيراً ما أردنا الخلاصَ، إلا أن الأفكارَ الخبيثةَ لا تفارقنا، فماذا نعملُ»؟ فأجابهم الشيخُ: «إن كنتم رهباناً، فلماذا تطوفون مثل العلمانيين، إن الذي قد هجر العالمَ ولبس الزي الرهباني، وهو وسط العالم، فهو لنفسِه يُخادع. فمن كانت هذه حالُهُ، فقد صار تعبُه باطلاً. لأنهم ماذا يربحون من العلمانيين سوى نياحِ الجسد، وحيث نياحُ الجسد لا يوجد خوفُ الله، لا سيما إن كان راهباً ممن يُدعَوْن متوحدين، لأنه ما دُعي متوحداً إلا لكي ينفرد ليلَه ونهارَه لمناجاةِ الله. فالراهبُ المتصرِّف بين العلمانيين هذه هي تصرفاته: قبل كلِّ شيءٍ تكون فاتحةُ أمرهِ أنه يضبطُ لسانَه ويصوم، ويذلِّل نفسَه إلى أن يُعرف ويخرج خبرُه، ويقال عنه الراهب الفلاني هو عبدُ اللهِ. وسرعان ما يسوق إبليس إليه من يُحضر له حوائجَه من خمرٍ وزيتٍ وثيابٍ ودراهم وكلِّ الأصناف، ويدعونه: القديسَ القديس. فبدلاً من أن يهرب من السُبح الباطل الناتج من قولِهم له القديس، يتعجرف الراهبُ المسكين، ويبدأ في مجالستِهم، فيأكل ويشرب معهم، ويستريح براحتهم، ثم يقوم في الصلاةِ ويعلِّي صوتَه حتى يقول العلمانيون إن الراهب يصلي ساهراً. وكلما زادوه مديحاً، زاد هو كبرياءً وعجرفة. فإن كلَّمه أحدٌ بكلمةٍ حسنة جاوبه حسناً. ثم يُكثر نظره إلى العلمانيين ليلاً ونهاراً، ويرشقه إبليس بسهامِ النساء، ونِشاب الصبيان، ويلقيه في اهتماماتٍ عالمية، ويَقلق وينزعج كما قال الربُّ: إن كلَّ من نظر إلى امرأةٍ نظرةَ شهوةٍ فقد أكمل زناه بها في قلبهِ. وإن كان ينظرُ إلى هذا القولِ على اعتبار أنه خرافة، فليسمع الربَّ قائلاً له: إن السماءَ والأرض تزولان، وكلامي لا يزول. وبعد ذلك يبدأ في حشد حاجته لسنتِهِ، بل يجمعها مضاعفةً، ويبدأ كذلك في جمعِ الذهبِ والفضة، ويلقيه الشيطان في هوَّةِ حبِّ المال، فإن أحضر له إنسانٌ ذهباً أو فضةً أو ملبوساتٍ أو غير ذلك مما يرضاه، فللوقت يقبله بفرحٍ ويُعدُّ المائدةَ الحسنة ويبدأ يأكل . أما البائسُ، لا بل المسيح، يتلوى جوعاً، ولا يفهمه أحدٌ. لهؤلاء قال سيدنا المسيح: إن دخولَ الجملِ في ثقبِ إبرةٍ، أيسرُ من دخول غني إلى ملكوتِ الله.
قولوا لي يا آبائي، هل الملائكةُ في السماءِ تجمعُ ذهباً وفضةً وتسجد لله. فنحن يا إخوتي عندما لبسنا هذا الزي، أتُرى لنجمعَ مقتنياتٍ وحطاماً، أم لنصير ملائكةً؟ فإذا كنا يا إخوتي قد هجرنا العالمَ ورفضناه، فلماذا نتراخى أيضاً ويردُّنا إبليس عن طريق المسكنةِ، أما فهمتم أن الخمرَ ونظرَ النساءِ والذهبَ والفضةَ والنياحَ الجسدي وقربَّنا من العلمانيين، هذه كلُّها تبعدنا من الله، لأن أصلَ الشرورِ كلِّها محبة الفضة، وبمقدار ما بين السماء والأرض من البُعد، هكذا بين الراهب المحبِ للفضةِ وبين مجدِ الله. نعم لا توجد رذيلةٌ أشرُ من رذيلةِ الراهب المحب للفضةِ. إن الراهبَ الذي يجالس العلمانيين يحتاج صلوات قديسين كثيرين. أما سمعتَ قول الرسول يوحنا: لا تحبوا العالم ولا شيئاً مما في العالم، فمن أحبَّ العالم، فليست فيه محبةُ الله. كذلك الرسول يعقوب يقول أيضاً: من أراد أن يكون خليلاً للعالم فقد صار عدواً لله. فلنَفِرَّ نحن أيها الإخوة من العالم كما نَفِرُّ من الحيةِ، لأن الحيةَ إذا نهشت فبالكاد تبرأ عضتُها، كذلك نحن أيضاً إن شئنا أن نكون رهباناً فلنهرب من العالم، لأن الأوفق لنا أيها الإخوة أن تكون لنا حربٌ واحدةٌ بدلا من قتالاتٍ كثيرة. قولوا لي يا إخوتي ويا آبائي: في أي موضعٍ اقتنى آباؤنا الفضائل، أفي العالم أم في البراري؟ إذن، كيف نقتني الفضائل ونحن في العالم؟ لن نستطيع ذلك ما لم نجُع وما لم نعطش وما لم نساكن الوحوش ونموت بالجسد، كيف نريد أن نرث ملكوت الله ونحن بين العالم؟ لننظر إلى ممالك الأرض فإنه ما لم يحارب الجندي ويغلب فلن ينالَ الرتبةَ، فكم وكم أحرى بنا أن نفعل ذلك. فلا نظن أننا نرثُ ملكوتَ السماوات ونحن بين العالم. فلا يُوَسوِسُ لنا الشيطانُ أفكاراً رديئةً هكذا قائلاً: اجمع حتى تستطيع أن تعمل صدقةً. لنعلم أن من لم يشأ أن يصنع رحمةً من فلسٍ واحدٍ فلن يعملَ رحمةً من ألفِ دينار. لا يليق بنا أن نفعل ذلك يا إخوتي، لأن هذه الأمور هي من عمل العلمانيين. إن الله لا يريدُنا نحن الرهبان أن نقتني ذهباً أو فضةً أو ملابس أو أموراً هيولانية، لأن الربَّ أوصى قائلاً: انظروا إلى طيورِ السماء، فإنها لا تزرع ولا تحصد ولا تخزِّن في الأهراء، وأبوكم السماوي يقوتها. إن الراهب المقتني ذهباً وفضةً لا يثق بأن الله قادرٌ على أن يعوله. وإن كان لا يعوله فلن يعطيه مُلكه.
إن الراهبَ الذي عنده حاجته وينتظر من يُحضر له، فهو شريك ليوداس الذي ترك النعمةَ وسعى طالباً محبة الفضة، وبولس الرسول إذ عرف ذلك، لم يَدْعُ محبةَ الفضةِ أصلَ كلِّ الشرورِ فحسب، بل وسماها أيضاً عبادة أوثان. فالراهب المحبُّ للفضةِ هو عابدٌ للأوثان، إن الراهب المحبُّ للفضةِ بعيدٌ من محبةِ المسيح، الراهبُ الذي له في قلايته فضة فإنه يعبد ويسجد للأصنام المنقوشة، أعني الدنانير، وكلُّ يومٍ يذبح لها عجولاً وكباشاً، بإخضاع نيته وإرادته لمحبة الفضة الرديئة، تلك التي تفصل الراهبَ عن طغماتِ الملائكة. فيا لمحبة الفضة المُرة، أصل كلِّ الشرور، الفاصلة الراهب من مُلك السماوات، والباعثة إياه إلى التعلق بسلاطين الأرض. يا لمحبة الفضةِ سبب كلِّ الرذائل، الساحبة للسان الراهب إلى كل شتيمةٍ وخصومة ونميمة، والجارة له إلى المحاكمات شبيهاً بالعلمانيين، ويح ذلك الراهب المحب للفضة، لأنه قد تخلى عن الوصية القائلة: لا تكنزوا لكم ذهباً ولا فضة. وقد يزعم ذلك الراهبُ المسكين قائلاً: إن الاقتناء لا يضرُّني. وهو لا يعلم أنه حيث الذهب والفضة والهيولانيات، فهناك دالةُ الشياطين وهلاكُ النفوس، والويلُ المؤبَّد.
