كتاب / لا تطرح ثقتك ... للأب دانيال - الصفحة 2 - منتدى ام السمائيين و الارضيين
الرئيسية التسجيل مكتبي
Image
البحث الأعضاء الرسائل الخاصة


منتدى ام السمائيين والارضيين


   
العودة   منتدى ام السمائيين و الارضيين > منتدى الطريق نحو الابديه > مكتبة الكتب المسيحيه
 
إضافة رد
   
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 09-30-2012, 05:54 PM   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية بن الملك
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي

بن الملك غير متواجد حالياً


افتراضي





لا تطرح ثقتك

10 تخلص من الضيقات

إنها لتساؤلات تفرض نفسها.. إن كان الآب السماوي يحبنا كمحبته لابنه الوحيد (يو17: 23)، وإن كان مستعداً أن يُنقذنا من كل خطر، وأن يُخلصنا من كل ضيق (مز34: 6)، ولا يدعنا نحتاج شيئاً (مز23: 1).. فكيف نقرأ في كلمته عن آلام تأتي إلينا (1بط2: 19، 4: 19)؟ ولماذا نسمع بين الحين والآخر عن مؤمنين أتقياء يعانون من ضيقات قاسية؟!

لنقرأ معاً المقطع الأخير من أصحاح الإيمان الشهير (عبرانيين11):

"والذين بالإيمان قهروا ممالك.. سدوا أفواه أسود.. أطفأوا قوة النار.. نجوا من حد السيف.. صاروا أشداء في الحرب"

"وأخرون تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضاً وحبس. رُجموا نُشروا جُربوا ماتوا قتلاً بالسيف.. مُعتازين مكروهين مُذلين.. فهؤلاء كلهم مشهوداً لهم بالإيمان" (عب11: 33-39)

المقطع يتحدث عن فئتين من رجال الإيمان..

الأولى، رجال بالإيمان تخلصوا من الضيقات.. لم تقدر النيران ولا الأسود ولا قوة الممالك أن تؤذيهم..

والثانية، رجال، مع إنهم لم يتخلصوا من الضيقات إلا إنهم بالإيمان ارتفعوا فوقها، احتملوها بصبر، ولم يفقدوا سلامهم، ولم يتذمروا ولم ينكروا إلههم، بل ظلوا شاهدين له ومثمرين لمجده..

هم أيضاً اختبروا خلاص الرب، لكن ليس الخلاص من الضيقات كالفئة الأولى بل الخلاص في الضيقات..

فمتى أؤمن بالخلاص من الضيق؟.. ومتى أسير في ركب الفئة الثانية فأؤمن بالخلاص في الضيق؟..

متى يكون إيماني أن أنجو من السيف (عب11: 34)؟ ومتى يصير إيماني أن أقبل السيف لكي أمجد الله بموت يُعلن محبتي له (عب11: 37)؟

الإيمان كما عرفنا من قبل يعتمد على خبر نسمعه من كلمة الله.. وفي كلمة الله آيات تُعِدُ بالحماية والإنقاذ من الخطر والموت، وآيات أخرى تَعِدُ بالأمجاد في احتمال الألم..

فمتى أؤمن بالأولى؟ ومتى أتمسك بالثانية؟ هل من تناقض؟

كلا، لكن الأمر يحتاج منا أن نكون "خبيرين بالأوقات [أي أن نفهم الأوقات [to have an understanding of times (KJV)]" (1أخ12: 23)، لنفهم أهو وقت نستخدم فيه إيماننا للتخلص من الضيقات، أم هو وقت يعمل فيه الإيمان لتحمُل الضيفات ولتحويلها لخيرنا ولمجد الرب..

أيها الحبيب، هل تريد أن تكون خبيراً بالأوقات؟ أنت في احتياج إلى قضاء وقت كافٍ كل يوم عند أقدام الرب لتقرأ كلمته..

دراسة الكلمة هي مفتاح فهمنا للأوقات.. ما أثمن الساعة التي نقضيها مع الكلمة!! ليس من بديل لها، فيها نتعلم طرق الله ونعرف "إرادة الله الصالحة المرضية" (رو12: 2) لكل وقت نمر به..

وهذا الفصل والتالي له يساعدانك على مواجهة الضيقات.. هما يشغلانك بما تقوله الكلمة في هذا الموضوع.. ولنبدأ بما فعله آساف قديماً.. كان يبحث عن حقيقة أمر حيره جداً، فلم يجد إجابة ولم يسترح إلا بعد أن انفرد بالرب.. يقول في مزموره: "فلما قصدت معرفة هذا إذا هو تعب في عيني. حتى دخلت مقادس الله" (مز73: 16، 17)..

لقد ظل متحيراً حتى سمع الإجابة في المقادس..

لنفعل مثله ولندخل الآن إلى مقادس الله.. "لنا ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، (عب10: 19).. لندخل الآن ولننفرد بالرب ولنتحدث إليه بكلمات إيمانية مثل هذه:

كم أشكرك أبي السماوي،

لأنك ستُزيل حيرتي، وستُثبت خطواتي في كلمتك..

كم أشكرك لأنك تُريدني خبيراً بالأوقات

قادراً على التميز..

لأعرف متى أؤمن بالخلاص من الضيق،

ومتى أؤمن بالانتصار في الضيق..

أبي السماوي..

إنني أطلب باسم ابنك يسوع..

أن ترافقني بروحك قراءة هذا الفصل، لتُعلمني كلماتك (أم1: 23)..

أشكرك لأنني أعرف من كلمتك إن "المعلنات لنا" (تث29: 29)..

أشكرك لأنك ستُعلن لي، ستعطيني فهماً ولن تدعني أخدع..

الآلام

من الآيات التي تساعدنا في مواجهة الضيق، هذه الآية الذهبية التي دونها لنا الرسول بطرس في رسالته الأولي:

"فإذاً الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير" (1بط4: 19)

لننظر أولاً كلمة "فليستودعوا" “paratheso” ما المقصود بها؟.. في زمن كتابة الرسالة لم يكن نظام البنوك قد عُرف بعد، فعندما كان الشخص ينوي أن يسافر في رحلة طويلة، كان يُودع أمواله لدى صديق أمين، قادر على حفظها.. إن فعل "يستودع" هو الذي كان يُستخدم في هذه الحالة(43)..

هل تتألم بحسب مشيئة الله؟ الرسول بطرس يدعوك أن تودع نفسك بالكامل (جسدك، عواطفك، أفكارك، أسرتك، عملك...الخ) وديعة “deposit” لدى إلهك.. هللويا، لن يقدر إبليس أن يستغل الألم ليسرق منك شيئاً..

الرب أكثر أمانة من أي شخص آخر، بإمكانك أن تثق فيه.. هو سيحفظك من الشرير "أمين هو الرب الذي سيثبتكم ويحفظكم من الشرير" (2تس3: 3)..

ولنتأمل أيضاً تعبير الرسول بطرس "كما لخالق أمين في عمل الخير"، فالرسول يدعوك أن تودع نفسك لدى إلهك باعتباره الخالق الأمين.. لماذا اختار الرسول هذا اللقب "الخالق" على وجه التحديد؟..

وعندما طلب حزقيا الإنقاذ وهو في وسط الخطر، طلب أيضاً من إلهه باعتباره الخالق "أنت صنعت السماء والأرض. أمل يا رب أذنك واسمع" (2مل19: 15، 16).. وكذلك الكنيسة الأولى في ساعة الاضطهاد فعلت نفس الشئ، اجتمعت للصلاة ورفعت بنفس واحدة صوتاً إلى الله باعتباره الخالق "أيها السيد أنت هو الإله الصانع السماء والأرض وكل ما فيها.. والآن يارب انظر إلى تهديداتهم " (أع4: 24، 29)..

تُرى لماذا صلوا في وقت الضيق إلى الله باعتباره الخالق؟ ولماذا عند مجئ الآلام أستودع نفسي لله لأنه خالق؟

لأنه كخالق أعد كل شئ لنا..

فهو لم يخلقنا في اليوم الأول، بل في اليوم السادس.. أي بعد أن أعد كل شئ لأجلنا.. ألا نُحزن قلبه حينما ننسى هذه الحقيقة؟.. لنثق أنه لن يسمح للضيقات أن تأتي إلينا إلا بعد أن يكون قد أعد كل ما نحتاجه لمواجهتها..

ولأنه كخالق مسئول عن تسديد كل احتياجاتنا بلا استثناء..

لنتأمل خليقته، إنها تشهد باهتمامه بأصغر كائناتها، أفلا يهتم الرب بنا نحن شعبه وغنم مرعاه (مز100: 3)؟!.. لنقرأ كلمات الموعظة على الجبل، فكم تبني إيماننا: "لا تهتموا [لا تقلقوا] لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون. ولا لأجسادكم بما تلبسون.. انظروا إلى طيور السماء. إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن. وأبوكم السماوي [الخالق] يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها..

ولماذا تهتمون بالباس. تأملوا زنابق الحقل [زهور السوسن] كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحده منها.

فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويُطرح غداً في التنور [الفرن] يُلبسه الله [الخالق] هكذا أفليس بالحري جداً يُلبسكم أنتم..

فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس.. اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تُزاد لكم" (مت6: 25-33)

هذه الآيات من كلمة الله الحية الفعالة، بها نقدر أن نطرد أفكار القلق متى هاجمتنا في وقت الآلام..

إنها تؤكد أنه خالق أمين يهتم بكل منا، قد أعد كل شئ لنا.. لنقل لأنفسنا نحن أفضل من الطيور.. نحن أفضل من الزنابق.. الخالق الأمين الذي يهتم بنا، هو يهتم بي.. بروحي، بجسدي، بصحتي، بطعامي، بشرابي، بملبسي، بأسرتي..

ولأنه كخالق يقدر أن يعمل ما يريده..

يترنم له المزمور باعتباره الخالق فيقول: "يارب إله الجنود من مثلك قوي.. أنت متسلط على كبرياء البحر.. لك السموات. لك أيضاً الأرض. المسكونة وملؤها أنت أسستهما.. لك ذراع القدرة. قوية يدك. مرتفعة يمينك.. طوبي للشعب العارفين الهتاف.. باسمك يبتهجون اليوم كله.. لأنك أنت فخر قوتهم" (مز89: 8-18)..

أياً كانت الضيقات والحروب التي تهاجمنا فلنهتف للرب المتحكم في كل الأحداث، فنحن شعبه.. لنهتف له بقوة تسبيح مملوء بإيمان يعلن أمانته معنا، وقوته التي لنا.. لنتعلم أن نُردد كلمات كهذا المزمور في صلواتنا..

لنثق أن "رب السوات والأرض" (مت11: 25)هو معنا.. وان "صانع الأرض بقوته ومؤسس المسكونة بحكمته" (إر10: 12) هو يهتم بنا.. والذي "قال فكان.. هو أمر فصار" (مز33: 9) والذي "يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض ولا يوجد من يمنع يده" (دا4: 35) هو يأمر ويشاء، لا ليؤذينا.. بل كما يقول الرسول بطرس: "كما لخالق أمين في فعل الخير" (1بط4: 19)..

لا.. لن يأتي أبداً بالشرور إليك بل بالخيرات، إنه يُحرك الكون بكامله لأجلك!!..

هللويا، سأستودع نفسي بجملتها لديه.. وسأثق أنه بيده القوية ويمينه المرتفعة سيحفظني آمناً (تث33: 12).. سيسير معي، لن يهملني ولن يتركني (عب13: 5)..

أيها الحبيب، إن جاء عليك ضيق، كن مطمئناً.. تعال إلى الخالق القدير، أبيك الذي يحبك.. استودع نفسك وكل ما لك بين يديه.. ثق أنه معك، يقودك، يرفعك ويحملك طول الأيام (إش46: 4) ومن مجد إلى مجد (2كو3: 18)..

ثق أنك بجملتك وديعة “deposit” لديه..

