سيرة القديس ثيؤفان الحبيس - منتدى ام السمائيين و الارضيين
الرئيسية التسجيل مكتبي
Image
البحث الأعضاء الرسائل الخاصة


منتدى ام السمائيين والارضيين


   
العودة   منتدى ام السمائيين و الارضيين > منتدى الطريق نحو الابديه > قسم سير حياه القديسين والشهداء
 
قسم سير حياه القديسين والشهداء يشمل سير حياه جميع القديسين والشهدء الذين عرفوا طريق الابديه ونالوا الاكاليل

 
   
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 03-18-2013, 09:20 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
 
kjdhj سيرة القديس ثيؤفان الحبيس





سيرة القديس ثيؤفان الحبيس


سيرة القديس ثيؤفان الحبيس

مقدمة

لقد وهب الرب لكنيسته آباء عظام يعملون باسمه ولحسابه لا بإمكانياتهم البشرية بل بنعمته وبحسب مسرته، مضيئين بزيت البهجة في الجهاد وأتعاب النسك والسهر والقداسة.

عملوا بلا رخاوة في حقل الرب وسلكوا نحو السماويات ليلًا ونهارًا فتعطرت برائحتهم الطيبة كل الأرجاء، كالنخلة يزهرون وكمثل أرز لبنان ينمون.

أغنوا الكنيسة بمؤلفاتهم القيّمة وكتاباتهم الحية التي عملوها وعلَّموا بها، فأعطوا للكنيسة دفقًا جديدًا وأنموها بوفرة، فمِنهم وبواسطتهم أخذنا وتسلمنا التعليم الإنجيلى مشروحًا ومعاشًا، ومن الحياة التي ننهلها منهم تعيش الكنيسة اليوم.

وكما أنَّ الأشجار المثمرة من باطنها في أوان الإثمار تُبرز الثمر مع الورق، كذلك كل مُعلِّم في الكنيسة يحمل ثماره (أعماله) وأوراقه (كلامه): الشهداء يحملون فخر صبرهم وعذاباتهم، والنساك يحملون أتعابهم ونسكهم الساهر، والمعلمون يحملون أثمار المعرفة الإلهية غير الزمنية.

كانت مخافة الله ينبوع حياتهم وتنقية عقولهم وصيانة نفوسهم ونعمة تصرفاتهم ومديرة سلوكهم، تُنمى محبتهم وعشرتهم وتقطع شهوتهم، فصاروا مغبوطين لأنَّهم صنعوا مشيئة خالقهم مثل نور يرشدوننا إلى الخلاص، وكمدينة حصينة فوق جبل كسراج على منارة يهدى أقدامنا في الطريق.

ومن بين هؤلاء الآباء تأتى سيرة الأب ثيؤفان الحبيس والمعتبر من أشهر الآباء النساك الروس، الذي اشتهر بمحبته للخدمة وبمساعدته للمحتاجين كما عشق التأمل والوحدة (الحبس).

زار الأديرة القبطية واقتنى المعرفة الآبائية فصار فيلسوفًا وواعظًا ومربيًا ومعلمًا ومرجعًا في علم الباترولوچىوجاءت كتاباته نسكية عملية بل ومن روائع الأدب النسكى الروسى.

* THEOPHAN THE RECLUSE

يقول سرجيوس بولشاكوف في كتابه "النساك الروس":

"إنَّ القديس ثيؤفان الحبيس Феофан Затворник هو أعظم كاتب روسى في الموضوعات النسكية، ليس فقط في القرن التاسع عشر، بل في تاريخ روسيا كله، وهو لم يكن مجرد واضع لنظريات نسكية، بل كان أيضًا إنسانًا يتمتع بخبرة نسكية عميقة ومتنوعة".

نشأته

+ وُلد ثيؤفان في العاشر من يناير عام 1815 م. في قرية Chernavask في مقاطعة أوريل Orel، وسمَّاه والداه باسم چورچ وكان أبوه باسيليوس جوڤروڤ Basil Govrov، كاهن هذه القرية، رجلًا تقيًا وبارًا، أمَّا أمه فكانت عطوفة ومحبة للكنيسة، وعاش چورچ طفولة سعيدة جزلة ونشأ في بيئة مسيحية.