كيف يدخلُ الخشوعُ في نفسِ إنسانٍ مقتنٍ للفضة، وقد حاد عن مصدر دعوتهِ إلى الحياة الدهرية، خالقه ورازقه، وصار بذلك متعبداً وساجداً لمنحوتات غير متحركة، أعني الدنانير. كيف يقتني الخشوعَ مَن هذه صفته؟ يا إخوتي ويا أحبائي، كيف يكون لنا نحن الرهبان ذهبٌ وفضة وملابس، ولا نكف كذلك عن الجمع، مع أن البائسَ، لا بل المسيح، جائعٌ وعطشان وعريان، ولا نفكر فيه؟ ماذا يكون جوابُنا أمام السيد المسيح، وقد هجرنا العالم، وها نحن نعاودُ الطوافَ فيه؟ إن طقسَنا ملائكيٌ لكننا جعلناه علمانياً. لا يكون هذا منا يا إخوتي. إيانا أن نعمله بل لنهرب من العالم، لأنه إن كان بالكاد نخلص في البريةِ، فكيف يكون حالُنا بين العلمانيين؟ فلن يكون لنا خلاصٌ، لا سيما والربُّ يقول: من لا يهجر العالم وكل ما فيه وينكر نفسَه ويأخذ الصليبَ ويتبعني فلن يستحقني. وأيضاً يقول: اخرجوا من بينهم وافترقوا عنهم وأنا أقبلكم وأجعلكم لي بنين وبنات. أرأيتم عِظم المنفعةِ من الهربِ من العالم؟ لأنه نافعٌ لنا جداً وموافقٌ، لأن مجالسَ العلمانيين ليس فيها شيءٌ سوى البيع والشراء وما يتعلق بالنساء والأولاد والزرع والدواب، فهذه المخالطة تفصل الراهبَ عن الله، فمشاركتهم في الأكلِ والشربِ تجلبُ الكثيرَ من الضررِ. ولسنا نعني بهذا أن العلمانيين أنجاسٌ، معاذ الله، لكنهم يسلكون في الخلاصِ طريقاً آخر غير طريقِنا. فهروبُنا هو هروبٌ من مخالطتهم. فلنطلب سبَّهم فينا أكثر من مديحهم لنا، لأن سبَّهم لن يفقدنا شيئاً أما مديحُهم فهو سببُ عقوبتنا. فما منفعتي إذا أنا أرضيْتُ الناسَ وأغضبتُ ربي وإلهي، لأنه يقول: لو كنتُ أرضي الناس فلستُ بعد عبداً للمسيح. إذن فلنبتهل أمامَ ربنا قائلين: يا يسوع إلهنا نجنا وأنقذنا من مخالطتهم».
من كلام مار إسحق قال: «ابتعد عن العالم، وحينئذ تحس بنتانتهِ، لأنك إن لم تبتعد عنه، فلن تحسَّ برائحتهِ الكريهة». فسُئل مرةً: «ما هو العالم؟ وكيف نعرفه؟ وما هو مقدار مَعزَّتهِ لمحبيه»؟ فأجاب وقال: «إن العالم هو تلك الزانية التي بشهوةِ حسنِها تجذبُ الناظرين إليها إلى حبِّها. والمقتَنص بعشقهِ والمتشبث به لا يقدر أن يتخلَّص منه حتى تفنى حياته، فإذا ما عرَّاه من كلِّ شيءٍ وأخرجه من منزلهِ يوم موتهِ، حينئذ يعرف الإنسانُ في ذلك اليوم أنه خداعٌ وسرابٌ مضل، حتى إذا ما جدَّ الإنسانُ في الخروج من هذا العالم المظلم، فإنه لن يستطيعَ الخلاصَ من حبائِلهِ ما دام هو منغمساً فيه».
جاء أحدُ الإخوةٍ إلى شيخٍ من الرهبان وشكا أخاه إليه قائلاً: «ماذا أصنعُ يا أبي فإن أخي يحزنني لأنه دوَّار»؟ قال الشيخ: «احتمله يا حبيبي، فإن الله قادرٌ أن يردَّه إذا ما رأى تعبَك وصبرَك، وأخذك له بالرفقِ واللين. وإياك والقساوة، فإن الشيطانَ لا يطردُ شيطاناً. وبرفقِك وصبرِك يرجع، لأن الله إنما يردُّ الإنسانَ بطولِ روحهِ وطيبِ قلبهِ واحتمالهِ».
أخبروا عن أنبا تاؤدورس: إنه لما كان شاباً وهو يسكنُ في البريةِ، قام ذات يومٍ يخبز لنفسِه خبزاً، فوجد أخاً ليس له من يعمل له خبزاً إذ لم يكن يجيد صناعةَ الخبز. فترك أنبا تاؤدورس خبزَه وعمل خبزَ ذلك الأخ، وجاء أيضاً أخٌ آخر فخبز له خبزَه، وبعد أن أراحهم حينئذ عمل خبزَه أيضاً».
جاء خبرٌ عن أخوين قوتل أحدُها بالزنى، فقال لأخيه: «يا أخي، إني منطلقٌ إلى العالم»، فبدأ أخوه يبكي ويقول: «لا أتركك تذهب إلى العالم لئلا تُتلف تعبَ رهبانيتك وبتوليتك». فأبى أن يقبلَ منه وقال له: «إما أن تتركني أمضي وحدي، وإما أن تجيء معي». فذهب أخوه، وحدَّث أحدَ الشيوخ بحالِه، فقال له الشيخ: «اذهب معه، فإن الله من أجلِ تعبك لا يتركه يقعُ في الزنى». فلما بلغا القريةَ، رفع الله عنه قتالَ الزنى من أجلِ تعب أخيه وعنائِه معه. وإذ به يخاطبُ أخاه قائلاً: «هَب أني وقعتُ في دنسِ الخطيةِ، فأي ربح لي من ذلك»؟ ثم أنهما رجعا إلى قلايتهما وحمدا الله على خلاصهِ وحسن صنيعه معهما.
أخبروا عن أخٍ حريصٍ على خلاصهِ، جاء من غربةٍ فأقام في قلايةٍ لطيفةٍ بطور سينا. فلما جلس في اليوم الأول، وجد على خشبةٍ صغيرة كتابةً قد كتبها الأخُ الذي كان فيما مضى ساكناً فيها وهو يقول فيها: «أنا موسى بن تادرس قد حضرتُ وأقمت ههنا». وكان الأخ يضع تلك الخشبةَ قدامه طول النهار يومياً. ويسأل: «من كتب هذه الكتابةَ»؟ ثم يُردف قائلاً: «أيها الإنسان، ليت شعري، أين أنت الآن؟ لأنك قلتَ: قد حضرتُ وأقمتُ. فإلى من كتبتَ هذا يا تُرى؟ تُرى في أي عالمٍ أنت في هذه الساعةِ»؟ فكان يداوم هكذا على هذا العمل طول النهار متذكراً الموت، ثابتاً في النحيبِ والبكاء. وكانت صناعتُه الخطَ المليح. فتناول من الإخوةِ ورقاً ليكتبَ لهم شيئاً كتذكارٍ منه لهم. لكنه لم يكتب لأحدٍ شيئاً سوى صيغةٍ واحدة، كتبها في ورقِ كلِّ واحدٍ منهم وذكر فيها: «اغفروا لي أيها الإخوة سادتي، فإنه كان لي عملٌ مع ذاك القادر على خلاصي، لذلك لم أفرغ منه حتى أكتبَ لكم».
أخبروا أيضاً: أنه كان يسكنُ بقرب هذا الأخِ أخٌ آخر كان بُستانياً، وقصد مرةً المضي إلى ديرٍ في يومٍ من الأيام، فقال لذلك الأخ الكاتب: «اعمل محبةً يا أخي واهتم بالبستان حتى أرجع». فقال له الأخ: «صدقني أنه على قدر استطاعتي لن أتوانى في الاهتمامِ به».