آلام لا يريدها لنا الرب

لنقرأ مرة أخرى كلمات الرسول بطرس:

"الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير" (1بط4: 19)

يحدثنا الرسول بطرس في هذه الآية عن الذين يتألمون بحسب مشيئة الله، هذا يعني أن هناك آلاماً أخرى ليست بحسب مشيئته، هذه يجب أن نتجنبها بكل أستطاعتنا.. يقول الرسول أيضاً:

"فلا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر أو متداخل في أمور غيره" (1بط4: 15)

الرب لا يريدك أن تسرق فتدخل السجن لتُقاسي، ولا أن تُقحم نفسك في مشاكل الآخرين فيُضايقونك.. ليس في هذه الآلام أي مجد "لأنه أي مجد هو أن كنتم تُلطمون مُخطئين فتصبرون" (1بط2: 20)..

وفي ضوء كلمة الله نستطيع أن نحدد نوعين من هذه الآلام التي لا يُريدها لنا الرب..

أولاً: آلام بسبب الاستهتار بالقوانين

إنه مبدأ كتابي أن "الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد" (غلا6: 7).. كم من آلام يحصدها الناس بسبب استهتارهم بالقوانين، سواء كانت القوانين الطبيعية التي تحكم الكون والخليقة، أو القوانين الوضعية التي سنتها الدول لشعوبها، أو تلك الكتابية التي تتعلق بحياتنا الروحية وسجلتها لنا كلمة الله..

فالذي يُهمل الاعتناء بصحته مستهتراً بقوانين سلامة البدن، لن ينجو من الآلام.. فكثيرون يعانون بسبب الإفراط في الطعام، وآخرون من سوء التغذية.. أما اللذين يقاسون بسبب شرب الخمر والتدخين فلا حصر لهم.. وتوجد في الكلمة تحذيرات عديدة من أجل صحة الجسد (أم23: 12، 25: 16، لو21: 34، 1صم14: 30، أم23: 20)..

والذي يستسلم للكسل في دراسته أو عمله يُعرض نفسه لضيقات هو المسئول عنها.. يقول سفر الأمثال مُحذراً: "قليل نوم بعد قليل نعاس وطئ اليدين قليلاً للرقود [أي أنه من كسله يعود إلى النوم مرة أخرى بعد استيقاظه] فيأتي فقرك كساعٍ [بسرعة] وعوزك كغازٍ [أي فجأة]" (أم6: 10، 11)..

والآب الذي يُهمل في تأديب ابنه وهو بعد صغير يزخر لنفسه أتعاباً تستمر طول الحياة، فكلمة الله تقول بوضوح: "أدب ابنك فيُريحك ويُعطي نفسك لذات" (أم29: 17)

هذه الألام ومثيلاتها، كما قال عنها الكتاب "بلا سبب لا تأتي" (أم26: 2).. إنها حصاد ما يزرعه الإنسان من أخطاء.. لكن شكراً لإله كل نعمة (1بط5: 10) الذي أعد منفذاً للذين يجنون ثمار أخطاء الماضي..

نعم، إله كل نعمة في انتظارهم لكي يأتوا إليه نادمين ومعترفين بما زرعوه من أشواك، ومُعلنين ثقتهم في أنه "يعفو فينجي" (إش31: 5).. سيطهرهم بالدم الثمين من كل أثر للخطية.. سيعالج الأمور بنعمته الغنية، وسيتدخل بتعويضات توازن أضرار أخطاء الماضي..

أيها الحبيب، لا تسمح للماضي أن يُعطل سعادتك ونجاحك.. اعترف للرب بكل شئ، وهو أمين سيعالج كل أخطائك، و"سيعوضك عن السنين التي أكلها الجراد" (يؤ2: 25)..

ثانياً: آلام بسبب الاستسلام

هذا نوع ثان من الآلام لا يريدك الرب أن تعاني منها.. إن سببه عدم التميز.. يهجم عليك العدو بضيقات، فلا تُمَيز حسناً.. تعتقد أنها ضيقات في مشيئة الله أن تستمر، بينما هي ليست كذلك، فتستسلم لها بدلاً من أن تقاومها متمسكاً بالإيمان بالحماية والإنقاذ..

بادئ ذي بدء نقول إن الضيقات لابد وأن تأتي على المؤمنين.. كتب الرسول بولس يقول:

"جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون" (2تي3: 12)

الضيقات لابد أن تأتي لكن يجب أن نميز بين نوعين:

ضيقات يشاء الله استمرارها لوقت معين..

وضيقات أخرى استمرارها ليس بحسب مشيئة، ولذا يجب مقاومتها حتى تتخلص منها بسرعة..

النوع الأول يحتاج إلى إيمان بالقدرة على الثبات في الضيق والارتفاع فوقة.. هذا إيمان يزيل من الألم مرارته ويجعله طريقاً للمجد ولامتداد ملكوت الله، وهو حديث الفصل الثاني..

أما النوع الثاني فيحتاج إلى إيمان بأن الرب يُخلِص من الضيق، وهو إيمان يقف أمام إبليس ويظل يقاومه إلى أن يهرب (يع4: 7) وتنحسر الضيقة، وهو حديث الجزء الباقي من هذا الفصل..

لقد قدمت كلمة الله أمثلة عديدة عن النوع الثاني، لتخلق فينا اتجاه المقاومة وعدم الاستسلام لكل ضيقة ليس استمرارها بحسب مشيئة الرب..

أمثلة

الصليب لقد استسلم الرب يسوع لآلام وموت الصليب، لأن الصليب كان مشيئة الآب، لكن لا ننسى أنه قاوم محاولات سابقة أراد أن يقتله بها العدو قبل الوقت..

ذات مرة حملته السفينة هو وتلاميذه لتتجه بهم إلى حيث كان يقطن مجنون كورة الجدريين المسكون بلجئون من الشياطين، وهاجت مملكة الظلمة محاولة أن تعوق مجئ الرب.. "حدث نوء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب إلى السفينة حتى صارت تمتلئ.. فقام [الرب] وانتهر الريح وقال للبحر اسكت. ابكم. فسكنت الريح وصار هدوء عظيم" (مر4: 37-39)..

انتهار الرب للريح يقطع بأن الريح لم تكن تتحرك بحسب مشيئة الله بل بفعل الشيطان "رئيس سلطان الهواء" (أف2:2).. لهذا لم يترك الرب الخطر يزداد، بل تدخل وانتهر الريح..

هناك أخطار يهاجمنا بها إبليس، وليس في مشيئة الرب أن تستمر.. هذه لابد أن نقاومها وننتهرها باسم الرب يسوع حتى تزول..

لاتقف مستسلماً أمام هذه الأخطار.. استخدم اسم يسوع العظيم، انتهر به قوى الظلمة لتهرب من أمامك..

مرة أخرى حاول إبليس أن يقتل الرب قبل الوقت.. يسجل لنا إنجيل يوحنا هذه الحادثة فيقول: "فرفعوا حجارة ليرجموه. أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مُجتازاً في وسطهم ومضى هكذا" (يو8: 59).. فهل استسلم الرب لهذه الضيقة؟.. كلا، بل تخلص منها..

أيها الحبيب، قد يحدث نفس الأمر معك، يأتي إبليس ليؤذيك وليُضايقك مضايقة ليس من الرب استمرارها أو لينهي حياتك على الأرض قبل الوقت.. تسلح بالإيمان بالخلاص من الضيق.. ستتمتع بالحماية، وسيحفظك الرب..

وضع هيرودس الملك بطرس في السجن بنية أن يقتله، فهل استسلمت الكنيسة لهذا المخطط الشيطاني؟.. كلا، كانت تعرف من كلمات الرب الأخيرة إنه ليس في مشيئته أن يموت بطرس قبل أن يصير شيخاً (يو21: 18، 19).. لهذا صلت بإيمان وبحرارة لمقاومة عمل الشيطان، فتدخل الرب وأخرجه من السجن ليكمل خدمته..

تمسك بوعد الرب إنه سيُكمل عدد أيامك (خر23: 26)، واعلن إيمانك بأنه يفدي من الحفرة حياتك (مز103: 4) وأنك لن تموت قبل أن يَكمل وقتك (7: 8)، وتُكمل السعي وتُنهي السباق (2تي4: 7)..

وفي فيلبي دخل الرسول بولس ومعه سيلا إلى السجن، فهل كان بقاؤهما مقيدين ومتألمين في السجن بحسب مشيئة الله؟.. كلا، لذا عندما صليا وسبحا الله انفتحت أمامهما أبواب السجن..

لا يجب أن نستسلم إلى ضيقات في قصد الرب أن نقاومها.. لنصل ونسبح معلنين في تسبيحنا ثقتنا في تدخل الرب لإنقاذنا، وأنه بمعجزات يفتح الأبواب التي يوصدها العدو..

وحينما قاوم عليم الساحر بولس وبرنابا، هل اختار الرسولان أن يحتملا مقاومته لفائدتهما الروحية أو لتمجيد الله؟

كلا، لقد فهمنا أنه ليس في مشيئة الله أن يعانيا منه، لذا يقول الكتاب: "فامتلأ [بولس] من الروح القدس وشَخَصَ إليه وقال أيها الممتلئ كل غش وكل خبث يا ابن إبليس يا عدو كل بر ألا تزال تُفسد سبل الله المستقيمة. فالآن يد الرب عليك فتكون أعمى لا تبصر الشمس إلى حين. ففي الحال سقط عليه ضباب وظلمة فجعل يدور ملتمساً من يقوده بيده" (أع13: 9-11)..

أيها الحبيب، استخدم الإيمان في إيقاف مقاومة مملكة الظلمة لخدمتك.. تذكر أن قصد الرب أن تشهد له وبقوة (أع1: 8)، وان تأتي بثمر كثير (يو15: 2)..

وصف الرب إبليس بأنه قتال "ذاك كان قتالاً للناس من البدء" (يو8: 44).. فكم من مرة أراد إبليس أن يقتل الرسول بولس، لكن الرسول لم يستسلم لقصد العدو.. فمع أنه كان مُقتنعاً أن الموت ربح له، وبالرغم من أنه كان يشتهي أن ينطلق ويكون مع المسيح (في1: 21، 23).. لكنه رفض أن يموت قبل أن يُكمل تحقيق قصد الله من حياته على الأرض.. تأمل معي كلماته التي عبر بها عن إيمانه بأن العدو لن يقدر على قتله قبل أن يتمم خدمته: "أن أبقى في الجسد ألزم من أجلكم [أي من أجل الخدمة]. فإذ أنا واثق بهذا أعلم أني أمكث وأبقى مع جميعكم" (في1: 24، 25)..

"الرب وقف معي وقواني لكي تتم بي الكرازة ويسمع جميع الأمم فأُنقذت من فم الأسد. وسينقذني الرب من كل عمل ردئ [أي لن أموت قبل الوقت]" (2تي4: 17، 18)

يالقوة كلمات الإيمان.. "أنا واثق"، "أعلم"، "سينقذني".. لا مكان للشك، يثق أن الرب سيحفظه إلى النهاية.. يا خادم الرب، تعلم ان تنطق أنت أيضاً بكلمات مثل هذه تُعلن بها إيمانك بحماية الرب لك من مخططات إبليس التي تهدف إلى إيذائك للقضاء على خدمتك أو للحد من تأثيرها..

كما لا تقرأ أيضاً أن الرسول بولس أسرع إلى ساحة الإستشهاد، فقد كان يعلم أنه بهذا يحقق هدف إبليس.. بل على العكس نراه يستخدم كل ما أُتيح له من وسائل ليتجنب الجلد (أع22: 25-29)، وليُنقذ نفسه من الموت (أع23: 16-25).. كان يرفض الموت الذي ليس في مشيئة الله، كان يؤمن بالحماية.. تمسك بالوعد الذي سمعه من الرب في بداية علاقته به "ظهرت لك لأنتخبك خادماً وشاهداً.. منقذاً إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أُرسلك إليهم" (أع26: 16، 17).. آمن بولس بإنقاذ الرب ولم يكن سلبياً في إيمانه، وتحرك في هذا الاتجاه..

لهذا نجده في أكثر من مناسبة يطلب من المؤمنين أن يصلوا من أجله كي يحفظه الرب سالماً من الإيذاء..

"فأطلب إليكم أيها الأخوه بربنا يسوع المسيح وبمحبة الروح أن تُجاهدوا معي في الصلوات من أجلي إلى الله لكي أُنقذ من الذين هم من غير المؤمنين" (رو15: 30، 31)

"أيها الإخوة صلوا لأجلنا لكي تجري كلمة الرب.. ولكي نُنقذ من الناس الأردياء الأشرار" (2تس3: 1، 2)

ارفض أنت أيضاً أن تكون سلبياً.. هناك آلام وضيقات لا يريدك الرب أن تحتملها بل أن تتخلص منها بالإيمان..