وبعد أنْ تسلَّم مبادئ الإيمان في البيت، التحق عام 1823 م. بالمدرسة الإكليريكية في Livny حيث كان من أفضل الطلبة، وفي عام 1829 م. التحق بمعهد أوريل، وهناك تأثر كثيرًا بأستاذ الفلسفة أكثر من الكل.

اهتم چورچ كثيرًا بالفلسفة وعلم النفس، وفي عام 1837 م. بعد أنْ أنهى دراسته في معهد أوريل وحاز على أعلى التقديرات أُرسل إلى أكاديمية كيڤ الكنسية Kiev Ecclesiastical Academy وهناك كان طالبًا نابغًا تمامًا كما كان في أوريل.

فى هذه الفترة بدأ الشاب المجاهد يظهر ميلًا نحو الحياة التكريسية، وكان كثير التردد على أديرة كيڤ التي تركت تأثيرًا وانطباعًا في نفسه، وأخيرًا قرر أنْ يُكمّل حياته في السيرة الرهبانية المقدسة، وكان ذلك يتفق تمامًا مع ميوله الطبيعية وإرادته القوية، فصلاح قلبه غير المحدود وخجله والطريقة التلقائية التي كان يثق بها في كل أحد دون أنْ تزول هذه الثقة أبدًا، كل ذلك كان ملائمًا تمامًا للسيرة الملائكية.

رهبنته

+ وفى الخامس عشر من فبراير عام 1841 م. سيم راهبًا باسم ثيؤفان، وسيم معه أيضًا الراهب بولجاكوف Bulgakov الذي صار فيما بعد مؤرخًا للكنيسة الروسية ولاهوتيًا ثم مطرانًا لموسكو، وبعد السيامة زار الراهبان الصغيران أشهر نساك أديرة كيڤ وهو الأب بارثينيوس Parthenius الذي قال لهما:
" أنتم أيُّها الرهبان المتعلمون تعرفون الكثير، لكن تذكروا أنَّ أهم عمل على الأرض هو الصلاة، صلوا بلا انقطاع إلى الله بكل قلبكم وذهنكم.. لابد أنْ تكون هذه هي الغاية التي تطلبونها على الدوام".
وقد حفظ ثيؤفان هذه النصيحة في قلبه جيدًا، وكتب فيما بعد مُعلِّقًا على هذه النصيحة: "عندما قال الستارتز (المرشد) ذلك اكتشفت أنَّ هذا كان ما أردته دومًا منذ طفولتى المبكرة، وفي ذلك اليوم صليت من عمق قلبى للرب كىّ لا يعوقنى أحد عن البقاء دومًا معه".