وبعد انصراف الأخ البستاني قال الأخ الكاتب في نفسِه: «يا مسكين، لقد وجدتَ خَلوةً فاهتم بالبستانِ». ثم أنه انتصب في قانونهِ من المساءِ إلى الصباح، لم يفتر، مترنماً بدموعٍ، مصلِّياً، ومكث على هذه الحال طول النهار كذلك إذ كان يوم الأحد المقدس. فلما جاء الأخ البستاني عند المساءِ، وجد البستانَ قد أفسدته القنافذ، فقال له: «غفر الله لك يا أخي،لأنك لم تهتم بالبستانِ». فقال له ذاك: «يا معلم، عَلِم الله، إني قد بذلتُ كلَّ قوتي وحفظتُه إلا أن اللهَ قادرٌ أن يعطينا ثمراً من البستانِ الصغير». فقال له الأخ: «صدقني يا أخي لقد تلف كلُّه». فقال له الكاتب: «لقد علمتُ بذلك إلا أني واثقٌ بالله، أنه قد أزهر أيضاً». فقال البستاني: «هلم بنا لنسقي». فقال الأخُ: «انطلق أنت اسقِ في النهار وأنا أسقي في الليلِ». فلما صار القحطُ والجدبُ، اغتمَّ البستاني وقال لذلك الكاتب جارِهِ: «صدقني يا أخي، إذا لم يُعِن الله، فليس لنا في هذا العام ماءٌ». فقال له الكاتبُ: «الويل لنا يا أخي إن جفَّت ينابيعُ البستانِ، بالحقيقة لن يكون لنا خلاصٌ أيضاً». وكان يقول هذا قاصداً ينابيعَ الدموعِ. فلما جاءت الوفاةُ للمجاهد القديس، سأل البستاني جارَه قائلاً: «اصنع محبةً ولا تقل لأحدٍ إني مريضٌ، لكن امكث عندي ها هنا اليومَ، وإذا انصرفتُ إلى الربِّ فاحمل أنت جسدي، واطرحه عارياً لتأكله الوحوش والطيور لأنه أخطأ قدام الله كثيراً، ولن يستحقَ أن يُدفن». فقال له البستاني: «صدقني يا معلم إن هذا الطلبَ صعبٌ عليَّ إتمامه». فأجابه قائلاً: «لا تخالفني في هذا الطلب، وإني أُعطيك عهداً، إن سمعتَ مني وعملتَ بي كما سألتُك، واستطعتُ أنا القيام بما ينفعك لنفعتك». ثم أنه بعد وفاتهِ، عمل به كما أمره في ذلك اليوم، فطرح جسمَه في البرية عارياً، لأنهما كانا مقيميْن في مكانٍ يبعدُ عن الحصنِ عشرين ميلاً يقال له ( ) وفي اليومِ الثالث ظهر له الأخُ المنصرف للربِّ في الرؤيا وقال له: «يا أخي، يرحمُك الله كما رحمني، صدقني إن رحمتَه عظيمةٌ جداً، فلقد رحمني الله بسببِ بقاء جسمي غير مدفون، وقال لي: لأجل تواضعك الكثير، قد أمرتُ أن تكونَ مع أنطونيوس، وقد طلبتُ إليه من أجلِك أيضاً، لكن اذهب واترك البستانَ، واهتم بالبستانِ الآخر، لأني في الساعةِ التي خرجتْ فيها نفسي كنت أبصرُ دموعَ عينيَّ وقد أطفأت النارَ التي كنتُ مشرفاً على المضي إليها».
كان أخٌ فاضلٌ حريصاً، وإذا صلَّى مع أخيه قانونَه تغلبه دموعُه، فيفوته من المزمور استيخن أو أكثر، وفي أحد الأيام سأله أخوه أن يخبرَه بما ينتابه أثناء قراءة قانونه حتى يبكي ذلك البكاء المر، فقال: «اغفر لي يا أخي، فإني أثناء قراءة القانون، أبصر القاضي دائماً، وأرى ذاتي واقفاً قدامه وقوفَ المجرمِ، وهو يفحصُ أحوالي، وأسمعه قائلاً لي: لِمَ أخطأتَ؟ وإذ ليس لي جوابٌ أحتجُّ به إليه يستدُّ فمي، وعلى هذا الوجه يفوتني الاستيخن من المزمور، فاغفر لي لأني أغمُّك. وإن كنتَ تجد راحةً في أن يصلي كلُّ واحدٍ منا قانونَه منفرداً، فافعل». فقال له أخوه: «لا يا أخي، لأني وإن كنتُ أنا لا أبكي، إلا أني في الواقع إذا رأيتُك تبكي، أعطي الويلَ لنفسي وأعتبرها شقيةً». فلما أبصرَ الله تواضعه، وَهَبَ له اتضاعَ أخيه.
قيل عن أخٍ من الرهبان إنه زار شيخاً متعَباً في عملِ الخير، كان ساكناً في المغاير التي تقع فوق المكان الملقب بإسرائيل، وكان الشيخُ ذا عقلٍ متيقظٍ لدرجةِ أنه كان حيثما توجَّه، يتوقف عن السيرِ ويستعرض فكرَه ويسأله: «كيف حالُك يا أخي؟ أين نحن»؟ فإذا وجد عقلَه يترنَّم بالمزامير ومتضرعاً، حمده واستدامه، وإن وجد ذاته متفكراً في أيِّ شيءٍ من الأشياء، شتم ذاته في الحال قائلاً: «هلم من هناك، قف عند حدك، والزم عملك». وكان الشيخُ يخاطب نفسَه بهذا الكلام دائماً: «يا أخي، يلوح لي أن الانصرافَ قريبٌ، ولستُ أرى مجالاً للنومِ أو التهاون بعد». فهذا الفاضل ظهر له الشيطانُ في وقتٍ من الأوقات، وقال له: «لماذا تتعب، إنك لن تخلص». فقال له الشيخ: «وماذا يهمك إن كنتُ لا أخلص؟ لكني سوف أوجد في العذابِ فوق رأسك، وتحت كل من فيه». هذا قال أيضاً: «سبيلُ الراهبِ إذا وقف مع إخوةٍ رهبان، أن يطرقَ برأسهِ دائماً إلى أسفل ولا ينظر بالجملةِ إلى وجه إنسانٍ، وخاصة وجه شاب. وإذا كان منفرداً ينبغي له أن ينظرَ إلى العلو دائماً. ذلك لأن الشيطانَ من شأنِه أن يغتمَّ ويرتاع إذا نظر إلى العلو نحو ربنا».
أُخبر عن أحد الرهبان أنه لم يكن له عملٌ سوى الصلاةِ بلا فتور. وكان كلّ عشيةٍ يجدُ في قلايته خبزاً يأكله. فزاره أحدُ الرهبان مرة ومعه ليف، فأخذه منه وصار يعمل في الليف. فلما حان وقتُ المساءِ طلب خبزاً كعادته ليأكل، فلم يجد. فبقي حزيناً، فأتاه صوتٌ قائلاً: «لما كنتَ تعمل معي كنتُ أعولك، فلما بدأت ممارسة عملٍ آخر، فاطلب طعامك مما تعمله بيدك».
