الجسد هل هو مصدر كل خطية مقال يوم الأحد 1-10-2006

الجسد‏..‏ هل هو مصدر كل خطية ؟
بقلم: البابا شنوده الثالث

المنشورة في جريدة الأهرام - مقال يوم الأحد 1-10-2006





كثير من النساك يرون أن الجسد هو مصدر الخطايا جملة‏!‏ ويرون أن كل الخطايا ترجع إلي ثلاثة‏:‏ الجسد والعالم والشيطان‏,‏ وأن الشيطان يستخدم الجسد بالذات‏,‏ بل ويبالغ البعض ويقولون‏:‏ إن الجسد هو خطية في ذاته‏!!‏

ونحن نقول لهم‏:‏ لو كان الجسد خطية في ذاته‏,‏ ما كان الله قد خلق جسدا علي الإطلاق‏,‏ وما كان قد أبدع في تكوين هذا الجسد‏,‏ فلقد خلق الله أجسادا للبشر والحيوانات والأسماك والطيور‏,‏ لكن أبدعها جميعا في كثرة أجهزته وأدقها هو الجسد البشري‏,‏ فهل يعقل أن يكون هذا الجسد مجرد وعاء للخطيئة؟‏!‏ وهو أكمل جسد في الخليقة‏.



يقولون‏:‏ إن جسد المرأة هو سبب سقوط الرجل‏!!‏

ونقول لهم‏:‏ إن سبب سقوط الرجل هي شهوته‏,‏ كما أنه قادر علي ممارسة شهوته دون المرأة‏,‏ علي الأقل بفساد قلبه‏,‏ وبتصورات ذهنه التي تسبح في مجال أوسع من نطاق الواقع‏!‏

إن الخطيئة تبدأ في العقل والقلب أولا‏,‏ وبعد ذلك تبحث لها عن سبب خارجي عملي لكي تتعلق به‏,‏ وهنا تبدو المرأة باعتبارها الشماعة التي يعلق الرجل عليها أخطاءه‏!!
‏


لا ننسي أيضا أن الروح لها أخطاؤها‏,‏ والعقل أيضا له أخطاؤه‏,‏ وقد تكون أخطاء الروح والعقل أكثر‏,‏ فلماذا التركيز إذن علي الجسد وأخطائه؟‏!‏ ربما لأن غالبية أخطاء الجسد واضحة ومكشوفة‏,‏ بينما أخطاء العقل علي الرغم من كثرتها وبشاعتها غير مكشوفة‏,‏ لذلك فهي تختفي وراء الجسد‏,‏ وتصدره للمسئولية‏!!‏

بينما في الكثير من الحالات العقل هو الذي يتسبب في خطايا الجسد‏,‏ هو الذي يفكر في الخطية وفي طريقتها وفي توقيتها‏,‏ ثم يدفع الجسد إلي ارتكابها‏,‏ فعلي من تقع مسئولية الخطية إذن؟ علي العقل أم علي الجسد؟ علي كليهما طبعا‏,‏ علي العقل أولا كمحرض ومدبر‏,‏ ثم علي الجسد أخيرا كمنفذ‏.‏


إن غالبية ما يقال ضد الجسد هو نتيجة المبالغة في إكرام الروح‏!‏ ولكن لا يجوز في إكرام الروح أن نهبط بمستوي الجسد حتي إننا نسلبه كل حقوقه‏!‏ فالجسد له ماله‏,‏ وعليه ما عليه‏,‏ وكذلك الروح‏,‏ كما أن الأخطاء المنسوبة إلي الجسد هي منسوبة فقط إلي غرائزه إذا أسيء استخدامها‏,‏ وما أسهل استخدام كل هذه الغرائز في طريق الخير‏.‏

كما لا يصح في الحكم علي الجسد أننا نركز علي السلبيات فقط‏,‏ بينما نتجاهل الإيجابيات وهي ذات تفاصيل عديدة‏.‏

والمعروف أن غالبية النساك الحقيقيين ما كانوا في كل تدريباتهم الروحية يهدفون إلي تعذيب الجسد‏,‏ بل إلي توجيهه روحيا‏,‏ وإلي تهذيب غرائزه وليس قتلها‏.