الخدمة فى حيـــاته

وفى عام 1841 م. تعيّن الأب ثيؤفان ناظرًا لمدرسة كيڤ الإكليريكية، ثم في عام 1842 م. تعيّن أستاذًا للمنطق وعلم النفس ومفتشًا لمعهد نوڤجورود Novgorod، وبعد عاميْن صار ثيؤفان أستاذًا في أكاديمية بطرسبرج الكنسية، وفي عام 1855 م. صار مديرًا لمعهد أولونتز Olonetz، وفي عام 1857 م. صار مديرًا لأكاديمية بطرسبرج، وفي خدمته التعليمية هذه كان تعليمه واضحًا وجذابًا وباعثًا على الحماس والغيرة في تلاميذه، وكان متميزًا في اللاهوت الأخلاقى وفي نظرية وممارسة التربية.
وفى فترة أستاذيته في بطرسبرج، في عام 1847 م، قررت الحكومة الروسية إرسال وفد كنسى إلى أورشليم لدراسة حالة الأرثوذكسية في الشرق الأوسط، ولتأسيس خدمة روسية دائمة في فلسطين، وكان ثيؤفان أحد أعضاء هذا الوفد، وفعلًا ذهبوا إلى أورشليم، ومن هناك انتقل أعضاء الوفد إلى البلدان المختلفة في الشرق الأوسط، سوريا، مصر وسيناء، جبل أثوس، وكانوا يزورون المكتبات ويحققون المخطوطات، وقد عمل ثيؤفان بصفة خاصة في مكتبة دير سانت كاترين في جنوب سيناء ومكتبة دير القديس سابا في فلسطين، كما زار الأديرة القبطية أيضًا، وصارت له علاقات حميمة مع الإكليروس الأرثوذكس في تلك البقاع" أنظر ستجد الكثيـــر من سير الأباء القديسين هنا فى منمتدى أم السمائيين والأرضيين".ودرس ثيؤفان أيضًا أحوال الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية في الأراضى المقدسة، وخلال هذه الأعوام تعرّف على الجهادات والتدريبات النسكية في الشرق، كما تعلَّم الفرنسية واليونانية والعربية والعبرية، وفي عام 1855 م. عاد الوفد إلى روسيا، وفي عودتهم قضوا بعض الوقت في إيطاليا وألمانيا.
واستمرت هذه الرحلة ثمانى سنوات جمع خلالها ثيؤفان العديد من المخطوطات والكتب النادرة من الأديرة المختلفة التي زارها، ولكنه أعطاها فيما بعد لمكتبة معهد أولونتز، والتي كانت تشتهر بما فيها من نصوص حسنة الترتيب، وكان ثيؤفان يُعتبر من الأعلام والمراجع في علم الباترولوچى في روسيا كلها، نظرًا لما درسه من أبائيات في هذه الرحلة، ولما اقتناه من كتابات أبائية ثمينة.
فى عام 1857 م. اُختير ثيؤفان ليُمثِّل الكنيسة الروسية في القسطنطينية أثناء الجدال البلغارى، وقرر ثيؤفان أنَّ البلغاريين لهم كل الحق في أنْ يكون لهم أساقفتهم وإكليروسهم لكي يصلّوا باللغة السلافية Slavonic كما كانوا يطلبون، وعند عودته إلى روسيا، تعيّن ثيؤفان مديرًا لأكاديمية بطرسبرج كما أسلفنا وظل هناك لمدة عامين.


نواله نعمة الأسقفية


سيرة القديس ثيؤفان الحبيس

+ وفى الأول من يونية عام 1859 م. سيم الأرشمندريت ثيؤفان أسقفًا على كرسى تامبوڤ Tambov حيث ظلّ هناك لمدة أربعة سنوات ثم نُقل [تجدر الإشارة هنا إلى أنَّه في الكنيسة الروسية يتنقل الأب الأسقف والمطران بين الإيبارشيات دون أنْ يُجلّس على إيبارشية واحدة على الدوام، وذلك بخلاف تقليد كنيستنا المقدسة الحكيم الذي يُجلّس الأب الأسقف على كرسى إيبارشية واحدة] إلى إيبارشية ڤلاديمير Vladimir، وظل هناك لمدة ثلاث سنوات فقط، وفي كلٍ من هاتيْن الإيبارشيتيْن (تامبوڤ وڤلاديمير) أنشأ القديس مدرسة داخلية للبنات وأصدر مجلات خاصة لكل إيبارشية، وبذل قصارى جهده ليرفع من مستوى عظات الإكليروس وتعليمهم، وأعدّ دورات خاصة للوعاظ، إذ كان هو نفسه واعظًا بارعًا.