قيل عن أحد الرهبان إنه كان بليغاً جداً في الإفرازِ والتمييز، وأراد السكنى في القلالي فلم يجد قلايةً منفردة، وأنه خرج تائهاً في البريةِ إلى أن لقيه أحدُ الشيوخ فأخبره بحالهِ، فأجابه الشيخ: «إن لي قلايتين، فاجلس في واحدةٍ منهما إلى حين يسهِّل المسيحُ لك قلايةً. فحَمَدَ أفضالَه. ولما سكن في القلاية قصده قومٌ من الرهبان لينتفعوا منه لكونهِ من أهلِ الفضل، وكانوا يحملون إليه ما سهل عليهم حمله. فلما نظر الشيخ صاحب القلاية ذلك، بدأ يحسده بإيعازٍ من الشيطان وقال لتلميذِه: «كم من السنين ونحن مقيمون في هذا المكان، ولم يقصدنا حتى ولا واحد من هؤلاء الرهبان. وهذا المحتال في أيامٍ قلائل استمال إليه الكلَّ. امضِ اطرده من القلاية». فمضى التلميذُ وقال له: «إن المعلمَ يسلِّم عليك ويسأل عن صحتِك ونجاح أحوالك واعتدال مزاجك، ويسألك أن تصلي من أجلهِ لأنه مريضٌ. ويقول لك: إن كان لك احتياجٌ إلى شيءٍ أقوم بتأديته لك». فقام الراهبُ وسجد للتلميذ وقال له: «بلِّغه سلامي عني، وقل له إني بخيرٍ ببركة صلواتك وليس لي احتياجٌ لشيء». فرجع التلميذ إلى الشيخ وقال له: «إن الراهبَ يُقبِّل يديك ويسألك أن تصلِّي من أجلِه وتمهله أياماً قلائل حتى يجدَ لنفسهِ قلايةً، ويرتحل عن قلايتك بسلام». فصبر ثلاثة أيام. وبعد ذلك أقلقه الحسدُ، فقال لتلميذهِ:« اذهب وقل له لقد صبرتُ أكثر من اللازم، فاخرج من قلايتي». فأخذ التلميذُ بركةً مما كان يوجد في القلاية، ثم جاء إلى الراهبِ وسجد بين يديه وقال له: «إن المعلمَ يسلِّم عليك ويسألك أن تَقبل منه هذه البركة لأجلِ السيد المسيح وتصلي من أجلهِ لأنه متعبٌ جداً، ولولا توجعه لكان قد حضر إليك». فلما سمع الراهبُ ذلك أدمعت عيناه وقال: «كنتُ أشتهي أن أذهبَ وأبصره». قال له التلميذ: «لا يا أبتاه، فإنه لا يحتمل أباً مثلك يرافقني إليه، لئلا يلحقني من ذلك شرٌ، ابقَ أنت ههنا وأنا أبلِّغه سلامَك ورسالتك». ثم ودَّعه وخرج وأتى إلى الشيخِ وقال له: «يا أبتاه إن الراهب يقول لك: لا يصعُب عليك الأمرُ، ولا تغضب، ففي يوم الأحد سوف أخرج من قلايتك». فمازال الشيخُ يترقب سواعي الليل حتى يوم الأحد، فلما لم يخرج الراهبُ، قام الشيخُ وأخذ عصا وهو مسبي العقل طائر الفكر، وقال لتلميذهِ: «تعالَ معي إلى هذا الراهب المحتال، فإنه إذا لم يخرج باختيارِه فسوف أطردُه بهذه العصا مثل الكلبِ». فلما رآه التلميذُ هائجاً، وقد سلب العدو فكرَه، قال له: «أسألُك يا أبتاه أن تستمعَ إلى مشورتي بأن تجلسَ ههنا وأنا أسبقك إليه وأُبصر إن كان عنده رهبان، لئلا إذا أبصروك على هذه الحال يطردونك عنه فلا تنال بُغيتك، أما إذا وجدتُه وحده أعلمتُك لتمضي إليه وتطرده». فاستصوب الشيخُ كلامَ التلميذ، وجلس وهو يصرُّ بأسنانهِ، ومضى التلميذُ إلى الراهب، وسجد له كعادتهِ وقال: «إن المعلم يسلِّم عليك، ولما أعلمتُه أن جسمَك ضعيفٌ احترق قلبُه ولم يستطع صبراً، وقد جاء ليبصرَك، وإنه بسبب ضعفهِ ما أمكنه المجيء إليك». فلما سمع الراهبُ ذلك الكلام خرج لوقتهِ للقائه بلا كساءٍ ولا قلنسوة على رأسهِ ولا عصا بيده. فسبقه التلميذُ إلى معلمهِ وقال له: «هوذا الراهبُ قد ترك قلايتك وها هو حاضرٌ ليودِّعك ويأخذ بركة صلاتك قبل ذهابهِ وانصرافهِ بسلامٍ». فلما سمع الشيخُ هذا الكلامَ تذكَّر كلامَه ومراسلاته له، وانكشفت عنه غمامةُ الحسدِ وبقى حائراً في نفسِه ماذا يعمل، وخجل من لقائِه، ولشده الحياءِ لم يقدر أن يرفعَ عينيه نحوه، فأخذ يولي الأدبار، فلما رآه التلميذُ على هذه الحال سجد له وقال: «يا أبتاه، التقِ بأخيك دون خجلٍ فإن جميعَ الكلامِ الذي قلتَه لي لم يصل إلى مسامعِه قط». فلما سمع الشيخُ بهذا الكلام فرح جداً، والتقى بالراهب بفرحٍ وقلبٍ نقي، ورجع معه إلى قلايته. فقال له الراهب: «اغفر لي يا أبتاه، لأنه كان الواجب عليَّ أنا أن آتي إليك، لأنك تعبتَ في المجيء إليَّ». فلما رجع الشيخُ إلى قلايته سجد بين يدي تلميذهِ وقال له: «إنك من الآن أنت الأب وأنا لا أستحق أن أكونَ لك تلميذاً، لأنك بعقلِك وسلامة ضميرك وحسن إفرازك خلَّصت نفسي من الفضيحةِ».
قيل أيضاً: «إنه كان يوجد شيخٌ له تلميذٌ جيد. ومن المللِ كان الشيخُ يخرجه خارج الباب ويزدري به، فكان التلميذُ يمكث جالساً خارجاً، ولما فتح الشيخُ البابَ في اليوم الثالث، وجده جالساً، فأدى له الشيخُ مطانية وقال له: «يا ولدي إن تواضعك وطول أناتك قد غلبا شرِّي وصغر نفسي، فهلم الآن إلى داخل، ومنذ الآن، كن أنت الشيخَ وأنا التلميذ».
قال الأب أوراسيوس: «إن عجينةَ فطيرٍ تُطرح في أساسٍ بقرب نهرٍ، لا تثبت ولا يوماً واحداً، وأما المطبوخة بالنارِ فتثبت كالحجرِ. هكذا كلُّ إنسان ذي عقل بشري، إذا صار رئيساً فإنه ينحلّ من التجارب إن لم يُطبخ بخوفِ الله مثل يوسف، فالأفضل للإنسان أن يعرفَ ضعفَه ويهرب من نير الرئاسةِ».
قيل عن أخٍ راهب كان يسكن القلالي، هذا أقام عشرين سنةً مواظباً على القراءة ليلاً ونهاراً، وذات يومٍ نهض وباع الكتبَ والمصاحفَ التي كان قد اقتناها، وأخذ وشاحَه وذهب إلى البريةِ الجوانية. فالتقاه أنبا إسحق وقال له: «إلى أين تمضي يا ولدي»؟ فأجابه الأخُ قائلاً: «يا أبي، إن لي عشرين سنةً وأنا أسمع أقاويلَ الكتبِ فقط، والآن أريدُ أن أبدأَ في الابتعادِ عملاً بما سمعتُه من الكتبِ»، فقدَّم الشيخُ صلاةً من أجلهِ ثم أطلقه.
قال أنبا أفرآم: إن أحدَ الإخوةِ سأل أخاً له قائلاً: «إن الأب أمرني بالمضي إلى المخبز لنخبز خبزاً برسم الإخوةِ، ولما كان عُمالُ المخبزِ علمانيين يتكلمون بما لا يليق، فلستُ أنتفعُ من سماعِ ما يقولونه، فماذا أصنعُ»؟ فأجابه قائلاً: «أما رأيتَ في المكتبِ صِبياناً كثيرين، وكيف أن كلَّ واحدٍ منهم يقرأُ ما لا يقرأه رفيقُه لعلمهِ أن معلمَه يطالبه فقط بإتقان ما يختص به ولا يطالبه بإتقان ما يختص بغيره، فإن كنتَ أنت تنهزمُ للآلام بمجرد سماعِك فظيع الكلام، فاستمع لقول القائل: امتحنوا سائرَ الأشياءِ وتمسكوا بأحسنِها».
وقال أيضاً: «وما لنا وللعالم، وما لنا بمعاملاته؟ نحن قد مُتنا عن العالم، كلٌّ منا بأكلةٍ يسدُّ جوعَه، وأيدينا تساعدنا على خدمةِ جسدِنا بمعونةِ الله لنا، لأنه قال: لا يوجد متجندٌ يقوم بنفقةِ نفسه بانشغاله في أمورِ الحياة، إذ كيف يستطيع وهو مشغولٌ أن يُرضي قائدَ الجيش ومليكه».
قال أنبا إشعياء: «إن مضيْتَ إلى رؤساءِ العالم مريداً مصادقتهم فليس فيك مخافةُ الله».