والآن إقرأ معي هذا المثال الأخير من رسالة يعقوب:

أمريض أحد بينكم فليدعُ شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب وصلاة الإيمان تشفي المريض والرب يقيمه.. صلوا بعضكم لأجل بعض كي تشفوا" (يع5: 14- 16)

يعقوب يتحدث عن مرض استمراره ليس في مشيئة الله، لهذا يطلب الصلاة بإيمان لأجل الشفاء.. ولو لم يكن الشفاء هنا هو مشيئة الله، لما طلب يعقوب الصلاة، ولما وعد بالشفاء قائلاً: "والرب يقيمه"..

بكل تأكيد الرب لا يريدنا أن نقبل جميع الآلام والضيقات والميتات، بل أن نقاوم تلك التي نتأكد أنها ليست في مشيئته..

أيها الحبيب، دعني أحذرك، فإبليس عدوك ماكر جداً، ويريد أن يضللك لتستسلم للضيقات التي ليست في إرادة الرب..

ليكن اتجاه قلبك العام أن تقاوم الشدائد وأن تحارب الضيقات ولا تستسلم لها حتى تزول.. افعل ذلك، مادام لا يوجد إعلان واضح من الرب أن الأمر بحسب مشيئته..

وكيف تقاوم وتحارب ولا تستسلم؟.. ليس بشئ آخر سوى الإيمان الحقيقي.. الإيمان الذي لا يقبل أي احتمال آخر غير الحماية والإنقاذ.. فالإيمان يعني الثقة والإيقان (عب11: 1)، أن تصدق "غير مرتاب البته" (يع1: 6)

تذكر أن الرب يسوع دائماً منتصر، وهو يريد أن ينتصر فيك وبك.. ثِق في محبته العجيبة ، إنه "رئيس الإيمان ومكملة" (عب12: 2).. تمسك به ولن تخزى..

آمن بالخلاص من الضيق

تتحدث رسالة العبرانيين عن رجال كداود وشمشون ودانيال الذين "بالإيمان.. سدوا أفواه أسود".. لم يكن افتراس الأسود لهم بحسب مشيئة الله.. لذلك تسلحوا بالحماية والخلاص من الضيق..

لنأخذ دانيال مثالاً، فقد هاجمته مجموعة من الأسود الجائعة، لكنها عجزت عن افتراسه!! لماذا؟

تقول كلمة الله:

"أُصعد دانيال من الجب [جب الأسود] ولم يوجد فيه ضرر لأنه آمن بإلهه" (دا6: 23)

لأنه آمن بإلهه.. آمن بكلمات إلهه عن الحماية، لهذا تمتع بها ولم تقدر الأسود أن تفترسه..

لقد كان دانيال محباً للكلمة يقضي وقتاً كافياً معها.. ذات مرة قال: "فهمت من الكتب [أسفار الكتاب]" (دا9: 2).. هذه إشارة إلى أن قراءته للكلمة لم تكن قراءة سطحية بل أنه كان يتأمل ويقارن الآية بالآية..

لا شك أنه كان يعلم جيداً الآيات التي تؤكد أن للمؤمنين حماية وخلاصاً من الخطر، ولاشك أنه كان يلهج بها دائماً..

آيات الكلمة مقتدرة جداً، إن سمعتها بإخلاص وانشغلت بها أنشأت في قلبك إيماناً بها.. استمع معي إلى هذه الآيات الرائعة عن الحماية من سفر المزامير:

"الله لنا ملجأ وقوة عوناً في الضيقات وُجدَ شديداً. لذلك لا نخشى ولوتزحزت الأرض ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار" (مز46: 1،2)

"لأنه يُنجيك من فخ الصياد ومن الوبأ الخطر. بخوافيه يظللك وحت أجنحته تحتمي.. لا يلاقيك شر ولا تدنو ضربة من خيمتك.. على الأسد والصل تطأ الشبل والثعبان تدوس.. لأنه تعلق بي أُنجيه.. معه أنا في الضيق. أنقذه وأمجده. من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي" (مز91: 3،4، 10، 13-16)

"لا يدع رجلك تزل لا ينعس حافظك.. الرب يحفظك من كل شر يحفظ نفسك. الرب يحفظ خروجك ودخولك من الآن وإلى الدهر" (مز121: 3، 7، 8)

"المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون الذي لا يتزعزع بل يسكن إلى الدهر.. لأنه لا تستقر عصا الأشرار على نصيب الصديقين" (مز125: 1، 3)

ردد هذه الآيات وما يشابهها من كلمة الله.. رددها بفمك، ودع قلبك ينصت إليها..

رددها متأملاً في عمق كلماتها..

عُد إليها بين الحين والآخر..

كان دانيال يلهج في الكلمة، فخلقت في داخله إيماناً بحماية الله وإنقاذه..

وأتت لحظة المواجهة.. دانيال والأسود المفترسة الهائجة وجهاً لوجه..

وجاءت الأرواح الشريرة لتصوب سهامها الملتهبة إلى ذهن دانيال محاولة أن تصيبه بالخوف والارتعاب.. لكن فاتها أن نبعاً من الإيمان بالحماية قد تفجر بالفعل داخل قلب دانيال بسبب لهجه في الكلمة.. وقد حان الوقت لينتفع دانيال من مياهه..

ولك أن تتخيل الأمر، نهر من مياه الإيمان يتدفق من قلب دانيال إلى ذهنه.. نهر من آيات الحماية والخلاص من الخطر يملأ ذهنه ويطرد منه كل أفكار الخوف والشك.. فماذا حدث؟..

انتصر الإيمان..

ولم تؤذ الأسود دانيال..

وتمتع بخلاص عجيب من الخطر..

إيمان يُنجي

بذات الإيمان استطاع آخرون من رجال الله أن يطفئوا النار التي اشتعلت لإحراقهم (عب11: 34)..

وبذات الإيمان نجا مؤمنون من حد السيف.. وبذات الإيمان يمكنك أنت أيضاً أن تخلص من الخطر أياً كان مصدره، طالما لم يعلن الرب شيئاً آخراً..

لكن انتبه، ليس في هذا الكلام أي تشجيع على أن تُجرب الرب بأن تفعل تصرفات طائشة تعرضك للخطر بلا مبرر..

اجتهد دائماً أن تكون في مشيئة أبيك السماوي الذي تحبه، وآنذاك يمكنك أن ترتكن عليه من أجل حمايتك وخلاصك من الضيق..

وهذه بعض الآيات من مزمور34، وهو من المزامير الرائعة المفرحة جداً والمشجعة للغاية، والتي تتحدث عن الخلاص من الضيقة..

"طلبت إلى الرب فاستجاب لي ومن كل مخاوفي أنقذني.. هذا المسكين صرخ والرب استمعه ومن كل ضيقاته خلصه..

اتقوا الرب يا قديسية لأنه ليس عوز لمتقيه.. الأشبال احتاجت وجاعت وأما طالبوا الرب فلا يعوزهم شئ من الخير.. أولئك [الذين يخافون الرب] صرخوا والرب سمع ومن كل شدائدهم أنقذهم.. كثيرة هي بلايا الصديق [الحروب الموجهة ضد البار (NIV)] ومن جميعها ينجيه الرب.. الرب فادي نفوس عبيده وكل من اتكل عليه لا يُعاقب" (مز34: 4، 6، 9، 17، 19، 22) هذه الآيات تؤكد لنا أن إنقاذ الرب هو من كل المخاوف ومن كل الشدائد.. وأن خلاصه هو من كل الضيقات ومن كل الهجمات.. وإن فداء الرب لنا يرفع عنا كل عقاب وعطاءه لا يتركنا نحتاج شيئاً من الخير..

في الأصل العبري صيغت فقرات هذا المزمور الشيقة بطريقة فريدة ومتميزة.. فقد رُتبت على نسق الأبجدية العبرية، فعدد فقراته كعدد حروف الأبجدية.. وتبدأ الكلمة الأولى من فقرته الأولى بالحرف الأول، والفقرة الثانية تبدأ بالحرف الثاني من الأبجدية، والثالثة بالثالث وهكذا..

الوحي يريد أن يقول لنا شيئاً هاماً لهذه الصياغة.. بالنسبة لي فهي صياغة تؤكد أن الإيمان بحماية الرب وإنقاذه هو ألف باء نمو علاقتي مع الله واستخدامه لي..

إذا أردت أن تتعلم لغة ما، عليك أولاً أن تلم جيداً بأبجدية حروفها.. هكذا إن أردنا أن يستخدمنا الرب، وإن تطلعنا إلى التمتع ببركات أكثر وقوة أعظم في عشرتنا معه، فلنحفظ هذه الأبجدية جيداً.. إنه هو المسئول عن حمايتنا وإنقاذنا..

ولنتحدث على نحو عملي، لا تنتظر حتى يأتي وقت الخطر واليوم الشرير لكي تبحث عن الوعود لتعلن إيمانك بها..

ابدأ من الآن.. تعلم هذه الأبجدية..

في خلوتك اليومية مع الكتاب المقدس، ضع في ذهنك أن تبرز الآيات التي تخبرك بهذه الوعود.. سجلها في ذاكرتك، وانشغل بها بعض الوقت.. اشكر الرب من أجلها، ولتصبح جزءاً من صلاتك اليومية..

سيُقوي إيمانك، أن تشكره يومياً من أجل حمايته وإنقاذه مردداً وعوده في محضره..

سيُقوي إيمانك بحماية الرب، أن تشكره كل يوم معلناً أنه سور نار من حولك (زك2: 5)، وأنك محمي بدمه كما حمت دماء الخراف شعب الله في القديم ليلة خروجهم من مصر.. وأن ملائكة مرسلة لحفظك (عب1: 14)..

أيها الحبيب، الحماية هي مشيئة الرب سواء كان قصد الرب أن ينزع الضيقة بسرعة أو أن يجعلك تجوز فيها، ففي الحالة الثانية سيحمي سلامك الداخلي وسيحفظ استخدامه لك..

لكن الحماية لا تتوفر بالإيمان فقط.. هناك شرطان هامان نلاحظهما بكل وضوح إذا ما قرأنا آيات هذا المزمور بعناية..

أولاً: أن تكون باراً وقديساً

يقول المزمور:

"كثيرة هي بلايا الصديق [البار] ومن جميعها يُنجيه الرب.. اتقوا الرب يا قديسيه لأنه ليس عوز لمتقيه" (مز34: 19، 9)

ربما يشعر أحد المؤمنين بالإحباط، وربما يقول: إن كان الأمر كذلك فلن أقدر أن أؤمن بحماية الرب لي، فمتى أكون باراً وقديساً؟!.. إنني لازلت أرتكب أخطاء!!

أيها الحبيب، هذه الآيات كُتبت من أجلك، وليس لتعجيزك.. الإله الذي أحبك وأسلم نفسه لأجلك لا يمكن أن يكون إلهاً للتعجيز..

إنني أريدك أن تفكر في هذه الآيات في ضوء العهد الجديد..

أريدك أن ترى نفسك على النحو الذي تريد كلمة الله لكل مؤمن حقيقي أن يرى نفسه بها.. أن ترى نفسك "في المسيح".. وأنك تُحسب باراً وقديساً لأنك دائماً في المسيح..

الله يراك باراً وقديساً لأنه يراك في المسيح..

هل لاتزال تشك في هذه الحقيقة؟.. أتريد أن تستريح تماماً من جهة هذا الأمر؟.. افتح كتابك المقدس على خاتمة رسالة الرسول بولس إلى أهل فيلبي، وتأمل ملياً هاتين الآيتين: "سلموا على كل قديس في المسيح.. يُسلم عليكم جميع القديسين" (في4: 21، 22)

يا للنعمة!! إن أصغر مؤمن في العهد الجديد هو قديس لأنه في المسيح..