وفى خدمته الأسقفية في الإيبارشيتيْن، لم يكن ثيؤفان يكلّ بل كان ساهرًا ليلًا ونهارًا، دائب النشاط والحركة في الإيبارشية، يصلّى قداسات كثيرة ويعظ ويعلِّم ويسافر من قرية إلى أخرى بلا كلل، ليعرف خراف قطيعه كل باسمه، وأسس العديد من لجان الخدمة الناجحة، والتي كانت تهدف إلى إرجاع الخراف الضالة إلى حظيرة الكنيسة، واهتمت هذه اللجان بصفة خاصة بتوسيع الكنائس ومدارس الفقراء، واهتمت بتجديد المبانى الكنسية القديمة.
+ كان ثيؤفان أبًا حنونًا للجميع، فكان يشاركهم في أفراحهم وأحزانهم، وكان يساعد المحتاجين قدر استطاعته في حالات الكوارث والحريق والحوادث.. الخ، وعاش ببساطة تامة، فكانت ثيابه بسيطة ولا يأكل إلاَّ مرة واحدة في اليوم، وكان يعامل أبنائه من الإكليروس بعطف وأخوّة كما لو كانوا أصدقاء له.
وفى أثناء خدمته في تامبوڤ، حدث جفاف حارق، نتج عنه أنْ اندلعت النيران باتساع ليس فقط في تامبوڤ نفسها، بل وأيضًا في العديد من مدن وقرى الإيبارشية، فكان ثيؤفان ملاك تعزية لشعبه، وكان يعظ شعبه مشاركًا إيَّاهم في أحزانهم، متحدثًا على غرار حديث القديس إغريغوريوس النيصى في كتابه "حياة موسى"، فقال لهم أنَّ حالة مدينتهم كحالة أيوب الذي جاءته المصائب الواحدة تلو الأخرى، إلاَّ أنَّ الشكر لله على كل حال.
+ واتخذ ثيؤفان من هذه الظروف فرصة ليحث شعبه على التوبة، وعلَّمهم أنْ يحزنوا كمسيحيين وليس كوثنيين، لأنَّ الحزن والبكاء هما فعل إنسانى، أمَّا اليأس فهو من الشرير، لذلك " فلننه الحزن بالرجاء"، وفي إحدى عظاته لهم في ذاك الحين، أوضح لهم كيف أنَّ الأرض التي قال الله عنها أنَّها حسنة جدًا قد صارت ثقل على الإنسان، وما ذلك إلاَّ بسبب الخطية، لذلك الطريق للخلاص من هذه الضيقة ما هو إلاَّ التوبة " فلننحنى أمام الرب ونبكى ونردد عبارة العشار اللهم ارحمنى أنا الخاطئ، ولنصرخ إليه بقلوب منسحقة".
وفى عظة أخرى في زمان الجفاف أيضًا يحث فيها شعبه على التوبة، يقول فيما يشبه الصلاة:
" ليس لنا الحق في الرحمة ولا نستحقها، فنحن خطاة في كل شيء، في القول والفعل والفكر وفي كل مشاعرنا، لكننا نادمون ونتضرع إلى الله ليرحمنا نحن الخطاة!
إذا رأت عينك التي ترى كل شيء أنَّ قلوبنا قاسية وأنَّ إرادتنا في فعل الصلاح ضعيفة، أرسل لنا أنت ندم وتوبة وقوّى إرادتنا الضعيفة، يا الله الرحوم ارحمنا نحن الخطاة.
إنَّنا لا ننتظر خلاصًا سريعًا، ولا نجرؤ على أنْ نقول أنَّه سيكون يومًا أو أسبوعًا أو حتى سنة، لكن إذ نخضع تمامًا لإرادتك، نرفع صلاة واحدة، يا الله ارحمنا نحن الخطاة.
لا نجرؤ على التذمر أمامك، لكننا في حالة من الألم القاسى، وبينما نبكى كالأطفال في هذا الألم، نقول يا الله ارحمنا نحن الخطاة.