وقال أيضاً: «إياك أن تقتني لك أصدقاءً من بين رؤساءِ الدنيا لكي لا يبعد اللهُ عنك».
وقال أيضاً: «إن شئتَ أن تكونَ معروفاً عند الله، فلا تُعرِّف الناسَ بنفسِك، لأن المرتبطَ بأمورِ العالم إذا سمعَ الحقَّ يُرذلُ قائلَه».
قال أنبا أبوللو: «لتكن عندكم هذه علامةً عظيمةً للنجاحِ متى اقتنيتم عدمَ الشهوةِ لشيءٍ ما من أمورِ العالم، لأن هذا هو فاتحة جميع مواهب الله».
تأهل أحدُ الشيوخ لمواهب الله، وذاع صيتُ فَضلِهِ فاستدعاه الملكُ لينال بركةَ صلاتِهِ، فلما تناقش معه وانتفع منه، أحضر له مالاً، فقبله الشيخ وعاد به إلى قلايتِهِ، وبدأ في تنظيفها وتعميرها، فجاءه مجنونٌ (بروحٍ نجس) فقال له حسب عادتهِ: «اخرج من خليقةِ الله». فقال له الشيطانُ: «لن أطيعَك». فقال الشيخُ: «ولِمَ»؟ فأجابه: «لأنكَ صرتَ واحداً من خدامِنا إذ تركتَ عنك الاهتمامَ بالله، وأشغلتَ ذاتَك بالاهتمام بالأرضيات».
وراهبٌ آخر كان فاضلاً جداً لدرجةِ أنه كان يُخرج الشياطين بصلاتِهِ، وكانت له أمٌ عجوز مسكينةٌ، فحدثت مجاعةٌ عظيمةٌ، فأخذ الراهبُ خبزاً ومضى ليفتقد والدته، وبعد أن رجع إلى قلايتهِ أُحضر أمامه مجنونٌ فقام ليصلي عليه كعادتهِ، فأخذ الشيطانُ يهزأ به قائلاً: «ماما، ماما».
قيل عن الأب مقاريوس الصعيدي: إن إنساناً (دوقس) حضر من القسطنطينية ومعه صدقة للزيارة، فزار قلالي الإخوة طالباً من يقبل منه شيئاً، فلم يجد أحداً يأخذ منه لا كثيراً ولا قليلاً. وكان إذا قابل أحدَهم أجابه بأن لديه ما يكفيه، وأنه مصلِّ من أجلِهِ كمثل من أخذ منه تماماً، فصار ذلك الدوقس متعجباً، ثم أنه أحضر ذلك المال إلى القديس مقاريوس وسجد بين يديه قائلاً: «لأجلِ محبةِ المسيح اقبل مني هذا القليل من المال برسم الآباءِ». فقال له القديس: «نحن من نعمِةِ الله مكتفين، وليس لنا احتياجٌ إلى هذا، لأن كلاًّ من الإخوة يعملُ بأكثرِ من حاجتِهِ». فحزن ذلك المحتشم جداً وقال: «يا أبتاه من جهةِ الله لا تُخيِّب تعبي واقبل مني هذا القليل الذي أحضرتُهُ». فقال له الشيخُ: «امضِ يا ولدي وأعطه للإخوةِ». فقال له: «لقد طفتُ به عليهم جميعاً، فلم يأخذوا منه شيئاً، كما أن بعضَهم لم ينظر إليه البتةَ». فلما سمع الشيخُ فرح وقال له: «ارجع يا ابني بمالِك إلى العالم وأهلِهِ، لأننا نحن أناسٌ أموات». فلم يقبل المحتشمُ ذلك. فقال له القديس: «اصبر قليلاً». وأنه أخذ المالَ وأفرغه على بابِ الدير وأمر بأن يُضرب الناقوس، فحضر سائرُ الإخوةِ وكان عددُهم ألفين وأربعمائة، ثم وقف الأب وقال: «يا إخوةُ، من أجلِ محبة السيد المسيح، إن كان أحدُكم محتاجاً إلى شيءٍ فليأخذ بمحبةٍ من هذا المال». فعبر جميعُهم ولم يأخذ واحدٌ منه شيئاً. فلما رأى الدوقس منه ذلك صار باهتاً متعجِّباً متفكِّراً، ثم ألقى بنفسِهِ بين يدي الأب وقال: «من أجلِ اللهِ رهبني». فقال له القديس: «إنك إنسانٌ كبيرٌ ذو نعمةِ وجاهِ ومركز، وشقاءُ الرهبنةِ كثيرٌ، وتعبُها مريرٌ، فجرِّب ذاتَك ثم أخبرني». فقال: «وبماذا تأمرني أن أفعلَه من جهةِ هذا المالِ»؟ فقال له: «عمِّر به موضعاً بالأديرةِ». ففعل، وبعد قليلٍ ترهب، صلاته تكون معنا، آمين.
قيل عن القديس مقاريوس الوسطاني إن إنساناً أتاه بعنقودٍ مبكرٍ. فلما رآه سبَّح الله وأمر أن يُرسلوه إلى أخٍ كان عليلاً، فلما رآه الأخُ فرح، وهمَّ أن يأخذَ منه حبةً واحدةً ليأكلها، لكنه قمع شهوَتَه، ولم يأخذ منه شيئاً وقال: «خذوه لفلان الأخ لأنه مريضٌ أكثر مني». فلما أخذوا العنقودَ إليه رآه وفرح، لكنه قَمَعَ شهوتَه، ولم يأخذ منه شيئاً. وهكذا طافوا به على جماعةِ الإخوةِ فكان كلُّ من أخذوه إليه يعتقدُ أن غيرَه لم يره بعد، وهكذا لم يأخذوا منه شيئاً. وبعد أن انتهوا من مطافِهِم على إخوةٍ كثيرين أنفذوه إلى الأب. فلما وجد أنه لم تضع منه حبةٌ واحدةٌ، سبَّح الله من أجل قناعةِ الإخوةِ وزهدِهم. وكان القديسُ يقول: «كما أن بستاناً واحداً يستقي من ينبوعٍ واحدٍ، تنمو فيه أثمارٌ مختلفٌ مذاقُها وألوانُها، كذلك الرهبان فإنهم يشربون من عينٍ واحدةٍ، وروحٌ واحدٌ ساكنٌ فيهم، لكن ثمرَهم مختلفٌ، فكلُّ واحدٍ منهم يأتي بثمرةٍ على قدرِ الفيض المُعطى له من الله».
قال أحد الرهبان: «لا تتعرَّف بالرئيسِ ولا تتملَّقه، لئلا يحصلَ لك من ذلك دالةٌ فتشتاقَ للرئاسِةِ».
قال شيخ: «يا حنجراني، يا من تطلب أن تملأ جوفَك، الأجودَ لك أن تُلقي فيه جمرَ نارٍ من أن تتناول أطعمةَ الرؤساءِ».
قال أنبا أفرآم: «اهرب من المشارب، ولا تدخل المجالسَ لئلا تصير زانياً خِلواً من امرأةٍ تساكنك».
قال شيخ: «المنصرف إلى العالمِ بعد رفضهِ إياه، إما أن يسقطَ في فخاخِه ويتدنس قلبُه بأفكارِه، وإما أنه لا يتدنس لكنه يدين المتدنسين فيتدنس هو أيضاً».
قال القديس باسيليوس: لا تتجول في سائرِ العالم حيث لا تنتفع، ولا تحب الأسفارَ أو الطوافَ في القرى والبيوت، بل اهرب منها لأنها فخاخُ الأنفسِ. فإن ألحَّ عليك أحدُهم كي تدخل بيتَه معتقداً فيك العفةَ، فليتعلَّم ذلك الإنسان كيف يتبع إيمان قائد المائة الذي قال للسيد: «إني غيرُ أهلٍ لأن تدخلَ تحت سقف بيتي». وبذلك يقوم إيمانُهُ هذا مقامَ كلِّ شيءٍ له.
قال أنبا أفراطس: «إن شاء اللهُ حياتي فهو يعلم كيف يسوس أمري، وإن لم يشأ فما لي وللحياةِ». وكان يأبى أن يأخذَ من أحدٍ شيئاً، وإذ كان مُقعداً مُلقىً علي سريرٍ، فقد كان يقول: «إن أخذتُ من أحدٍ شيئاً، فليس لي ما أكافئه به».