هل فتحت قلبك للرب؟ هل وثقت أنه مات بديلاً عنك؟ هل تؤمن بأنه غفر خطاياك وأنه قام من الأموات؟.. إن كان الأمر كذلك، فأنت قديس لنفس السبب الذي من أجله يُدعى الرسل كبولس وبطرس ويوحنا قديسون.. فقد اغتسلت بنفس الدم الثمين الذي اغتسلوا به..

ثانياً: أن تخاف الرب

المزمور يؤكد أن الخلاص من الضيق هو لمن يخافون الرب، ويدعونا: "هلم أيها البنون.. فأعلمكم مخافة الرب" (مز34: 11)..

ما معنى أن نخاف الرب؟

قطعاً ليس المقصود خوف العبيد من عقاب سادتهم، فالمزمور يتحدث إلى البنين..

إنه خوف الابن من أن يجرح بعدم طاعته مشاعر أبيه..

إنه خوف الابن من أن يحيد عن طريق أبيه فيتعرض لخطر الأعداء..

إنه خوف الابن من أن تتعطل شركته مع أبيه بسبب الاستسلام لأي خطية..

إنه ليس خوفاً من عقاب السيد للعبد بل خوف الابن المحبوب من أن يُحزن قلب أبيه الذي يحبه، لذا فهو خوف لا يصاحبه قلق أو حزن بل سلام وتعزية..

"وأما الكنائس.. فكان لها سلام وكانت تُبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر" (أع9: 31)

حينما نستسلم لخطية ما ولا نقاومها بل ونرحب بها، سنفقد حتما شجاعتنا في مواجهة المواقف، ولن نقدر أن نصمد أمام العدو وسنخشى النتائج.. يقول الرب لنا: "إن لم تسمعوا لي.. تهربون وليس من يطردكم" (لا26: 14، 17)

"ولا تتمكن للثبوت أمام أعدائك حتى تنزعوا الحرام من وسطكم" (يش7: 13)

لكن عندما نصر على مقاومة الخطية، ونرفض البقاء ساقطين فيها فور هزيمتنا، فستمتلئ قلوبنا بالشجاعة وستتحرر من أي خوف ردئ من إبليس أو من الأشرار.. وها هي كلمات الرب لنا من سفر الأمثال: "أما المستمع لي [الذي يخافني] فيسكن آمناً ويستريح من خوف الشر" (أم1: 33)

"في مخافة الرب ثقة شديدة" (أم14: 26)

خاف الرب الخوف الممتزج بالحب ولن يعد هناك شئ أو شخص تخاف منه.. ستستريح من الخوف من الشر..

إشعياء النبي يؤكد أن طريق التحرير من المخاوف التي يحاول العدو أن يضعها فينا يبدأ بمخافة الرب: "لا تخافوا خوفه [أي تخويفه لكم] ولا ترهبوا.. قدسوا رب الجنود فهو خوفكم" (إش8: 12، 13)

ردد في داخلك: الرب هو خوفي الوحيد.. وهو خوف جميل، فيه الحب، فيه الغفران، وفيه النعمة.. سأخاف الرب ولن أخاف شراً..

تذكر كلمات الوحي: "مخافة الرب ينبوع حياة" (أم14: 27)

اقتن مخافة الرب

ودعني أُنبهك لئلا يخدعك العدو مستغلاً حداثتك.. ليس السقوط عن ضعف هو الذي يعني غياب مخافة الرب بل الترحيب بالخطية والاستلام لها بسهولة..

هل تُرحب بخطية معينة؟ هل تدبر لتنفيذها؟ هل تصر عليها ولا تصلي لكي تتحرر منها؟.. إن كان الأمر كذلك، فأنت تفتقر إلى مخافة الرب.. لذا لا تتوقع الحماية ولا تنتظر الخلاص من الخطر..

أيها القارئ، مرة أخرى أؤكد لك إنه ليس الضعف أمام الخطية ولكن الترحيب بها هو الذي يعني غياب مخافة الرب، الشرط الهام للخلاص من الخطر..

كيف تقتني المخافة؟

هل بمجرد اتخاذ قرار؟.. كلا، فالواقع العملي يشهد أن كثيرين من الذين اتخذوا قراراً بأن يقاوموا الخطية التي تحاربهم، سريعاً ما ضَعُفَ حماسهم، فاستسلموا للإثم وصاروا يشربونه كالماء..

ليس باتخاذ قرار ستمتلك اتجاه مقاومة الخطية التي ترى نفسك ضعيفاً أمامها.. أنت في احتياج إلى قوة ليست منك.. قوة أكبر من إرادتك.. أنت تحتاج قوة الروح القدس..

تقول كلمة الله في سفر إشعياء الأصحاح الحادي عشر عن الروح القدس إنه روح "مخافة الرب" (إش11: 2).. الروح القدس هو الذي يعطي المخافة..

لا تعتمد على قوة إرادتك، فكم هي عاجزة.. اعتمد على عمل الروح..

اطلب من الآب أن يملأك بالروح.. سيساعدك جداً في أن تقوم سريعاً من الخطية، متى سقطت فيها.. سيدفعك للاعتراف بها، وسيشجعك جداً على مقاومتها.. كما سيحميك من اليأس وفقدان الرجاء عندما يتكرر ضعفك أمامها..

هكذا تحيا في مخافة الرب.. وهكذا تتمتع بحماية الرب وخلاصة من الضيق..

أيها القارئ..

هل أنت في ضيقة الآن، أم تلمح في الأفق خطراً قادماً عليك؟

اختلِ مع الرب.. اسأله سؤالاً محدداً، هل قصده أن يستمر الضيق؟ هل قصده أن تجوز في الخطر أم لا؟!

ثق أن الرب سيحمي ذهنك من التشويش، وسيسمعك صوته بوضوح.. إنه يريدك أن تفهم، فهذا هو وعده: "أعلمك وأرشدك الطريق التي تسلكها.. لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم" (مز32: 8، 9)

إبليس هو الذي يريدك بلا فهم كالفرس والبغل لكي تخسر مجهودك في صلوات ومعارك ليست بحسب مشيئة الله، أما الرب فيريد أن يحافظ علي طاقتك لتستخدمها في صلوات ومعارك في مشيئته، تأتي بنتائج هائله لمجده..

أيها الحبيب، انفرد بالرب وفي قلبك هذه الثقة أنه سيُفهمك هل هي ضيقة لتقاومها بالإيمان بالتخلص منها أم أنها ضيقة ستستمر.. وربما تنفرد بالرب أكثر من مرة، هكذا فعل بولس وعرف بعد المرة الثالثة أن مشيئة الرب أن تستمر الضيقة (2كو12: 8-10)..

ولخطورة الأمر قد تشغر بالاحتياج إلى مشاركة إخوتك المؤمنين ولا سيما المتقدمين عنك روحياً والمشهود له بالتعقل والاتزان.. وانتبه، إن لم يؤكد الرب بوضوح أن مشيئته هي استمرار الضيقة، فليكن إيمانك الراسخ هو بالخلاص من الضيقة..

أولاً تخلص من القلق والهم..

ضع أمامك هذه الكلمات الذهبية:

"مُلقين كل همكم عليه لأنه هو يعتني بكم" (1بط5: 7)..

القلق.. الهم.. هما أكبر عدوين للإيمان.. إنهما يشلان التفكير ويحدان من النشاط، ويأتيان بالأمراض..

ادخل إلى عرش النعمة.. سلم كل همومك للرب.. "صالح هو الرب حصن في يوم الضيق وهو يعرف المتوكلين عليه" (نا1: 7).. قُل له أنت أبي.. أنت الذي تعتني بي.. أنت تحمي جسدي، عائلتي، عملي، أموالي.. إنني ألقي كل همي عليك..

الهج بآيات الحماية والإنقاذ.. ابحث في الكلمة عن الآيات المناسبة لضيقتك.. انشغل بها.. تأملها.. اقرأ ما كتبه الآخرون عنها.. الانشغال بالوعود يبني الإيمان بها..

صل.. ذَكِر الرب بوعوده.. هذا لا يعني أنه قد نساها، بل هو يريد أن يرى إيماننا واضحاً في الكلمات التي نصلي بها.. هكذا صلى يعقوب فأنقذ من الخطر المحقق:

"نجني من يد اخي من يد عيسو وأنت قد قلت إني أحسن إليك" (32: 11، 12)

وفي وقت المحنة صلى نحميا قائلاً:

"اذكر الكلام الذي أمرت به موسى عبدك.. يا سيد لتكن أذنك مصغية إلى صلاة عبدك.. واعط النجاح اليوم لعبدك" (نح1: 8، 11)

ولا يوجد خطأ في أن تصلي مستخدماً هذه الصلوات وغيرها من صلوات رجال الإيمان المسجلة في الكلمة، ما دمت تصلي بها من القلب وليس مجرد ترديد لها من الشفتين..

واجه الأرواح الشريرة التي تحرك الأحداث والأشخاص لإيذائك.. اعلن لها أنك تحت حماية الدم الثمين.. قاومها.. انتهرها باسم الرب يسوع.. تحدث إليها بكلمات الإيمان التي تعلن النصرة.. قل لها بثقة:

"هيجوا.. وانكسروا.. احتزموا وانكسروا. احتزموا وانكسروا" (إش8: 9)

سبح.. سبح الرب معلناً حبه وقوته وتدخله لإنقاذك من الضيقة.. استمر شاكراً أياه لأجل أمانته في تحقيق وعوده.. "في كل شئ بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلم طلباتكم لدى الله" (في4: 6)..

تحدث إلى الضيقة.. قُل للجبل أن ينتقل باسم الرب يسوع.. لا شئ يقف أمام الإيمان.. الرب يُمجد الإيمان.. الرب يستجيب الإيمان..

تخلص من الهم، صل بالوعود، واجه الأرواح الشريرة وانتهرها، سبح بفرح ثم تحدث بسلطان إلى جبال الضيقات.. افعل كل هذا بإيمان قلبي يستند على إله عظيم، أمين لكلمته.. سترى العجائب، وستتمتع بالإنقاذ..

وستصير مميزاً، مختلفاً عن كثيرين.. فما أبعد الفرق بين من يعسشون بالإيمان، يستندون على إلههم.. يثقون في وعوده، ويأخذون في الاعتبار يقينهم بأن لهم خلاصاً.. وبين من يعتمدون في اتخاذ قراراتهم فقط على ما تقوله الحواس الطبيعية والحسابات المنطقية ولا يفسحون مجالاً للإيمان..

تأمل هؤلاء.. صدقوا عقولهم، اعتمدوا على المنطق والحسابات البشرية وتجاهلوا الصوت.. صوت الرب المحب لهم يحذرهم من السفر في البحر..

وكانت النتيجة قاسية ومرة.. تعذبوا من الخوف، فقد أوشكت السفينة على الغرق..

ولك أن تتأمل المشهد المأساوي..

ريح زوبعية.. نوء عنيف.. ظلمة ممتدة بلا نهاية.. "لم تكن الشمس ولا النجوم تظهر أياماً كثيرة" (أع27: 20).. وأخيراً، انتزع منهم كل رجاء في النجاة..

وماذا عن بولس؟.. كان أيضاً في نفس السفينة، لكنه كان مختلفاً تماماً.. فمع أنه أُجبر على الإبجاز معهم وظل أسيراً تحت حراسة، إلا أنه الوحيد الذي كان يمتلئ بالسلام.. الإيمان جعله ملكاً..

وانتظر بولس حتى أعلنت كل المحاولات البشرية عجزها التام عن الإنقاذ، ثم وقف.. وقف الأسير الملك ليتحدث بسلطان ويُذيع خبر النجاة.. "سُروا أيها الرجال لأني أؤمن بالله أنه يكون هكذا كما قيل لي. ولكن لابد أن نقع على جزيرة" (أع27: 25)

نجا بولس.. ونجا معه كل الذين بالسفينة.. لماذا؟.. لأنه آمن بإلهه، آمن بالكلمة.. بوعد الإنقاذ والخلاص من الضيق..

ما أعظم الإيمان!

وما أعظمه إله، يمجد الإيمان ورجال الإيمان!!

آمن به وبخلاصه، وسيجعلك كبولس ملكاً وسط الخطر.. هادئاً وسط العواصف.. تتحدث بسلطان، وتنطق لكثيرين بكلمات الأمان..

نعم ما أعظمه إله!!.. "يقودك من وجه الضيق إلى رحبٍ لا حصر فيه" (أي36: 16)..