إنَّنا ضعفاء أيُّها الرب فلا تسمح بأنْ نسقط تحت ثقل المحن والبلايا، بل أعط قوة لقلوبنا، اصبغنا بالرجاء، كىّ لا يطغى اليأس نفوسنا، يا الله ارحمنا".
وفعلًا وبشهادة الشهود، تحقق رجاء الأسقف في نفس اليوم، عندما بدأت الأمطار الغزيرة تهطل، فتطفئ النيران وتنهى الجفاف وبالتدريج استعادت للناس طمأنينتهم وسلامهم ويذكر التاريخ الروسى أنَّ ثيؤفان أسقفهم لم يشجعهم ويسندهم بالكلام فقط، بل ساعد الكثير من المتألمين ماديًا.
وإذ كان ثيؤفان يميل منذ أنْ كان طالبًا إلى حياة الخلوة والصلاة، ازداد اشتياقًا للتفرغ لحياة الوحدة، وقرر أخيرًا أنْ يترك كرسيه ويحيا حياة التأمل.
+ وفى ربيع عام 1866 م. تقدم ثيؤفان بطلب إلى المجمع المقدس يلتمس فيه تصريحًا له بأنْ يترك أسقفيته ويستقر في دير ڤيشا في تامبوڤ، وفي 17 يونيه عام 1866 م. قَبِلَ المجمع هذا الطلب وسمح له بترك إيبارشيته وعيّنه رئيسًا لدير ڤيشا، وفي 24 يونيه صلى ثيؤفان آخر قداس له في الكاتدرائية في إيبارشيته، وحضرت أعداد غفيرة من الناس، وألقى الإكليروس كلمة يودعونه فيها، فأجابهم بكلمة رائعة قال فيها:
" لا توبخونى لأجل الرب لكونى أترككم إذ أنِّى لا أترككم إلاَّ لأنِّى مجبر على ذلك، بل أنَّ محبتكم لم تكن لتسمح لي أنْ استبدلكم بقطيع آخر، لكن كمثل إنسان مقود، سأذهب إلى الموضع الذي بلا هم وراجيًا باحثًا عما هو أفضل كما هو أمر طبيعى لنا.
كيف وُلد فىَّ هذا الاشتياق، لا أستطيع أنْ أشرح، لكن يمكننى فقط أنْ أقول أنَّه بجانب الظروف الخارجية التي تؤثر في أعمالنا، هناك أيضًا تغيرات داخلية تفضى إلى نتائج معيَّنة، فبجانب الضرورة الخارجية، هناك احتياج داخلى يستمع إليه الضمير والقلب لا يعارضه.. وإذ وجدت نفسى في هذه الحالة، أسأل من محبتكم شيئًا واحدًا فقط، أنْ تتركوا مناقشة وإدانة هذه الخطوة التي خطوتها، وأنْ تُصلوا لأجلى بحرارة كىّ لا يُخيّب الرب رجائى وكىّ يعطينى بعد جهادى أنْ أجد ما أطلب".
وصل ثيؤفان إلى دير ڤيشا في 3 أغسطس وظل هناك حتى نياحته بعد 28 عامًا، وكان دير ڤيشا كبيرًا ومنظمًا جيدًا، يضم داخل أسواره مئة من الرهبان، وكان مختبئًا بين غابات الصنوبر العملاقة، ويجرى بجواره نهران، فكان المنظر خلابًا ومناسبًا تمامًا لدير تأملى، وفي إحدى رسائله، كتب ثيؤفان يقول:
" التنظيمات الرهبانية هنا حسنة، وآباء المجمع (أىّ الرهبان) كلهم صالحون، ورغم أنَّ الخدمات طويلة لكن يمكن أنْ يعتاد عليها الإنسان.
تبدأ صلاة باكر الساعة 3 صباحًا وبعدها فورًا يُصلى القداس الأول، ثم نصلى القداس الثاني في الساعة الثامنة، وفي الساعة الرابعة بعد الظهر نصلى الغروب، وفي الساعة السابعة صلاة النوم، وعندنا بعض الآباء الأشداء في الصلاة الذين يقفون طوال الخدمة ولا يجلسون أبدًا بل أنَّهم يحزنون إذا طلب منهم أحد أنْ يجلسوا".