وقال أيضاً: «يليق بالمتقدمين إلى الله أن ينظروا إليه وحده. ويلتجئوا إليه بوَرَعٍ هكذا، حتى لا يُعِيروا الشتيمةَ التفاتاً، حتى ولو كانوا مظلومين ربواتٍ من المرات».
قال شيخٌ: «المرائي بالمسكنةِ ويخدع بها الرحومين ليأخذَ منهم شيئاً في خفيةٍ، فهو خاطفٌ وظالم. لأنه أخذ بالرياءِ بغيرِ وجه حقٍّ، وما كان وقفاً على المساكين أخذه هو».
قال الأب زينون: «إن الراهبَ الذي يأخذُ صدقةً، سوف يعطي حساباً عنها».
قيل: حدث يوماً أن جاء إلى الإسقيط إنسانٌ غني عاد من غربةٍ وأعطى لكلِّ راهبٍ ديناراً صدقةً. وأنفذ كذلك بركةً لبعض الملازمين قلاليهم، فرأى أحدُهم في تلك الليلةِ حقلاً مملوءاً أشواكاً، وإنسانٌ يقول له: «اخرج ونظِّف حقلَ من أعطاك الأجرةَ»، فلما قام باكراً، أرسل الدينارَ لصاحبهِ قائلاً له: «خذ دينارَك، لأنه ليست لي قوةٌ على اقتلاعِ أشواكِ غيري، يا ليتني أستطيعُ اقتلاعَ أشواكَ حقلي فحسب».
قال أحدُ الآباء: «لا يكن لك في قلايتِك ثوبٌ زائدٌ عن حاجتِك ولستَ في احتياجٍ إليه، لأن هذا هو موتُك، لأن هناك قوماً آخرين غيرَك يؤلمهم البردُ، وهم أبرُّ منك وأحقُّ. وأنت الأثيم عندك ما يفضل عنك. لا تقتنِ إناءً يزيدُ عن حاجتِك حتى ولا سُكرُجة واحدة (أي طبقٌ واحد)، وإلا فعليك أن تجيبَ عما فضل عنك. لا تقتنِ ذهباً في كلِّ حياتِك وإلا فما يهتم الله بك. وإن أتاك أحدٌ بذهبٍ، وكنتَ محتاجاً، فأنفقه في قُوتِك، وإن لم تكن محتاجاً، فلا يبيت عندك. إن شئتَ أن تمتلك النوحَ، فاجتهد أن تكونَ أوانيك وكلُّ أمتعتك مسكينةً فقيرةً، مثل الإخوة الشحاذين. إذا اقتنيتَ مصحفاً (أي إنجيلاً) فلا تتنمَّق في تجليدِه ولا تُزيِّنه. ثوباً جديداً لا تلبس، لأن جميعَ هذه تمنع من النوحِ. وبالإجمال، ليكن جميعُ ما هو لك مما لا تتألم على فقدانِه. ثيابُك وحذاؤك وكلُّ أوانيك لتكن هكذا حتى لو جاء قومٌ ليسرقوها لا يرضون بها ولا يعجبهم شيءٌ منها».
وقال أحدُ الآباءِ أيضاً: «إن اللهَ يحتملُ خطايا أهلِ العالم، أما خطايا أهلِ البراري فلا يحتمل، لأن ما يطالبُ به أهلَ العالم يختلفُ عما يطلبه ممن قد تخلُّوا عن العالم. لأنَّ مَن هو في العالم له أعذارٌ كثيرةٌ، فأما نحن، فأيُّ عذرٍ لنا، نحن الذين قد قصدنا البريةَ، وتغرَّبنا فيها؟ الحقيقةَ، إن عقاباً شديداً وناراً تلتهب تلحَقُ بالعارفين لمشيئةِ الربِّ ولا يسلكون بمقتضاها».
قال القديس باسيليوس: «هذا ما يليق بالراهبِ: التمسكن، عقلٌ منخفضٌ، نظرٌ مُطرقٌ إلى الأرض، وجهٌ مُقَطَّبٌ، زيٌ مهمل، ثوبٌ وسخ حتى يكون حالُنا كحالِ النائحين الباكين، ثوبٌ بقدر الجسدِ لأن الغرضَ منه شيءٌ واحدٌ هو ستر الجسد من الحرِ والبرد، ولا نطلب ازدهار الصبغ وحسنَه ولا نعومةَ الثوبِ ولا ليونَتَه، لأن الميلَ إلى ذلك من صفاتِ النساء، كما يجبُ أن يكونَ الثوبُ سميكاً حتى لا يحتاج الأمرُ إلى وشاحٍ ليدفئَ من يلبسه. وليكن الحذاءُ بسيطاً يتمم الحاجةَ الداعيةَ إليه فقط. وكذلك الحال في الطعامِ، خبزةٌ واحدةٌ تسدُ الجوعَ، والماء ليروي ظمأ العطشان. أما المشي فلا يكون بطيئاً بانحلالٍ كما لا يكون بسرعةٍ وعجرفةٍ حيث الحركات الخطرة».
من كلام مار إسحق: «شيطانُ الزنى يرصُدُ ثوبَ الراهبِ، هل يلبسه باستمرارٍ أو يغيره عند التقائهِ بآخر، لأن هذا هو مفتاحُ الزنى».
وقال أيضاً مخاطباً الإخوة: «إن آباءَنا كانوا يلبسون خرقاً موصولةً قديمةً، وأغطيةً عتيقةً. أما الآن فلباسُنا ثيابٌ غالية الثمن. امضوا من ههنا ، فقد أفسدتم ما كان ههنا». ولما كانوا عتيدين أن يمضوا إلى الحصادِ قال لهم: «لن أوصيكم بشيءٍ لأنكم لا تحفظون شيئاً».
قال أنبا بموا: «يليقُ بالراهبِ أن يلبسَ ثوباً لو تركه خارج قلايتهِ أياماً مطروحاً، لا يرضى أحدٌ أن يأخذه لحقارتهِ».
قيل عن يوحنا فم الذهب: «إن مدةَ إقامتهِ في البطريركية كان غذاؤه ماءَ الشعير والدشيشة يومياً، كما كان يأخذ طعامَه بوزنٍ ومقدار. وهذا ما جعله ينسى الشهوةَ، أما ثوبُه فقد كان من خِرَقٍ وشعرٍ خَشِن، ولم يكن له ثالثٌ».
وبخصوص البعدِ من الأقرباءِ قيل: إن راهباً سأل الأب برصنوفيوس بشأنِ أخيه العلماني المحتاج إلى ثوبٍ، فأجابه: «أتسألني أيها الأخ بخصوصِ أخيك؟ إني لا أعرفُ لك أخاً غيرَ المسيح، فإن كان لك إخوةٌ فاعمل معهم ما شئتَ، فأنا ليس لي كلامٌ، لأنه إن كان الربُ نفسُه قال: من هي أمي ومن هم إخوتي؟ فماذا أقول أنا لك؟ هل تطرح وصيةَ الربِ وترتبط بمحبةِ أخيك حتى ولو كان مفتقراً إلى ثوبٍ، وإن كنتَ قد ذكرتَ أخاك، فلِمَ لم تتذكر المساكين الآخرين، لا بل لم تذكر القائل عن نفسِه: إني كنتُ عرياناً ولم تكسوني. ولكن الشياطين تُلاعبك بل وتُذكِّرك أيضاً بأولئك الذين كنتَ قد جحدتَهم لأجلِ المسيح لكي ما تظهر مخالفاً لأوامره».
كذلك قيل: سأل أحدُ الإخوةِ شيخاً وقال له: «إن أختي مسكينةٌ فهل أعطيها صدقةً، إذ ليس لها نظيرٌ في المساكين»؟ قال له الشيخُ: «لا». قال الأخ:« لِمَ أيها الأب»؟ قال له الشيخ: «لأن الدمَ يجذبُك إلى ذلك، أكثر من وصيةِ المسيح».
