العذراء أعلى من الأنبياء . حصرى . من كتاب [العذراء في اللاهوت الكنسي]

في اللاهوت الكنسي ترتفع العذراء في درجة قربها من الله، وبالتالي قداستها وشفاعتها، أكثر من جميع الأنبياء لأن سر العذراء أعلى من موهبة النبوة.

فالأنبياء قبلوا الروح القدس في الذهن والفم لينطقوا بكلام الله إلى فترة زمنية، أما العذراء فقبلت الروح القدس يتحد بكل كيانها حتى يستطيع كلمة الله أن يأخذ من لحمها ودمها جسداً له.

أما كلمة الله التي خرجت من فم الأنبياء فكانت وقتيه للتأديب، وكانت قابلة للتعديل، كل كلمة تناسب جيلها، وأما كلمة الله الذي خرج من أحشاء العذراء فهو شخص آبن الله الأبدي الكلمة المحيي، والمتكلم فينا بالحب والحياة إلى نهاية الدهور.

العذراء هنا أعطتنا "كلمة الله"، ليس كما أعطانا الأنبياء، والصلة التي صارت ودامت بين العذراء وكلمة الله يسوع المسيح. فالأنبياء كانوا آنية حملت الكلمة الإلهية إلى حين، ثم فارقتهم، فرجعوا كما كانوا غرباء عن كلمة الحياة؛ أما العذراء فقد ارتبطت ب"كلمة الله" كأُم بقدر ما ارتبط "كلمة الله" بالعذراء كإبن لها، فالعذراء ما تزال إلى الأبد حاملة صلة الأمومة لإبن الله، بقدر ما أصبح وما دام آبن الله حاملاً للقب آبن الله!!

* العذراء نبيه:
وإن البرهان على صحة عقيدة الكنيسة بأن العذراء أعلى من الأنبياء هو أن تكون العذراء أولاً نبية، وثانياً أن تأتى بنبوة أعلى مما أتى به الأنبياء، فهل هذا تم بالفعل؟

من جهة المنطق، لم يكن ممكناً أن تحمل العذراء "بالكلمة"، كلمة الله، وتبقى بدون نبوة، بل بمجرد أن سكن "الكلمة" كلمة الله الآب الناطقة في أحشاء البتول، امتلأت ببهجة الخلاص وفتحت فاها مسَّبحة بإسم الله القدوس ونطقت بعظائم الله!! "فقالت مريم تعظَّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى اتضاع أمته. فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني. لأن القدير صنع بي عظائم وآسمه قدوس." (لو1: 46 - 48)

هذه تسبحة نبوية ذات استعلان نبوي فائق، تمتد تغطيتها الزمنية إلى كل الدهور. وإذا فحصنا هذه النبوة نجد أنها تحققت بالفعل وبكل تأكيد وأصالة من ألفي عام وحتى اليوم.

وفي الحقيقة تعتبر هذه الجملة "فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني" من أخطر ما نطقت به العذراء، فلم يُسمع قط نبياً يقول: "هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني لأن القدير صنع بي عظائم!!"، بل على النقيض نسمع من إشعياء عظيم الأنبياء يقول: "ويل لي. إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين!!" (إش6: 5)

فالعذراء بقولها العجيب هذا تكشف مرة واحدة عن حالة انتساب وقُربَى لله فائقة على كل المستويات البشرية، فهي تعلن بكل جرأة واتضاع معاً أن الله القدير منحها حالة مجد على الأرض وفي السماء بعد انتقالها.

صحيح أن أي إنسان يمكن أن يتمجد من قبل الله جزاء سلوك معين، ولكن أن يوهب الإنسان أن تمجده جميع الأجيال - أى كل البشرية في كل العصور - أي بصورة دائمة، لا كجزاء عن عمل صنعه أو سلوك أكمله بل عن استحقاق فائق من الله بسبب عظائم صنعها الله بها، فهذا شيء لم يُسمع به في دائرة تاريخ الإنسان قط.

إذاً، فنحن أمام نبوة فائقة تلقي ضوءاً باهراً على شخصية العذراء وتضعها في مستوى أعلى من كل ما عداها من الأنبياء وكل البشر.

هنا الطوبى حالة فائقة على مستوى البشر تستمدها العذراء من الله عبر اتضاعها واستحقاقها لحمل "كلمة الله"، ولكن العجيب الذي يبهرنا هو أن تطويب الأجيال لها يبدو هنا كحالة ارتباط روحي بيننا وبينها، تقف العذراء في السماء كوسيطة فرح وسعادة للبشرية. فتطويب العذراء هو بحد ذاته دخول سري في سعادة ومجد.

عن كتاب:

[العذراء في اللاهوت الكنسي]

المؤلف: الأب متى المسكين
صفحة: 7 - 9
الطبعة الثانية: 1987م

المصدر: منتدى ام السمائيين و الارضيين - من قسم: موضوعات مختلفه ونادرة عن العذراء

---

hgu`vhx Hugn lk hgHkfdhx > pwvn ;jhf Fhgu`vhx td hgghi,j