وبعد ثلاثة أشهر من تولِّيه رئاسة الدير، طلب ثيؤفان من المجمع المقدس إعفائه من رئاسة الدير لما لها من أعباء إدارية ومالية تعوق سلامه وخلوته، وفعلًا وافق المجمع وأصدر في سبتمبر عام 1861 م. القرار التالي:
1) إعفاء الأسقف ثيؤفان من رئاسة دير ڤيشا.
2) يُحفظ له الحق في إقامة الليتورچيا وقتما شاء.
3) يجب أنْ يخضع له أخوة دير ڤيشا في الخدمات الكنسية.
4) يُقدم له معاش مقداره 1000 روبل (سنويًا) منذ تاريخ تركه لرعاية إيبارشية ڤلاديمير (وقد كان ثيؤفان يستخدم هذا المبلغ كما سنقرأ في الكثير من أعمال الرحمة وسد أعواز المحتاجين).
+ فى الأعوام الستة الأولى من حياته في الدير، اعتاد ثيؤفان أنْ يحضر جميع الخدمات في الكنيسة والقداس الأول، وفي الكنيسة كان يقف بلا حراك دون أنْ يسند على أيّ شيء وعينيه مغلقتيْن كىّ لا يتشتت ذهنه، في أيام الأعياد كان يخدم القداس بنفسه.
وكان مسكن الأسقف في الدور العلوى من إحدى مبانى الدير الصغيرة، وكان يتكون من قلاية وحجرة معيشة، وكنيسة صغيرة اسماها على اسم الثيؤفانيا Theophany أيّ الظهور الإلهي، ومكتبة ضخمة جدًا ومنتقاة بعناية، مع ورشة ليعمل فيها.
فى الأعوام الستة الأولى كان ثيؤفان يستقبل الزائرين، وفي عيد القيامة عام 1872 م. صار ثيؤفان راهبًا حبيسًا، فلم يعد يغادر سكنه ولم يعد يستقبل زوارًا عدا رئيس الدير وأب اعترافه وراهب كان يخدمه يُدعى اڤلامبى Evlampy [اڤلامبى Evlampy تلميذ ثيؤفان خدمه لمدة 25 عامًا، وبعد نياحته صام لمدة عشرة أيام، بل وتنيح بعد مُعلِّمه بأسبوعيْن]، وحتى هؤلاء لم يكونوا يذهبون إليه إلاَّ عندما يطلبهم، ولم يعد ثيؤفان يذهب إلى كنيسة الدير، بل كان يصلى الخدمات الليتورچية في كنيسته الصغيرة، وفي التسع سنوات الأولى من حبسه كان يصلى القداس في أيام الآحاد والأعياد، وفي الإحدى عشر سنة الأخيرة كان يصلى القداس يوميًا.
ومعرفتنا عن هذه الفترة من حياة ثيؤفان قليلة للغاية، ولكننا نعرف أنَّه كان يحيا بحسب نظام قاسى في الحبس، ففى المساء كان اڤلامبى تلميذه يرتب الحمل والأباركة وثياب الخدمة، وفي الصباح كان ثيؤفان يصلى القداس ثم يحتسى شاى الصباح، وفي الساعة الواحدة كان يتناول وجبته الوحيدة وهي عبارة عن بيضة وكوب من اللبن في الأيام التي ليس فيها صوم مع بعض كسرات من الخبز، وفي الساعة الرابعة كان يشرب كوبًا آخر من الشاى، وهذا كل ما كان يتناوله يومه.
وطوال اليوم كان يعمل في الكتابة والترجمة والمراسلات، وفي فترة حبسه هذه، وضع ثيؤفان كتبًا عديدة قيِّمة للغاية، بل في الواقع مكتبة كاملة.
وكان يتلقى ما بين 20 إلى 40 رسالة يوميًا، فيجيب عليها ويرد على ما فيها من تساؤلات، إذ رغم أنَّه لم يكن يستقبل أحدًا إلاَّ أنَّه كان مستعدًا دومًا للرد على الخطابات التي تطلب منه نصيحة روحية أو كلمة منفعة.
ويمكننا أيضًا أنْ نرى لمحات من حياته في الحبس من كتاباته، فقد كتب لأحد مراسليه يعلمه ما يجب أنْ يفعله بعد القداس، فيقول له أنَّ الإنسان يجب أن يُسرع بعد القداس إلى حجرته بعد الكنيسة مباشرة، ويطلب من الرب أنْ يقضى هذا اليوم فيما هو نافع لنفسه، ويجب أنْ لا ندع أفكارنا تتشتت بل نقول بهدوء وتركيز "يا رب ارحم"، ثم بعد ذلك يجب أنْ يعمل الإنسان إمَّا في الصلاة أو في عمل اليدين، ولا يستطيع أحد أنْ يقضى وقته كله في العمل الروحي فقط، لذا كان ضروريًا جدًا أنْ يشتغل الإنسان بعمل يدوى، ولكن يجب ألاَّ يمارسه إلاَّ عندما تُرهق النفس ولا تستطيع القراءة أو التفكير أو قراءة الصلوات، وعندما تسير التدريبات الروحية حسنًا، يترك العمل اليدوي جانبًا، فهو فقط لشغل الوقت لئلاَّ يضيع في البطالة.