قيل كذلك إن أحدَ الإخوةِ كانت له والدةٌ تقيةٌ، فلما حدثت مجاعةٌ كبيرةٌ، أخذ قليلاً من الخبزِ ومضى إليها، ولما كان يسيرُ جاء إليه صوتٌ قائلاً: «أتهتم أنت بوالدتك أم أنا المهتمُ بها»؟ فميز الأخُ قوةَ الصوتِ، وخرَّ على الأرضِ بوجههِ قائلاً: «أنت يا ربُّ هو المهتمُ بنا». ونهض راجعاً إلى قلايتهِ. وفي اليوم الثالثِ جاءت إليه والدتُه وقالت له: «إن فلاناً الراهب أعطاني قليلاً من الحنطةِ، خذها واصنع لنا أرغفةً لنأكلَ». فلما سمع الأخُ بذلك، مجَّد الله وقوي أملُه.
قال أحدُ الآباء: «إن جحدتَ أنسباءَك بالجسدِ مع أمورِ الجسدِ لأجلِ الله، فلا تنخدع للرحمةِ على والدتك أو ابنك أو أخيك أو أحد أنسبائك، لأنك قد تخليتَ عن هذه كلِها، اذكر ساعةَ موتِك، فلن ينفعَك واحدٌ منهم».
قيل عن أحدِ رهبانِ الإسقيط (إنه كان له ولدٌ قبل رهبنتِه) وأنَّ ولدَه أُخذَ في خدمةِ السلطان، فكتبت أمُّ الصبي إلى زوجِها الراهب أن يسأل الوالي في إطلاقه، فأجاب الراهبُ وقال للمرسال: «إن هو أُخلي سبيله أما يأخذون غيرَه»؟ قال: «نعم». قال الراهب: «وأية منفعةٍ من أن أُفرِّح قلبَ هذه، وأُحزن قلبَ أخرى»؟ وكان ذلك الراهب يعملُ عملاً متواصلاً، فكان يأخذُ منه حاجتَه، وما بقي بعد ذلك يفرِّقه على المساكين، فلما حدثت مجاعةٌ عظيمةٌ، أرسلت الوالدة ولدَه إليه تطلب منه أن يعطيها خبزاً قليلاً، فلما سمع الراهبُ قال لولدِه: «أما يوجد في الموضعِ قومٌ آخرون محتاجون مثلُكم»؟ فأجابه: «نعم يا أبي كلُّ الناسِ محتاجون». فأغلق البابَ في وجههِ وتركه باكياً وقال: «امضِ يا ولدي، والمهتمُ بالكلِّ يهتم بكم». فسأل أحدُ الإخوة الشيخَ قائلاً: «أما يؤلمك الفكرُ إذ رددتَ هكذا»؟ فأجابه: «إن لم يُكره الإنسانُ نفسَه في كلِّ أمرٍ، فما يقدر أن يُقِّوم شيئاً من الصلاحِ البتةَ».
كان لأحدِ الرهبان أخٌ علماني وكان يواسيه من عملهِ وبقدر ما كان يواسيه، كان ذاك يفتقرُ أكثر. فمضى الراهبُ وأخبر أحدَ الشيوخِ، فقال له: «إن سمعتَ مني، فلا تعُد تعطيه شيئاً بعد، بل قل له: لما كان لي كنتُ أعطيك، أما الآن، فبقدر ما تيسَّر لك هات أنت لي. وكل ما يأتي به إليك أعطِه للمساكين واسألهم أن يصلَّوا من أجلِه». فلما جاء أخوه العلماني، قال له كما أعلمه الشيخُ، فمضى من عندِه كئيباً. وفي اليوم الثالث، أحضر له من تعبهِ قليل بَقلٍ، فأخذها الراهب وأعطاها للشيوخِ وسألهم أن يصلُّوا من أجلِه. ولما جاء ثاني مرة، أحضرَ له بقولاً وثلاث خبزات، فأخذها الراهبُ وعمل مثلما عمل أولاً، ولما جاء لثالثِ مرةٍ، أحضر له أشياءً ذاتَ ثمنٍ كنبيذٍ وسمك. فلما رأي الراهبُ ذلك تعجَّب واستدعى المساكين وأطعمهم وقال لأخيه: «هل أنت محتاجٌ إلى قليلٍ من الخبزِ فأعطيك»؟ فقال له ذاك: «لا يا أخي، لأني لما كنتُ آخذ منك شيئاً، كان كأنه نارٌ يدخلُ إلى بيتي فتأكله، وكأنه هباءٌ تأخذه الريح فلا أجده. ومنذ أن توقفتُ عن أن آخذ منك شيئاً، بارك الله لي». فمضى الراهبُ وأخبر الشيخَ بكلِّ ما جري فقال الشيخُ: «إن متاعَ الراهبِ هو نارٌ، أينما دخل أحرقَ».
قال أحدُ الآباء لراهب له مقتنيات: «لقد سُمي الراهبُ متوحداً لأنه أصبح يعيشُ وحدَه، لا يمتلك شيئاً. فإن كان له مِلكٌ يُجار عليه ويُظلم فيه، أو يجور هو ويَظلم، فليس هو إذن براهبٍ. لأن نواميسَ الملوك لا تُسلِّم بأن يحاكَم الرهبانُ في مجالسِ أحكامِهم، لأنهم قد ماتوا عن العالم، ولذلك فقد عَدِمَ كلَّ عفوٍ ذلك الراهبُ الذي يُدخِل نفسَه في مجالسِ الحكام لأجل شيءٍ يُظلم فيه أو يُجار عليه».
قيل أيضاً: أراد في يومٍ من الأيام والي البلاد أن يشاهد أنبا بيمين. لكن الشيخَ لم يشأ ذلك. فقبض الوالي على ابن أختِه بهذه الحجة وحبسه، كأنه قد عمل عملاً منكراً. وقال: «إن جاء الشيخُ وسألني من أجلِه فسوف أُطلقه». فجاءت إليه أختُه باكيةً على الباب، فلم يُجبها بجوابٍ البتة. فكرَّرت عليه قائلةً: «يا قاسي القلب، ويا حديدي الأحشاء، ارحمني فإنه وحيدي وليس لي سواه». فقال لها: «بيمين ما ولد أولاداً». فلما سمع الوالي قال: «وإن سألني بالمكاتبةِ فقط فإني أُطلقه». فأجاب الشيخُ قائلاً: «افحصه على ما يأمرُ به الشرعُ، فإن كان مستحقاً للقتل فليُقتل، وإلا فافعل كما تريد».
قال أحدُ الشيوخ: إن الرهبان المتوشحين بالزي المقدس، القاطنين في الأديرةِ، لا يليق بهم أن يقولوا: «لي ولك، ولهذا ولذاك». والجماعةُ المشتركة كذلك، ليس لهم أن يعتبروا شيئاً ما ملكاً لواحدٍ منهم. ولا يدورُ فيما بينهم القولُ: «لي ولك، ولهذا ولذاك». وإلا فما يليقُ أن تُدعى الجماعةُ بالكنوبيون، أي العيشة المشتركة، بل تُدعى مجامعَ لصوصٍ ومغارةً مملوءةً من كلِّ رذيلةٍ وسلبٍ للأشياء الطاهرة».
من الديادوخس: «الذي قد حظي وقاراً بمعرفةٍ مقدسة وذاقَ الحلاوةَ الإلهية، لا يجبُ له أن يحاكِم قط ولا يقيم دعاوى أو يجذب إلى مجلسِ حكمٍ بالجملةِ، حتى ولو سلب سالبٌ ملابسَه، لأن عدالة السلاطين في هذا الدهر ليست شيئاً بالمرة بالنسبة إلى عدالة الله. وإلا فأي فارقٍ إذن بين أولاد الله وأولاد هذا الدهر؟ وإليك ما فعله سيدنا يسوع المسيح، فإنه لما شتموه لم يشتم هو عوضاً، ولما آلموه لم يهدِّد، ولما نزعوا ثيابَه لم يتكلم، وتوجَّع لأجلِ خلاصنا، وما هو أعظم من ذلك كلِّه، أنه سأل الغفرانَ لفاعلي المكروه به».
سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «أريدُ أن أقيمَ مع آخر في كنوبيون حتى أستريحَ في قلايتي، ويعطيني عملاً أعمله بيدي ويهتمُ بي». قال الشيخ: «لا تفعل ذلك، وإلا فما كنتَ تستطيع أن تعطي أحداً خبزاً».
سأل أخٌ الأب بيمين قائلاً: «أريدُ أن أدخلَ إلى كنوبيون وأسكن فيه». فقال له الشيخُ: «إن شئتَ سكنى الكنوبيون، فإن لم تعتق نفسَك من هَمِّ كلِّ محادثةٍ، وتبتعد عن سائرِ الأشياء، فلا يمكنك سكنى كنوبيون، لأنه لن يكون لك هناك سلطانٌ إلا على عصاك».