"الرب نوري وخلاصي ممن أخاف الرب حصن حياتي ممن أرتعب. عندما اقترب إلي الأشرار ليأكلوا لحمي مضايقي وأعدائى عثروا وسقطوا. إن نزل علي جيش لا يخاف قلبي. إن قامت علي حرب ففي ذلك أنا مطمئن.. لأنه يخبئني في مظلته في يوم الشر.. لأنه يسترني بستر خيمته على صخرة يرفعني" (مز27: 1-5)

ثق في خلاص الرب لك، ولنهتف مع أحباء داود: "ليتعظم الرب المسرور بسلامة عبده" (مز35: 27)






التوقيع


رد مع اقتباس
قديم 09-30-2012, 06:00 PM   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية بن الملك
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي

بن الملك غير متواجد حالياً


افتراضي





لا تطرح ثقتك

11 انتصر في الضيقات

هل فتحت قلبك للرب، وهل رغبت في أن تبادله حبه العظيم الذي أحبك به؟

اتخذت قراراً أن تحيا له بأمانة، وأن تُضحي من أجله؟

أيها الحبيب، إبليس يبغضك بشدة لأنه يبغض الرب الذي قررت أن تحيا له..

إبليس يحاربك بضراوة لأنه يريد أن يحارب الرب الذي ارتبطت به..

وإبليس متكبر، لا يفهم أنها حرب لخسارته ولانتصارك، إنه لا يستفيد من كل دروس معاركه السابقة.. الكبرياء جعله غبياً وعنيداً.. سيضطهدك، ولكن شكراً للرب، سيجعل اضطهاده سلباً له واغتناء لك..

في أحد المقاطع الهامة تحدث الرب يسوع عن الاضطهاد فقال:

"الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتاً أو أخوة أو أخوات أو اباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل [الكرازة] إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتاً وإخوة وأخوات وأمهات وأولاداً وحقولاً مع اضطهادات" (مر10: 29، 30)

هل نُعبر عن محبتنا للمسيح بتضحيات في طريق طاعته وخدمته؟ الرب يقول لنا:

سنتمتع ببركات في هذا الزمان.. مئة ضعف لكل شئ نضحي به..

وسنتعرض لاضطهادات..

هناك مؤمنون يركزون اهتمامهم في وعود البركة، وهذا حسن، فالرب قد وعدنا ببركات كثيرة وفائضة، فقد افتدانا من اللعنة (غلا3: 13)..

ولكن يحدث الخطأ إذا نسوا أو تناسوا أن البركات تصاحبها اضطهادات.. كلمات الرب قاطعة: "يأخذ مئة ضعف.. مع اضطهادات"، فالبركة تثير العدو أكثر..

نعم، ستأتي علينا اضطهادات ولكن، كما قلنا قبل، فإن كثيراً منها ليس استمراره في مشيئة الرب.. هذه يجب أن نقاومها بالإيمان، بالصلاة والتسبيح والحرب الروحية كي تختفي باسرع ما يمكن..

لقد طلب الرسول بولس أن نصلي من أجل "جميع الذين هم في منصب لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة"، ويُضيف قائلاً: "لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلصنا الله الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تي2: 3، 4).. هذه الكلمات توضح أن قصد الله العام أن نتجنب الضيقات المزعجة لنفوسنا، والتي تعطل عملنا من أجل خلاص النفوس ومعرفتها الحق..

نعم كثيرة هي الضيقات التي لا يريدنا الرب أن نُرحب بها بل أن نقاومها بحسم حتى تتخلص منها في وقت قصير..

لكن ليس هذا هو الحال دائماً، ففي بعض الأحيان يرى الرب، لقصد سام ومجيد، أن تظل الضيقة حيناً وأن يبقى الألم فترة من الزمن..

في هذه الأحيان، لن يقدر إيمانك مهما بلغ أن يزيل الصخور التي ظهرت فجأة لتعترض مسار قاربك، لكنه سيتمكن من أن يرفع المياه لتعلو بالقارب فوق الصخور..

تكتب الرسالة إلى العبرانيين لتشجيعك عن رجال في الإيمان خضعوا لمشيئة الرب.. عرفوا أنه لا يريد أن يزيل الصخور من أمامهم، فلم يتذمروا، بل بإيمانهم ارتفعوا فوقها..

"وآخرون تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضاً وحبس. رُجموا نُشِروا جًربوا ماتوا قتلاً بالسيف طافوا في جلود غنم وجلود معزي معتازين مكروبين مُذلين. وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم. تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض. فهؤلاء كلهم مشهوداً لهم بالإيمان" (عب11: 36-39)

لم يتخلص هؤلاء من الضيقات لكنهم واجهوها بشجاعة وشكر.. انتصروا عليها وأعطوا الرب مجداً عظيماً في احتمالهم لها..

إنها ضيقات يرى الله في حكمته الفائقة أن نتحملها ولا نتخلص منها، لكنه وإن كان يترك إبليس يأتي بها، فهو لا يتركه حراً بلا ضوابط..

فلن يقدر إبليس أن يتجاوز في اضطهاده الحدود التي وضعها له الرب (أي1: 12، 2: 6)، فهو لن يتركه يضطهدنا فوق قدرتنا..

كما لن يحقق الاضطهاد أي هدف لإبليس.. لن يكون لإضعاف الكرازة وتعطيل الشهادة.. بل سيُخرج الرب من الآكل أُكلاً (قض14: 14)..

هل تتعرض لضيقات بسبب إيمانك بالرب أو لإصرارك على طاعة وصاياه بتدقيق أو نتيجة لخدمتك له؟.. انفرد بالرب واسأله، هل هي ضيقة لتستمر أم أنها ضيقة يجب مقاومتها بالإيمان للتخلص منها لكي تستمر الحياة "مطمئنة هادئة" (اتي2:2)..

الرب كما هو "قادر في العمل" فهو أيضاً "عظيم في المشورة" (إر32: 19).. سيُجيبك بوضوح.. يسرد لنا الرسول بولس كيف تدخل الرب لينقذه من أحد المخاطر:

"وحدث لي بعد ما رجعت إلى أورشليم وكنت أصلي في الهيكل.. أني حصلت في غيبة فرأيته [الرب] قائلاً لي أسرع واخرج عاجلاً من أورشليم لأنهم لا يقبلون شهادتك عني" (أع22: 17، 18)

لقد أُنقذ بولس من الخطر لأنه أعطى للرب فرصة أن يكلمه، فبولس كان رجل صلاة، وكان يعرف أهمية التواجد في محضر الرب، وفي صلاته سمع الإرشاد الذي أنقذه..

أوقات الصلاة تتيح لنا الفرصة لنسمع صوت الرب العظيم في المشورة لنعرف هل هو اضطهاد لنتجنبه من البداية أم أنها ضيقات في قصد الله أن نواجهها..

هل هي ضيقات يريدنا الرب أن نجتازها؟.. ليكن إيماننا أنها لن تحقق انتصاراً واحداً لمملكة إبليس.. لن تعطل سلامنا، ولن تعوق فرحنا.. ولن تحرمنا من الثمر الذي لمجد الله وحمده" (في1: 11)..

ولنؤمن بكل القلب أنها ضيقات لظهور عظيم ومجيد لثمر الروح القدس.. في حياتنا، وفي كلماتنا، وفي خدمتنا..

الرب في الضيقات

إتجاه عدم الإيمان لا يرى غير الضيقات والآلام، يُخرج الرب من حساباته فيستسلم للإحساس بالعجز والفشل والمذلة، وهكذا يعطي الفرصة للإنسان العتيق أن يسقط.. فتظهر أعماله كالعداوة والخصام والسخط والبحث عن التعويض النفسي في مجال النجاسة (غل5: 19)..

أما عين الإيمان فترى الرب في الضيقة مُعزياً ومُشجعاً ومُقوياً، ومستخدماً كل ما يحدث حتى ما يفعله إبليس للمجد..

وأعود وأكرر لك لئلا تُخدع، إن الكثير من الضيقات التي تهاجمنا ليس استمرارها في مشيئة الرب، وإن بعضاً منها فقط هو الذي يريده أن يستمر لوقت معين.. وعن هذا البعض نقول إنه متنوع في الأهداف الخاصة.. فقد يكون:

للتأديب

للوقاية

للتهذيب

وللشهادة

أولاً: ضيقات التأديب

تُخبرنا الرسالة إلى العبرانيين بكلمات واضحة إن الآب السماوي يؤدب أولاده..

"إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فأي ابن لا يؤدبه أبوه.. لأن أولئك [الآباء الجسديين] أدبونا أياماً قليلة حسب استحسانهم وأما هذا [الآب السماوي] فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته" (عب12: 7، 10)

ما أعظم فائدة التأديب!!.. أن نشترك في قداسة الله في تصرفاتنا وتفكيرنا وأقوالنا.. الرب يحبنا ولن يتركنا نرحب بخطية أو نسلك في ظلمة دون أن يتدخل ليُنقينا..

الرب يؤدبنا لنكره من قلوبنا الخطايا التي استسلمنا لها ولم نعد نقاومها، ولنرجع عن أي قرار اتخذناه دون استشارته أو بغير التزام بما قاله في كلمته، ولنكسر نير أي شركة مع غير مؤمنين رضينا أن نكون تحته (2كو6: 14)..

ما أعظم فائدة التأديب!!.. هو لتنقيتنا لكي ما نصلُح لاستخدام الرب فنأتي بثمر كثير وعظيم..

يقول الرب:

"كل ما يأتي بثمر [من الأغصان] ينقية [الآب] ليأتي بثمر أكثر [في الأصل اليوناني يشمل المعني ثمر أفضل من حيث الجودة](44)" (يو15: 2)

لن تُزال ضيقات التأديب بالإيمان بوعود الله عن الإنقاذ والشفاء بل بالاعتراف بالخطأ والندم العميق عليه والوقوف ضده، وبالإيمان بأن الرب وراء هذه التنقية لكي تشترك في قداسته..

أيها الحبيب، الرب يستخدم الضيقات في تأديبنا، لكنها في العادة ليست وسيلته الأولى، فهو يلجأ إليها بعد ما يستنفذ وسيلته الأخرى في التأديب، وهي التبكيت بالكلمة.. الرسول بولس يقول:

"كل الكتاب.. نافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر" (2تي3: 16)

عادة عندما يريد الرب تأديبنا، فهو يبدأ باستخدام كلمته لأن الرب يعاملنا كأبناء وليس كعبيد.. العبيد لا يؤدبون بالكلمات، "بالكلام لا يؤدب العبد لأنه يفهم ولا يُعني [لا يستجيب]" نحن لسنا عبيداً، الكلمة تقول لكل مؤمن "لست بعد عبداً بل أبناً" (غل4: 7).. لسنا عبيداً بل أبناء ولأننا أبناء فالرب سيؤدبنا أولاً بكلمته قبل أن يستخدم عصا الضيقات.. فإن كنت تعطي اهتماماً للكلمة، تقرأ في الكتاب المقدس لكي تستمع إليها، وتذهب إلى الاجتماعات الروحية لكي تنصت إلى عظات تمتلئ منها، فأنت بهذا تسمح للرب أن يُحدثك من كلمته ليشير إلى الإثم الذي تُرحب به.. فإن انحنيت للكلمة وقبلت عصا توبيخها، أتت بك إلى انكسار قلبي وانسحاق وإدانة للنفس واعتراف بالخطأ..

أيها الحبيب، اهتمامك بالكلمة وحسن إصغائك لها سيُجنبك التأديب بعصا الضيقات..

تأمل، بعد ما قال الرب لتلاميذه: "كل غصن يأتي بثمر ينقيه [الآب] ليأتي بثمر أكثر" أضاف قائلاً: "وأنتم أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به" (يو15: 3).. الكلمة هي التي قادتهم للتوبة.. هي التي أصلحت طرقهم، وهي التي جعلتهم أنقياء..