وكان يقضى وقته في الحبس كالآتى:
العمل الروحي من فكر تام في الله وجهاد وصلاة.
الترجمة وكتابة وتأليف كتبه.
الرد على الرسائل.
العمل اليدوى، إذ كان ثيؤفان رسامًا قديرًا ونحاتًا على الخشب.
كان ثيؤفان يحب المعرفة، وكان يعتبر كتب التاريخ والطبيعة أفضل ما يجب أنْ يُقرأ لأنَّها تُظهر عمل الله، ويتضح ذلك من الكتب التي وُجدت في مكتبته بعد نياحته، إذ كان يدرس العلوم، والطب، التشريح وعلاقته بالرسم، علم النفس، علم الأحياء، التاريخ بل وحتى الفن والنحت.

+ ويُذكر عن ثيؤفان محبته غير المحدودة وعطفه على كل إنسان فقير، وسُجل عنه أنَّ بريده اليومي نادرًا ما كان يخلو من خطابات تتضمن طلبات من أناس فقراء وكان يساعدهم بقدر استطاعته.

واعتاد أنْ يتسلم المبلغ الذي قرره له المجمع قبل أعياد الميلاد والقيامة، ويحجز منه القدر اللازم لنشر كتبه وترجماته، ويوزع الباقي كله على المحتاجين، وكان اڤلامبى تلميذه يرسل يوميًا الكثير جدًا من المظاريف التي تتضمن نقودًا للأرامل والأيتام وكل المعوزين، ولم تكن أبدًا مبالغ ضئيلة، وأيضًا اعتاد أنْ يوزع كتبه كهدايا وكان يقول " ليس لي تجارة أخرى، لكن ها كتاب صغير لك".

ورغم أنَّه كان ينفق كل ماله في مساعدة المعوزين، إلاَّ أنَّه لم يكن يقبل أبدًا أيّ عطايا من أحد، وحدث يومًا أنْ وصله مبلغ 25 ألف روبل ليوزعها على أعمال المحبة، لكنه أصر على أنْ تُرسل ثانية إلى صاحبها في نفس اليوم.

ومن أمثلة رعايته للمحتاجين، صنيعه مع أحد الأيتام، إذ عندما علم بأنَّ هناك صبى بلغارى يتيم ليس له مَنْ يحتضنه ويهتم به، أرسل ثيؤفان إلى ابن أخيه يطلب منه أنْ يُدخل هذا الصبى إحدى المؤسسات الخيرية ويقوم هو (أىّ ثيؤفان) بدفع 100 روبل في العام.

رغم أنَّ ثيؤفان كان حبيسًا إلاَّ أنَّه كان معروفًا جيدًا في روسيا كلها من خلال مراسلاته وكتاباته وترجماته، ومُنح الزمالة الفخرية للأكاديميات الكنسية الروسية، ودرجة الدكتوراة في اللاهوت، وعُرض عليه أنْ يعود للخدمة في العالم إلاَّ أنَّه اعتذر عن ذلك.

عاش ثيؤفان نحو ثمانين عامًا بصحة تمامًا، وكانت الحياة في الدير تناسبه تمامًا، إلاَّ أنَّ إنتاجه الفكرى والأدبى بجانب نسكياته الشديدة وسنه المتقدمة، أدُّوا جميعًا إلى إرهاقه وتعبه، ففى عام 1879 م. ترك ثيؤفان الدير للعلاج من مياه بيضاء في عينيه، لكنه استمر في عمله وحياته كالمعتادوفي عام 1888 م. " أنظر ستجد الكثير من سير الباء القديسين العظماء هنا فى منتدى أم السمائيين والأرضيين". فقد البصر تمامًا في إحدى عينيه إلاَّ أنَّه استمر أيضًا في نفس نهجه في حياته ولم يُغيِّر من أسلوب حياته ونسكياته حتى نياحته، فقط قبل انتقاله بخمسة أيام حدثت بعض التغيرات في نظامه اليومى، وفي عشية نياحته في الخامس من يناير، شعر ببعض التعب فطلب من تلميذه اڤلامبى أنْ يساعده كىّ يمشى، فساعده لبضعة خطوات حول الحجرة، لكن سرعان ما أُرهق، فصرف التلميذ واضطجع.

نيــاحتــه

+ وفي يوم نياحته، عندما لم يسمع اڤلامبى أيّ صوت من القلاية، نظر إلى مكتبة ثيؤفان نحو الساعة الواحدة ظهرًا فوجده جالسًا يكتب، وبعد نصف ساعة كان هناك طرق خفيف (هكذا كان يدعو تلميذه) وفي الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر عندما لم يسمع اڤلامبى الطرق المعتاد، نظر فوجد الأسقف المجاهد قد تنيح.. ويده اليسرى على صدره بينما يده اليمنى كانت على شكل وضع البركة الأسقفية.