قال أحدُ الآباء: إن شئتَ أن تجدَ راحةً في هذه الدنيا، قل في كلِّ أمرٍ تعمله: «أنا من أنا»؟ كما لا تدن أحداً.
وقال آخر: «ليكن فكرُك فكراً صالحاً هادئاً في أيِّ موضعٍ سكنتَ فيه، كما لا تطلب أن تُلقي قولَك قدامك، فتستريح».
وقال آخر: حيثما تجلس قل: «غريبٌ أنا، غريبٌ أنا».
وقال آخر: جاور من يقول: «أيَّ شيء أريد أنا»؟ فبمجاورتك لذاك سوف تجد راحةً.
وقال آخر: «لا تسكن في موضعٍ له اسم، ولا تجالس إنساناً عظيمَ الاسم».
سأل أخٌ الأب بيمين قائلاً: «ما معنى قوله: الذي يغضبُ على أخيه باطلاً»؟ قال له: «إن أخذ أخوك منك شيئاً، وظلمك فيه وغضبتَ عليه بسببهِ، فغضبُك هذا يكون باطلاً، لأنك غضبتَ لأجل أشياءٍ باطلةٍ، أما إن أراد إبعادك عن الله خالِقك، فحينئذ اغضب جداً، لأن غضبَك حينئذ لا يكون باطلاً».
ومرة سَمِعَ عن إنسانٍ أنه كان يواصل صومَ ستةِ أيامٍ، لكنه كان يغضبُ، فقال: «إن كان هذا قد تعلَّم كيف يطوي الأسبوعَ، فكيف لا يتعلم كيف يُبعد عنه الغضبَ»؟
قال الأب مقاريوس: «إن كنتَ في حالِ ردعِك غيرك تَحرد وتغضب، فأولى بك أن تشفي ألمَك أولاً، لأنه لا يليقُ أن تُهلك نفسَك لتُخلِّص غيرَك».
سأل إخوةٌ الأب أرمانيوس قائلين: «ماذا يجب أن نتدبَّر»؟ فأجابهم الشيخُ: «لا أتذكر أني سألتُ في وقتٍ من الأوقاتِ إنساناً بأن يعملَ شيئاً، ما لم أسبق فأُجيل في خاطري أني لا أغضب متى خالفني، ولم يعمل بما قلتُه له. وهكذا عشنا عمرَنا كلَّه بسكونٍ وسلامٍ».
سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «إن سكنتُ مع إخوةٍ، ورأيتُ منهم أمراً غيرَ لائقٍ فهل تشاء أن أتكلَّم»؟ قال الشيخُ: «إن كانوا هم أكبر منك أو في مستواك، فسكوتك خيرٌ لك. لأنك بسكوتك تخلص». فقال الأخُ: «فماذا أعملُ أيها الأب، لأن الأرواح تقلقني بأن أتكلمَ، وهكذا تجدني متعَباً». فقال الشيخُ: «إن كان ولا بدّ، فذكِّرهم مرةً باتضاعٍ وذلك بأن تؤخر إرادتك وتخضع لله، محتاطاً لنفسك ألا تتكلم فيهم بنميمةٍ، وعندي أن السكوتَ أفضل، لأنه دليلٌ على الاتضاع».
قال أحدُ الآباء: إنه لا يوجد أفضلُ من هذه الوصية: لا تزدرِ بأحدٍ من الإخوة، هو ذا قد كُتب: «توبيخاً توبِّخ قريبك ولا تأخذ بسببهِ خطيةً». فإن علمتَ أن أخاك مخطئٌ ولم تخبره بغلطتِه وثبت فيها يموتُ بخطيئتهِ، ما أجود التوبيخ لا سيما إذا كان بمحبةٍ واتضاع، لا بمعيرةٍ وازدراء».
قال شيخٌ: «إن كلَّ كلمةٍ يتكلمُ بها الإنسانُ ولا يستطيع أن ينطقَ بها قدامَ أخيه، فإنها تُعتبر نميمةً ووشاية».
من كتاب الدرجي: سمعتُ نمَّامين، فلما زجرتُهم قالوا لي بأنهم لا يفعلون شراً، وإنما يفعلون ذلك محبةً وشفقةً على أولئك الذين يتكلَّمون في حقِهم. أما أنا فقلتُ لهم: «ليست هذه محبةً، لكنك إن كنتَ تُحبَه حقاً، فصلِّ من أجلهِ خفيةً ولا تهجو أو تسبَّ أحداً».
قال أنبا بيمين: قد تجد إنساناً يُظنُّ به أنه صامتٌ، لكن فكرَه يدين آخرين، فمن كانت هذه صفته، فهو أبداً يتكلم. وقد تجد آخرَ يتكلم من بُكرةٍ إلى عشيةٍ، ويلازم الصمتَ، أعني أنه لا يتكلم كلمةً بلا منفعةٍ.
وقال شيخ: «إن شئتَ معرفةَ الطريقِ فعليك بأن تعتقدَ في ضاربك كاعتقادِك فيمن يحبك، وفي شاتمك كمن يمجِّدك، وفي ثالبك كمن يكرِّمك، وفي مُخزيك كمن ينيِّحك».
وقال آخر: «إن لم يكن قد صار عندك الامتهان كالإكرام، والخسران كالربح، والغربة كالقرابة، والعَوَز كالفضيلة، فامضِ واعمل ما شئتَ».
وقال آخركذلك: «إن لم يعتقد الإنسانُ فيمن يظلمه كاعتقادِه في الطبيبِ، فإنه يظلم نفسَه ظُلماً عظيماً، فسبيلُك أن تتذكر من يظلمك كتذكرك طبيباً نافعاً لك، مُرسَلاً من قِبل المسيح إليك كما يلزمَك أن تتألم من أجلِ اسمِهِ».
قيل عن القديس مقاريوس: إنه كان في بعضِ القلالي أخٌ صدر منه أمرٌ شنيع وسمع به الأب مقاريوس، ولم يُرد أن يبكِّته. فلما علم الإخوةُ بذلك لم يستطيعوا صبراً. فما زالوا يراقبون الأخَ إلى أن دخلت المرأةُ إلى عِندِه. فأوقفوا بعضَ الإخوةِ لمراقبتهِ، وجاءوا إلى القديس مقاريوس. فلما أعلموه قال: «يا إخوة لا تصدقوا هذا الأمرَ، وحاشا لأخينا المبارك من ذلك». فقالوا: «يا أبانا، اسمح وتعالَ لتبصرَ بعينيك حتى يمكنك أن تصدِّق كلامَنا». فقام القديسُ وجاء معهم إلى قلاية ذلك الأخ كما لو كان قادماً ليسلِّم عليه، وأمر الإخوةَ أن يبتعدوا عنه قليلاً. فما أن علم الأخُ بقدومِ الأبِ حتى تحيَّر في نفسِه، وأخذته الرعدةُ وأخذ المرأةَ ووضعها تحت ماجورٍ كبيرٍ عنده، فلما دخل الأب جلس على الماجور، وأمر الإخوةَ بالدخول، فلما دخلوا وفتشوا القلايةَ لم يجدوا أحداً ولم يمكنهم أن يوقفوا القديس من على الماجور، ثم تحدثوا مع الأخِ وأمرهم بالانصراف. فلما خرجوا، أمسك القديس بيدِ الأخ، وقال: «يا أخي على نفسِك احكم قبل أن يحكموا عليك، لأن الحكمَ لله». ثم ودَّعه وتركه، وفيما هو خارجٌ، إذ بصوتٍ أتاه قائلاً: «طوباك يا مقاريوس الروحاني، يا من قد تشبَّهتَ بخالقك، تستر العيوبَ مثلَه». ثم أن الأخَ رجع إلى نفسِه وصار راهباً حكيماً مجاهداً وبطلاً شجاعاً. صلوات جميعهم تكون معنا آمين.






hgHf sg,hks







آخر تعديل ملاك حمايه جرجس يوم 08-24-2011 في 03:15 AM.
رد مع اقتباس
إضافة رد



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات ام السمائيين و الارضيين