سمحت الكنيسة في كورنثوس للشر أن يُوجد فيها.. لم يحكموا عليه ولم يعترفوا به، فماذا فعل الرب لعلاجهم وتنقيتهم، .. لقد أرسل إليهم كلمته الفعالة مُلهماً الرسول بولس أن يكتب إليهم رسالة تُبكتهم.. وماذا كانت النتيجة؟.. يشهد الرسول قائلاً:

"فإني أرى أن تلك الرسالة أحزنتكم.. الآن أنا أفرح لا لأنكم حزنتم بل لأنكم حزنتم للتوبة. لأنكم حزنتم بحسب مشيئة الله.. لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة.. فإنه هوذا حزنكم بهذا عينه بحسب مشيئة الله كم أنشأ فيكم من الاجتهاد [للتخلص من الخطية].. من الخوف [خوف من التأديب بالضيقات]" (2كو7: 8-11)

اهتم بقراءة وبسماع الكلمة، اصغ إلى كلماتها التي تشير إلى أخطائك.. تجاوب مع توبيخها، احكم على نفسك في ضوئها.. اعترف بما تقوله لك عن استسلامك لأعمال الجسد أو عن شركتك مع العالم أو هروبك من عمل الرب.. واطلب قوة الروح القدس للاجتهاد ولمخافة الرب، يقول الرسول بولس مؤكداً: "لو كنا حكمنا على أنفسنا [بالتجاوب مع الكلمة] لما حُكِمَ علينا [لما تأدبنا بالضيقات]" (2كو11: 31)..

الضيقات تتزايد
كما أن ضيقات التأديب تزداد إذا لم تتب عن أخطائنا.. تحدث الرسول بولس عن الآلام التي أتت على مؤمني كورنثوس بسبب استهانتهم بمائدة الرب، فقال لهم: "من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون" (1كو11: 30)..

الضيقات تزايدت في حدتها من ضعف الجسد إلى مرض ثم إلى موت، بسبب الاستمرار في قبول الخطية..

أيها القارئ..

هل أنت في ضيقة، ولا ترى لها مخرجاً؟

هل هي مستمرة، وليس لديك وسيلة لإيقافها؟

هل تتزايد شدتها، هل تكثر آلامها؟

اهدأ، فقد تكون تأديباً من الرب لمنفعتك..

حدث في أيام داود الملك أن امتنعت السماء عن الإمطار وبدأت الأمة تعاني من هول المجاعة..

ربما ظن داود في بداية الأمر أنها أمر عارض..

لكن إذ استمر انقطاع الغيث ثلاث سنوات، "طلب داود وجه الرب" (2صم21: 1) لكي يعرف السبب..

وسمع من الرب.. إنه تأديب، ولن تُزال الضيقة قبل تصحيح الخطأ..

حينما نجتاز في ضيقة ما، لنتنازل عن تفسيراتنا الخاصة لأنها مُضللة، ولندخل إلى حضرة الرب ولنطلب منه أن يوضح لنا السبب..

التأديب والإيمان

لكن ما هو دور الإيمان في التعامل مع هذا النوع من الضيقات التي بهدف التأديب؟

سواء كان التأديب بالكلمة أو بالضيقات أو بكلاهما معاً، فأنت في احتياج إلى الإيمان لكي يُحقق التأديب أهدافه..

لنقرأ بتمعن هذا المقطع من الرسالة إلى العبرانيين، فهو يحدد لكل منا كيف يكون موقفه من التأديب حتى يحقق هدفه: "يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخُر إذا وبخك. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه" (عب12: 5، 6)

هذا المقطع يحدد أمرين هامين:

لا تحتقر التأديب، لا تزدري به ولا تأخذه بخفه وعدم اكتراث..

لا تخر.. لا تسمح للإحساس بالفشل والإعياء أن يتملكك..

وكيف تُحقق الأمرين؟.. كلمات الكتاب واضحة في إحابتها "لا تحتقر.. لا تَخُر.. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه".. الأمران يتحققات بالإيمان.. الإيمان بأن وراء التأديب أباً محباً للغاية..

في وقت التأديب لا تطرح ثقتك في محبة أبيك العجيبة والأمينة..

هل تمر الآن بوقت تأديب؟.. قُل لنفسك: "أمينة هي جروح المحب" (أم27: 6).. إنه أبي الذي بذل ابنه من أجلي إنه يحبني ولذا يؤدبني.. لن أحتقر التأديب، ولن أخور.. سأخضع تحت يده القوية، فوراءها قلبه الذي يحبني بلا حدود..

لا تحتقر التأديب

لا تشك في محبة الآب.. هذا الشك إن وُجد يحعل النفس مستهترة لا تُبالي بفائدة التأديب، فلا تهتم أن تعرف لماذا يؤدبها الرب، وماذا تفعل لكي يتوقف التأديب..

أما الإيمان بأن الآب السماوي يحبك فيُغير من رؤيتك، يجعلك ترى وقت التأديب وقتاً ذهبياً يصنع فيه الآب بالآلام شيئاً عظيماً جداً لتصير أعظم مما كنت..

تقول كلمة الله: "كل تأديب في الحاضر لا يُرى أنه للفرح بل للحزن وأما أخيراً فيُعطى الذين يتدربون به ثمر بر للسلام" (عب12: 11)

التأديبات تُعمق فينا كراهية الإثم تزيدنا محبة للبر.. وحينما نبغض الإثم ونحب البر ونتعلم أن نحيا في مخافة الرب، لن يعود هناك ما يعطل سلام شركتنا مع الرب، وسنردد بصدق كلمات المزمور القائلة: "قبل أن أُذلل أنا ضللت. أما الآن فحفظت قولك" (مز119: 67)..

أيها الحبيب، لا تحتقر التأديب.. لا تطرح ثقتك في محبة أبيك السماوي لك. احكم سريعاً على نفسك في محضره.. اعترف له، واطلب منه القوة الكافية للتصحيح..

ولا تخر

كيف لا تخر وقت التأديب؟.. أيضاً بالإيمان.. الإيمان بأن الرب يحبك جداً، الكلمة تقول: "لا تخر.. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه"..

لا تسمح للإحساس بالفشل أو الإعياء أن يؤذي إنسانك الداخلي بسبب ضيقات التأديب.. هذا هدف إبليس من حروبه الفكرية التي يشنها على ذهنك في وقت تأديبك في محبة الآب لك فترى الأمور مُزعجة ومُسببه للأحزان ومُحدثه للخسائر، ربما مستمرة بلا نهاية.. فتستسلم للتذمر، وتنخفض معنوياتك، بدلا من أن تنتفع من الضيقات التأديبية وتحقق قصد الآب المحب منها..

أما الإيمان بأن الآب السماوي يحبك فيجعلك تثق أنك لن تواجه ضيقه لا تقدر على احتمالها، وأن الضيقة المؤدبة لن تستمر إلى ما لا نهاية بل وقتاً محدوداً ينتهي بمجرد تحقيق الهدف..

وسيعطيك هذا الإيمان بمحبة الآب العجيبة والعظيمة الثقة في أن هناك تعويضاً هائلاً ينتظرك.. لقد أدب الرب أيوب بآلام شتى وشديدة، ولكن ماذا بعد وقت التأديب؟.. وزاد الرب على كل ما كان لأيوب ضعفاً" (أي42: 10)..

مبارك الرب، فهو "يجرح ويعصب. يسحق ويداه تشفيان" (أي5: 18).. "فإنه لو أحزن يرحم حسب كثرة مراحمة" (مرا 3: 32)..

حتماً ستنتهي الضيقة وسيُرفع الألم وسيأتي وقت التعويض، لنقول للرب بصدق مع المُسبحين: "محصتنا كمحص الفضة [للتنقية].. دخلنا في النار والماء [الضيقات] ثم أخرجتنا إلى الخصب" (مز66: 10، 12)

ها هو حبقوق، أحد أبطال الإيمان في العهد القديم، كان نبياً فعرف من الرب هول الآلام الآتية على شعبه تأديباً لهم بسبب استسلامهم للإثم لوقت طويل ورفضهم للتوبه.. عرف أن الرب سيسمح لأُمه شريرة "هائلة ومخوفة.. فرسانها.. يطيرون كالنسر المسرع إلى الأكل" (حب1: 7، 8) أن تهجم عليهم وتُضايقهم بشدة..

كان وقع ذلك شديداً جداً على نفس حبقوق، فخرجت من فمه آهات الألم: "يارب قد سمعت خبرك فجزعت.. سمعت فارتعدت أحشائي. من الصوت رجفت شفتاي. دخل النخر في عظامي وارتعدت" (حب3: 2، 16)

لكنه لم يخر، لم يستسلم للأحزان، كم كان إيمانه عظيماً.. اسمعه وهو يُحَدث إلهه في ثقة: "ألست أنت منذ الأزل يا رب للحكم [على أخطائنا] جعلتها [هذه الأمة التي ستهاجمنا] ويا صخر للتأديب أسستها" (حب1: 12)

إنه ببساطة يقول للرب: أنت إلهنا.. نحن مرتبطون معك في عهد، لذا لن يحدث لنا شئ للقضاء علينا، إنما فقط لتأديبنا..

كان واثقاً أنها ضيقات لمنفعة أمته، لكي ترجع إلى إلهها..

كان إيمان حبقوق في أمانة وحكمة ومحبة إلهه إيماناً عظيماً، فارتفع فوق الضيقة المهولة، لينشد نشيد الثقة واليقين عازفاً على ذوات الأوتار: "فمع أنه لا يزهر التين ولا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعاماً ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر في المذاود فإني أبتهج بالرب [يا لعظمة الإيمان] وأفرح بإله خلاصي الرب السيد قوتي" (حب3: 17- 19)

حقاً كان حبقوق عظيماً في إيمانه، فلم يغن فقط مُعبراً عن ثقته في إلهه، وفي قدرته على قلب الأمور رأساً على عقب ليُحول اللعنه إلى بركة، بل صلي بإيمان لأجل نهضة تحدث لشعبه الذي غرق في الأثم..

"يا رب عملك في وسط السنين أحيه [أنهض عملك (KJV)خرجت لخلاص شعبك" (حب3: 2، 13)

أيها الحبيب، إذا وقعت تحت تأديب من الرب.. اتضع أمامه وارفض الشر.. لا تطرح ثقتك في حب الرب لك.. سبحه لأجل أمانته معك، من أجل أنه يُنقيك من الشر قبل ان تجني ثماره المدمرة.. "طوبى للرجل الذي تؤدبه يا رب وتُعلمه من شريعتك لتُريحه من أيام الشر" (مز94: 12، 13)..

وافعل مثل حبقوق.. اطلب بإيمان من أجل نهضة تحدث في حياتك.. اطلب بإيمان واثقاً أن الخضوع ليد الرب المؤدبة هو مفتاح التحول من الضعف إلى القوة ومن الهوان إلى المجد.. إنه مفتاح النهضة..

ثانياً: ضيقات للوقاية

ونأتي إلى النوع الثاني من الضيقات التي في مشيئة الرب ونقرأ هذا المقطع الهام من كلمات الرسول بولس: "ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات. أٌعطيت شوكة في الجسد [الأدق، شوكة للجسد]. ملاك [أو رسول من] الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع. من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني [أي ملاك الشيطان]، فقال تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تُكمل.. فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل علي قوة المسيح..

لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والضيقات لأجل المسيح..

لأني حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوي" (2كو12: 7-10)

لاحظ تكرار عبارة "لئلا أرتفع" مرتين.. كان الرسول بولس مُعرضاً للإصابة بالكبرياء لكثرة الإعلانات التي أخذها، فسمح الرب لملاك الشيطان [أي واحد من جنوده] أن يلطمه..

وما المقصود باللطم؟

الفعل في أصله اليوناني يأتي في زمن present subjunctive active الذي يعني أنه فعل يتكرر حدوثه بين الحين والآخر وليس أمراً مستمراً طول الوقت نتيجة لطمة واحدة.. الترجمة الحرفية لهذه الجملة هي that he might buffet me(45)..

كان ملاك الشيطان يستغل كل فرصة مواتيه ليوجه لطمات إليه، واحدة تلو الأخرى بين الحين والآخر.. ولم يذكر الرسول بولس صراحة نوع هذه اللطمات، لكنه وصفها بأنها "شوكة في الجسد"..