بعد نياحته
+وُضع جسده لمدة ثلاثة أيام في كنيسته الخاصة، كنيسة الثيؤفانيا، ثم ثلاثة أيام أخرى في الكاتدرائية، وبالرغم من ذلك لم يمسه أيّ فساد، بل كان يبدو كإنسان نائم في هدوء وسلام، وحضر الأسقف هيرونيموس من تامبوڤ في الثاني عشر من يناير مع الإكليروس والخورس، وبعد الليتورچيا، صلوا عليه طقس التجنيز، ثم أخذ الشعب جميعه بركته، وبعدئذ وُضع الجسد في مقصورة في كنيسة ڤلاديمير في كاتدرائية كازان، وحضر الدفن عدد ضخم من الذين لم يتمكنوا من حضور صلوات التجنيز، وكانوا يبكون وينوحون، وقد حضر خصيصًا أناس ساروا على أقدامهم نحو 200 كيلومتر وآخرون مشوا نحو 300 كيلومتر لينالوا بركته ويطلبون له النياح ويسألوه أنْ يصلى لأجلهم أمام عرش الله.

الآعتراف بقداسته

اُعترف بقداسة ثيؤفان واُعتبر من قديسى الكنيسة الروسية، وذلك في عام 1988 م. في الاحتفال باليوبيل الألفى للكنيسة الروسية، ورغم أنَّه قضى الخمسة والعشرين عامًا الأخيرة من حياته في وحدة كاملة، إلاَّ أنَّ شهرته وقوة كلماته قد عبرت أسوار دير ڤيشا وانتشرت بعيدًا، وكان للعمليْن الكبيريْن الذيْن ترجمهما وأضاف إليهما ونشرهما أيّ "الفيلوكاليا" و"الحروب الروحية" تأثير عظيم في الأوساط المسيحية.


من أعمـــاله
رغم حبسه وجهاداته، كان ثيؤفان كاتبًا بارعًا وناشرًا نشطًا، فكتب العديد من الكتب الهامة عن الأناجيل والعهد الجديد، وعن الحياة المسيحية الحقيقية، وعن الأهداف الروحية الحقيقية التي وُلد الإنسان لأجل تحقيقها والتي تحفظ حياة الإنسان من أنْ تصير خاوية أو عديمة الفائدة.
ففى الأعوام الثمانى والعشرين التي قضاها في دير ڤيشا، كتب ثيؤفان قدرًا كبيرًا من الأعمال وترك مكتبة ثمينة، والقائمة الكاملة بأعماله تتضمن 7 كتب، ثلاثة منها مقتبسات من مراسلاته الضخمة التي استمرت يوميًا لمدة 25 عامًا وهى:
1) رسائل عن الحياة الروحية.
2) رسائل عن الحياة المسيحية.
3) رسائل لأشخاص متنوعين عن موضوعات مختلفة في الإيمان والحياة.
4) ما هي الحياة الروحية وكيف نعيشها.
5) عن التوبة والتناول وتقويم الحياة.
6) عن الصلاة والسهر.
7) طريق الخلاص.
كما كتب أيضًا تفاسير وشروحات لرسائل بولس الرسول كلها تقريبًا وعلى المزمور 33 والمزمور 118، وأعاد نشر عمليْن هاميْن:
1) القوانين الرهبانية الأولى (قوانين باخوميوس، وقوانين باسيليوس الكبير، قوانين يوحنا كاسيان، قوانين بندكت).
2) عظات سمعان اللاهوتى الجديد (من قديسى الكنيسة الخلقيدونية).
كما أعاد كتابة ونشر كتابيْن هاميْن للغاية في تاريخ الروحانية الروسية:
1) الحرب غير المنظورة (الحروب الروحية).
2) الفيلوكاليا الروسية.
سيرة القديس ثيؤفان الحبيس
سيرة القديس ثيؤفان الحبيس
سيرة القديس ثيؤفان الحبيس




sdvm hgr]ds edcthk hgpfds







التوقيع

آخر تعديل مادونا يوم 03-18-2013 في 09:22 AM.
رد مع اقتباس
 



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات ام السمائيين و الارضيين