فهل استخدم الرسول بولس تعبير "شوكة في الجسد" بنفس المعني الذي جاء في العهد القديم؟

إن كلمة شوكة في كلام بولس هي ترجمة للكلمة اليونانية ح “skolops” وهي التي أتت في الترجمة السبعينية للعهد القديم في أسفار العدد (33: 55)، وحزقيال (28: 24)، وهوشع (2: 6) ولم يُقصد بها في هذه المواضع شوكة بالمعنى الحرفي بل بالمعنى المجازي للتعبير عن الضيق الذي يسببه الناس أو تُحدثه الظروف..

"وإن لم تطردوا سكان الأرض.. يكون الذين تستبقون منهم شوكاً في أعينكم [أي في أجسادكم] ومناخس في جوانبك ويضايقونكم" (عد33: 55)

"فلا يكون بعد لبيت إسرائيل.. شوكة موجعة من كل الذين حولهم الذين يُبغضونهم" (حز28: 24)

"لذلك هأنذا أُسيج طريقك بالشوك" (هو2: 6)

فهل قصد الرسول بولس نفس المعني بعبارته "شوكة في الجسد"؟.. هل أراد أن يقول إن ملاك الشيطان [أحد قيادات الشيطان في عالم الروح] كان يتعقبه في كل مكان يذهب إليه ليُهيج عليه أشخاصاً ليضطهدوه؟

إنني أميل لهذا الرأي، إنه اضطهاد من الناس وراءه الشيطان وليس مرضاً أصاب جسده، لأكثر من سبب:

فالرسول يُعلق على لطمات ملاك الشيطان قائلاً: "أُسر بالضعفات والشتائم والضرورات والضيقات لأجل المسيح" (2كو12: 10) ولا يذكر الأمراض.. كما أن كلمات الرب له في هذا الأمر لم تكن "تكفيك نعمتي لأن قوتي في المرض تكمل"..

هذا يعني أن الاحتمال الأكثر أن تكون الشوكة تعبيراً عن الضعف وليس المرض.. وما المقصود بالضعف؟.. يجيبنا الرسول بنفسه في الأصحاح السابق لهذا الجزء:

"إن كان يجب الإفتخار فسأفتخر بأمور ضعفي.. في دمشق وإلى الحارث الملك كان يحرس مدينة الدمشقيين يُريد أن يمسكني فتدليت من طاقة في زنبيل من السور [قد يكون قد أختبأ في سلة من سلال المهملات التي كانت تُستخدم للتخلص من القاذورات بإلقائها خارج السور](46) ونجوت من يديه" (2كو11: 30-33)

واضح من سياق الكلام، أن الرسول قَصَدَ بالضعف إحساسه بالعجز عن إيقاف الاضطهاد، واضطراره للهروب في سلة قمامة من أجل النجاة.. يتفق في هذا الفهم لكلمة ضعف تفسير البعض لكلمات الرسول بولس إلى الغلاطيين: "ولكنكم تعلمون إني بضعف الجسد [حرفياً بسبب ضعف الجسد](47) بشرتكم في الأول [أي كانت زيارتي الأولى]" (غلا4: 13).. فقد قالوا إن الرسول اضطر للذهاب إلى غلاطية بسبب إصاباته حينما رجمه اليهود في مدينة لسترة (أع14: 19) وقد ظهرت لهم آثار واضحة على عينيه (غلا4: 15)..

هكذا اضطر الرسول أن يهرب من دمشق في المثال الأول، وأن يذهب إلى غلاطية مُجبراً في الثاني.. هذه أمور ساهمت في حفظه مُتضعاً، لا يعتمد على قوته البشرية بل على النعمة الكافية في كل الظروف..

قراءة رسائله وسفر الأعمال تدلل على أن الرسول كان يتمتع بصحة جسدية وقدرة بدنية على تحمل المجهود الضخم والأسفار الكثيرة، بما يقلل احتمال أن تكون الشوكة مرضاً في جسده.. إلى جانب أننا لا نقرأ في الكتاب إنه أعيق عن خدمتة بسبب أي مرض..

الرسول يؤكد أيضاً إن هذه الشوكة كانت لأجل المسيح.. يقول"أُسر بالضعفات.. لأجل المسيح" (2كو12: 10)، وفي الأصحاح السابق مباشرة لهذا الجزء أفرد الرسول خمسة أعداد (2كو11: 23- 27) للحديث عن آلامه المتعددة من أجل المسيح ولم يذكر من بينها الأمراض..

هذا الرأي ليس بجديد، لقد قاله ذهبي الفم Chrysostom وفي القرن الرابع، مُشيراً إلى أن الشيطان قد استخدم اسكندر النحاس (2تي4: 14) وهيمينايس وفيليستس (2تي2: 17) لمقاومة الرسول(48).. بينما قال إفرايم السرياني Ephraem Syrus إنه النحاس.. أما أغسطينوس Augustine (القرن الخامس) فأشار إلى أن المقصود هو الآلام التي أحدثتها الإضطهادات(49)..

وفي القرن السادس عشر، فَسر كل من لوثر Luther وكلفن Calvin الشوكة بهجمات وتجارب شيطانية.. كما لم يستبعد لوثر أن يكون المقصود هو الاضطهاد الذي تعرض له بولس(50)..

وكيف تصرف بولس؟

لماذا لم يدخل في مصارعة مع "ملاك الشيطان"، الذي كان يُهيج الناس عليه، لماذا لم يستخدم معه سلاح الله الكامل الذي وصفه في الأصحاح الأخير من رسالته إلى أفسس؟

لماذا لم يُقيد "ملاك الشيطان" هذا، مثلما فعل مع عليم الساحر الذي استخدمه الشيطان لمقاومته (أع13: 9- 11)؟

ولماذا لم ينتهر "ملاك الشيطان" مثلما انتهر روح العرافة التي كانت في جارية مدينة فيلبي (أع16: 18)؟

إنه درس هام جداً.. هناك اضطهاد في قصد الرب أن يستمر وعبثا تحاول أن تنهيه..

لقد انفرد الرسول بولس بالرب في ثلاث مرات، طالباً أن يرفع عنه هذه الشوكة.. وسمع الإجابة أن الشوكة ستبقى، وأنها مفيدة لحمايته من الكبرياء، ليظل معتمداً على النعمة الكافية..

ولم يتذمر بولس، بل خضع لإرادة الرب.. آمن أنها صالحة ومَرضية (رو12: 2).. رضى بها، لذا لم يقل "أصابتني شوكة" بل "أُعطيت شوكة" (2كو12: 7)..

لقد أخذ اللطمات من يد الرب، آمن أنها عطية لها بركات عظيمة..

وفهم بولس أن إيمانه بالنسبة لهذه الشوكة لن يكون في دائرة التخلص منها، بل في الثقة في وعد الرب الذهبي:

"تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمل" (2كو12: 9)

آمن بولس أنه اضطهاد لفائدته ولحفظة من الكبرياء، كما أمن أنه اضطهاد لقوته الروحية.. لثمر أكثر وأعظم.. استمع معي إلى كلماته التي تُعبر عن إيمانه:

"أفتخر بالحري في ضعفاتي.. لكي تحل علي قوة المسيح" (2كو12: 9)

أيها القارئ الحبيب.. إذا شعرت بهجوم متواصل من إبليس في إتجاه معين أو في دائرة معينة، ولم ينحسر الهجوم برغم أنك تقاومه.. تعال إلى الرب، اعرض الأمر علية، لتعرف هل استمرار الهجوم بحسب مشيئته أم لا.. لقد أصر الرسول بولس على معرفة الإجابة ، يقول: "من جهة هذا تضرعت ثلاث مرات"، ولأنه أصر، فَهِمَ ما يحدث، فاستخدم إيمانه في الاتجاه الصائب..

نعم، قد يسمح الرب في أحيان معينة بضيقات، لكي يحمينا من أمور خطيرة كالكبرياء..

ثالثاً: ضيقات للتهذيب

كما أن وجود الشوكة قد يكون ضرورياً في بعض الأحيان لهدف آخر، هو التهذيب..

هذا ما حدث في حياة يعقوب.. لقد بقي في بيت لابان عشرين عاماً، واستخدم الرب لابان بمكره وخداعه كشوكة ليعقوب، ولهدف!!.. أن يحرر يعقوب من أخطر أعدائه، الاعتماد على قوة الجسد.. وهكذا ساهمت شوكة لابان في صقل شخصية يعقوب وفي إعداده ليصير رأساً ناجحاً وقائداً صالحاً للعائلة الفريدة التي أختارها الرب لتصير شعبه الخاص في العهد القديم..

أيها الحبيب، قد يسمح الرب بلابان آخر في حياتك.. فقد يضطرك العمل إلى التواجد مع شخص آخر غير مريح عدة ساعات كل يوم.. وكم يبدو الأمر صعباً وربما غير محتمل، تُصلي أن يبعده الرب عن حياتك فتسمع الإجابة ليس الآن.. تطلب كي تتغير طباعة، فيقول لك الرب لم يأتِ الوقت بعد، لقد وضعته في حياتك لهدف سام.. سأصنع من خلاله شيئاً عظيماً فيك، ولن أُبعده قبل أن يتحقق..

وقد يسمح الرب لأشخاص أن يبغضوك، يسيئون إليك بكلماتهم أو بأفعالهم، بهدف مواجهتك بما في داخلك من نقص في الحب والاحتمال.. إنه يريد أن يُظهره لك لكي تعترف به فيحررك منه..

وقد يسمح الرب بأزمة مالية تجوز فيها، لأن يعرف أن في أعماقك خوفاً كامناً، ما كان ليظهر بدون هذه الأزمة.. الرب يريدك أن تعترف به وتواجهة بالآيات التي ضد الخوف ليحررك منه، وسيهمس الروح القدس في أذنيك ليدفعك لمواجهة الأزمة المالية بمواقف إيمانية في العطاء تنتصر بها على الخوف..

سيقول لك: لا تتوقف عن العطاء للرب، لعمله وخدامه ومساكينه.. قدم بفرح..، تمسك بالوعد "من يزرع بالبركات فبالبركات أيضاً يحصد" (2كو9: 6).. لا تعتذر بسبب الضيقة، تذكر ما فعله مؤمنو كنائس مكدونية عندما جازوا في ضيقة مالية، مكتوب "أنه في اختبار ضيقة شديدة فاض وفور فرحهم وفقرهم العميق لغنى سخائهم، لأنهم أعطوا حسب الطاقة أنا أشهد وفوق الطاقة من تلقاء أنفسهم" (2كو8: 2،3)..

إنه وقت للإيمان.. للثقة في أن هذه الأشواك هي لفائدتك، لتهذيبك وإعدادك لمرحلة قادمة أعظم.. وللثقة أنك قادر بالنعمة على احتمالها.. وأنها أبداً لن تحد من استخدام الرب لك، ولن تحقق إطلاقاً أية فائدة لإبليس..

رابعاً: ضيقات للشهادة

يا لعظمتها، فهي تربح نفوساً كثيرة للسماء.. حدثنا عنها الرب يسوع فقال:

"يلقون أيديهم عليكم ويطردونكم ويسلمونكم إلى مجامع وسجون وتساقون أمام ملوك وولاة لأجل اسمي فيؤول ذلك لكم شهادة" (لو21: 12، 13)

أحياناً يرى الرب أن الاضطهاد هو أنسب الطرق للشهادة التي تنشر الكلمة وتربح النفوس..

يُسجل لنا سفر الأعمال أمثلة حية لهذا النوع من الضيقات التي ضمت كثيرين للكنيسة..

يذكر كيف امتلأ اسطفانوس بالروح القدس ساعة استشهاده. فصار ممتلئاً بالمجد والقوة والحب.. صار "وجهه كأنه وجه ملاك" (أع6: 15).. وتكلم فأعلن الحق بجرأة وقوة، وصلى فطلب لأجل من يرجموه معبراً عن صفحه الكامل وحبه الشديد لهم.. وهكذا قدم اسطفانوس شهادة مجيدة لقوة الإيمان بيسوع، عملت في قلب شاول الذي كان حاضراً فأعدته أحسن إعداد للقائه الحاسم بالرب والذي حوله إلى بولس الكارز العظيم..

ويُعَلق سفر أعمال على حادثة جلد الرسل قائلاً: "وأما هم [أي الرسل] فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حُسبوا مستأهلين أن يُهانوا من أجل أسمه [أسم يسوع]. وكانوا لا يزالون كل يوم في الهيكل وفي البيوت معلمين ومبشرين بيسوع المسيح" (أع5: 42).. ويذكر لنا هذه النتيجة الرائعة للاضطهاد، أن "الذين تشتتوا [من جراء الضيق] جالوا مبشرين بالكلمة" (أع8: 4، أع11: 19).. ألم يكن هذا في حد ذاته شهادة لقوة عمل الروح القدس تضاهي شهادات معجزات الشفاء؟!

وفي سرده لحادثة سَجن بولس في فيلبي يذكر كيف ربحت محبة بولس عائلة السجان.. ففي اللحظة التي ظن فيها السجان أن المسجونين قد هربوا، واستل سيفه عازماً أن يقتل نفسه، ناداه بولس بصوت عظيم: "لا تفعل بنفسك شيئاً ردياً لأن جميعنا ههنا" (أع16: 28).. تأمل قوة المحبة التي أعطاها الروح القدس لبولس .. لم يندفع للهرب من أبواب السجن التي انفتحت فجأة لإنقاذه، بل ضحى بهذه الفرصة مفضلاً أن يظل في الخطر على أن يقتل السجان نفسه.. لقد أخترقت هذه المحبة العجيبة قلب السجان.. لم تنقذه فقط من الموت الجسدي، بل أنقذته هو وأهل بيته من الهلاك الأبدي، وقادهم إلى المسيح..

ويقص لنا كيف أعطى اضطهاد اليهود فرصة ذهبية للرسول بولس كي يمثُل أمام فيلكس الوالي وأغريباس الملك ليشهد لهما بكلمات ممسوحة بالروح القدس، جعلت الوالي يرتعد (أع24: 25)، والملك يقول: "بقليل [يا بولس] تقنعني أن أصير مسيحياً" (أع26: 28).. كما أن فترات سَجن بولس أعطته الفرصة ليُبشر كثيرين لم تكن هناك طريقة أخرى للوصول إليهم، فهكذا نجح في الوصول إلى أهل بيت قيصر من خلال الحراس ليربح منهم نفوساً عديدة (في4: 22)..

دور الإيمان

ما هو دور الإيمان حينما يتعرض للاضطهاد؟

أولاً: يرفض
الإيمان يدفعنا لنرفض بحزم وإصرار أن نجوز في اضطهاد لا يبني الكنيسة ولا يربح النفوس ولا يأتي بالمجد..

الإيمان يجعلنا نثق أن الروح القدس الذي قال عنه الرب إنه سيخبرنا بأمور آتيه (يو16: 13) سيُنذرنا بهذا الاضطهاد في الوقت المناسب، وسيقودنا لنتخلص منه بسرعة (انظر الفصل السابق)..

ثانياً: يقبل
الإيمان يعطي لقلوبنا راحة عميقة لتقبل الاضطهادات التي استمرارها في مشيئة الله.. لتقبلها بثقة أنها لبنيان الكنيسة وامتدادها، وأنها لمجد المؤمنين.. وبثقة أنها مجال لشركة عميقة مع الرب تزيد من أمجادنا الأبدية..

لنثق أنها لبنيان الكنيسة

كتب الرسول بولس من السجن إلى مؤمني كولوسي قائلاً: "أفرح في آلامي لأجلكم وأكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده الذي هو الكنيسة" (كو1: 24)

يا لعظمة الإيمان، ملأ قلب الرسول بفرح حقيقي وهو في السجن.. فقد كان يثق أنه يتألم لأجل جسد الرب الذي هو الكنيسة، وأن اضطهاده سيضم الكثيرين للكنيسة، وسيأتي ببركات حقيقية لها..

تأمل محبة الرسول بولس للكنيسة.. انظر إلى إصراره أن يُكمل الشدائد، يقول: "أُكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي" .. فلن يتهرب من شدة واحدة، مادامت في مشيئة الرب أن يتحملها، وضع في قلبه أن يجاهد الجهاد الحسن وإلى النهاية (2تي4: 6-8).. يا للحب، كل هذا يقول أنه "لأجل الكنيسة"!!

لنثق أنها اضطهادات لمجد المؤمنين

لن تكون لإزعاج المؤمنين وتخويفهم بل لمجدهم.. كتب الرسول بولس إلى مؤمني أفسس قائلاً عن آلامه إنها: "لأجلكم.. هي مجدكم" (أف3: 13).. إنه الإيمان الذي يجعلك تثق أنك لن تتألم آلاماً لا تأتي بفائدة عظيمة إلى إخواتك المؤمنين.. ها هو الرسول بولس يشهد عن هذه الفائدة ها هو الرسول بولس يشهد عن هذه الفائدة: "وأكثر الإخوة وهم واثقون في الرب بوثقي [قيودي] يجترئون أكثر" (في1: 14)..

لقد كان ثبات الرسول في ضيقاته سبباً مباشراً في إيمان معظم المؤمنين الذين عرفوه.. تشجعوا به وازدادوا بجرأه للخدمة.. أيها الحبيب، هكذا يجب أن تكون آلامك إذا ما تعرضت للاضطهاد..

لنثق إنها شركة من الرب

وضع الرسول بولس هدفاً لحياته "لأعرفه [يعرف الرب معرفة تزداد عمقاً في كل يوم]" وأضاف قائلاً: "[لأعرف] قوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته" (في3: 10)..

الرسول بولس وهو يسير في خطي الرب متشبهاً به لا يخاف الاضطهاد الذي في مشيئة الله، فهو يحسب آلامه شركة في آلام الرب.. شركة يختبر فيها قوة القيامة وهي تعمل فيه لتجعله شاهداً بقوة رابحة للنفوس.. يؤكد الرسول بطرس هذه الشركة في كلماته لنا: "كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضاً مبتهجين" (1بط4: 13)..

وكما تشارك الرب آلامه فهو يشاركنا آلامنا يا للوحدة المدهشة!!.. الرسول بولس يقول: "أُكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي" (كو1: 24)..

إنه يسمي شدائده شدائد المسيح.. ليس فقط لأنها من أجل المسيح بل لأنه أيضاً كان يثق أن المسيح يُشاركه فيها، يتألم معه كلما تألم..

لقد عرف هذه الحقيقة، عندما ظهر له الرب للمرة الأولى.. كان في طريقة إلى دمشق ليضطهد المؤمنين، فاعترضه الرب وقال له: "شاول شاول لماذا تضطهدني.. أنا يسوع الذي أنت تضطهده" (أع9: 4، 5)

وفهم بولس الحقيقة، إنه لم يكن يؤلم المؤمنين وحدهم بل أيضاً الرب!!.. إنه يتألم معهم في آلامهم..

وتحول بولس من مضطهد عنيف للكنيسة إلى بناء حكيم لها (1كو3: 10)، ولم ينس هذه الحقيقة، وَثَقَ أن شدائده هي شدائد المسيح..

وماذا عنك أنت؟.. هل تؤمن بوحدتك مع الرب، إنه فيك وأنت فيه، وأنه هو رأسك الذي يتألم معك؟.. هل تقول أنا لست وحيداً.. هو يتألم معي، في كل ضيقي يتضايق (إش63: 9)، من يمسني يمس حدقة عينه (تث32: 10)..

لنثق إنها ليست لخزينا

الإيمان يجعلك تثق أن الاضطهاد الذي سيسمح به الرب لن يصيبك بالإعياء أو الإحساس بالفشل، وعد الكلمة لنا: "مُضطهدين لكن غير متروكين" (2كو4: 9)..

لن نُترك.. أبداً لن نُترك، كانت هذه هي ثقة الرسول بولس ولذا ظل شاهداً للرب (أع26: 22)..

كتب الرسول بولس إلى المضطهدين فقال لهم: "إن عٌيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لأن روح المجد والله يحل عليكم" (1بط4: 14)

"إله كل نعمة.. هو يٌكملكم ويُثبتكم ويُقويكم ويُمكنكم" (1بط5: 10)

فهل تؤمن بهذه الكلمات؟ هل نتمسك لها؟ هل نرددها متأملين فيها؟.. إنها تبني إيماننا بأن الضيقات تمتعنا بعمل مميز للروح القدس "روح المجد" لكي نسير من مجد إلى مجد.. وتقدم لنا فرصاً نختبر فيها عملياً أمانة "إله كل نعمة" كيف يُكمل ضعفنا ويُثبت إيماننا ويُقوي إرادتنا ويُمكننا من الانتصار..

ولنثق إنها ضيقات تزيد من أمجادنا الأبدية

الرب بنفسه وعدنا: "طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم، وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات" (مت5: 11،12)

والرسول بولس يشجعنا بكلماته: "لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً" (2كو4: 17)

ويعزي الذين سلبت أموالهم في الاضطهادات قائلاً "قبلتم سلب أموالكم بفرح عالمين في أنفسكم أن لكم مالاً أفضل في السموات وباقياً" (عب10: 34)

هذا هو الاضطهاد الذي استمراره في مشيئة الرب.. يقوي الرعاة الكارزين الحقيقيين، يزيد الكنيسة قوة وينقيها من قادتها المزيفين.. يربح النفوس باقتدار، ويفتح للكرازة أبواباً جديدة وعظيمة..

إنه يمتعك هنا بالمجد، ويزيد من الأمجاد التي تنتظرك هناك، في الأبدية.. اضطهد بولس بضراوة فكان إيمانه: "لا أحتسب لشئ ولا نفسي ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعي والخدمة التي قبلتها من الرب يسوع" (أع20: 24)..

"لا أحتسب لشئ".. يا لها من عبارة رائعة!!.. جاءت في إحدى الترجمات الدقيقة "ما من شئ قط يهزُني" “none of these things move me” (KJV)..

في سفر الخروج نقرأ عن أكل الشعب لخروف الفصح، أنهم كانوا "يأكلون اللحم على أعشاب مُرة" (خر12: 8)..

هل ستواجهك ضيقات؟ هل تشعر بآلامها؟.. لا تأكل الأعشاب المُرة بعيداً عن خروف الفصح..

في كل مرة تتناول عشباً مراً، أنت مدعو أن تتلذذ وتشبع من خروف الفصح الحقيقي، الرب يسوع..

إن محبته العظيمة ستُزيل كل إحساس بالمرارة.. ورفقته الأمينة ستُمتعك بالراحة..

وغناه الذي لا يُستقصى سيملأ كل احتياجاتك..

ونعمته المتفاضلة ستغطي كل ضعفاتك..

وقوته، قوة القيامة من الأموات ستنصرك على الخوف.. على الشك وعلى الذات والشيطان..

سيسير الرب معك ليقفز بك من إيمان إلى إيمان أعظم، لتصير كبولس لا تحتسب لشئ.. وتقول مثله في كل الظروف "في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا" (رو8: 37)..

"متقويين بكل قوة.. لكل صبر وطول أناة بفرح" (1كو1: 11)..

الفهرس

لا تطرح ثقتك

1 أهـــــزم العــــــيان

2 اضبط أفكارك

3 آمن بالخبر

4 تعلم الإصغاء

5 إنشغل بالوعود

6 انتظر ولن تفشل

7 اسلب العدو

8 استخدم فمك

9 لا تطرح ثقتك هو يحبك

10 تخلص من الضيقات

11 انتصر في الضيقات

ما أروع حياة الإيمان!!

تُريك العجائب، ومع رؤيتها تتمتع بما هو أعظم..

تتلامس مع إلهك القدير، وهو يصنع المعجزات من أجلك..

وهذا الكتاب عن الإيمان.. كيف تأتي إلى قلبك، وكيف ينمو، وكيف يصعد في الأوقات الصعبة، وكيف يهزم العيان وينقل الجبال ويسحق الشيطان.. ثم كيف يُخلصك من الضيقات أحياناً، ويرفعك فوقها أحياناً أخرى!!

هو عين الإيمان الذي تحتاجه لتصير كما يريدك الرب، نسراً عملاقاً، تنطلق لتحقق مشيئته، منتصرا على كل إعاقة، صاعداً إلى قمم المجد..

كتاب يبني إيمانك، اقرأه وعيناك مثبتة على كلمات الآية العظيمة:

"لا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة" (عب10: 35)







التوقيع


رد مع اقتباس
إضافة رد



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات ام السمائيين و الارضيين