إننا بالجسد يمكن أن نخدم الله‏,‏ وأن نخدم الناس‏,‏ ونفعل الخير‏..‏ بالجسد نركع ونسجد‏,‏ ونعبد الله‏,‏ ونرفع أيدينا في الصلاة‏,‏ ونحني هاماتنا أمام الله ونعبر عن خشوع الروح بواسطة خشوع الجسد‏.‏



وبالجسد نصوم‏,.‏ ونقدم أجسادنا ذبيحة لله‏,‏ وبالجسد ندخل إلي أماكن العبادة‏,‏ ونستمع فيها إلي كلمة الله ووصاياه علي أفواه الواعظين‏,‏ وكل مشاعر العبادة التي هي داخل القلب‏,‏ نعبر عنها بالجسد‏.‏

وبالجسد أيضا نفعل الخير‏,‏ ونخدم الناس‏..‏ به نمشي ونذهب إلي أماكن المرضي ونزورهم‏,‏ وبه نمد أيدينا ونعطي للمحتاجين والفقراء‏,‏ وبه نعقد كل الاجتماعات التي تبحث كل ما يئول إلي خير المجتمع‏,‏ وبه نجلس مع الفقراء ونبحث مشكلاتهم‏,‏ وبه نربت بأيدينا علي الأطفال‏,‏ ونقدم لهم عطفا وحنانا‏,‏ وكل عواطف القلب نؤيدها بواسطة

ومن اهتمام البشر بالجسد كل ما يبذلونه من جهد في علاجه من مرضه‏,‏ والعمل علي إراحته من تعبه‏,‏ والعمل علي العناية بصحته‏,‏ وعلي تقديم ألوان من الأنشطة له في النوادي وغيرها‏.‏

ومن اهتمام الله بالجسد قيامة الجسد بعد موته‏,‏ وحفظه سالما إلي الأبد‏,‏ وتهيئة مكان له في الأبدية السعيدة‏.‏

ولو كان الجسد مصدرا لكل خطية‏,‏ ما كان الله يقيمه في اليوم الأخير‏,‏ ليحيا في الأبدية حياة لا خطية فيها‏.‏



ومن اهتمامنا بالأجساد احتفاظنا برفات الأبرار والقديسين لذكري باقية بعد موتهم‏,‏ وللتبرك بها أيضا‏.‏

وكذلك ما نقيمه لهذه الأجساد من تماثيل تعمر بها الميادين‏,‏ وكلها لتخليد ذكري أصحابها‏,‏ ولاحتفاظ التاريخ بها‏,‏ فلا تنسي‏.‏

وأيضا ما يحتفظ به غالبية الناس من صور لأحبائهم‏,‏ سواء منهم الأحياء أو الذين انتقلوا من هذا العالم‏,‏ وكلها صور للأجساد وليس للأرواح‏,‏ لكي بصورة الجسد يتذكروا حياتهم وسيرتهم‏,‏ وكذلك الاحتفاظ بصور الشخصيات الشهيرة‏.‏

أيضا التحنيط‏,‏ أليس هو دليلا آخر علي الاهتمام بالأجساد؟‏!‏ ولو لحفظها لرجوع الروح والاتحاد بها‏,‏ حيث عقيدة قدماء المصريين‏.‏



أما بدعة حرق الأجساد‏(‏ التي لا نؤمن بها‏,‏ فقد بدأت ببدعة أخري هي عودة التجسد‏,‏ وبها يولد الإنسان مرة أخري في جسد جديد‏,‏ ويظل ينتقل في ولادات متتابعة‏,‏ في تجسدات متعددة إلي أن ينحل من الجسد باتحاد روحنا في الملأ الأعلي‏,‏ بما يعرف عند الهنود بحالة النرفانا‏.‏

والذين يعتقدون بهذا الأمر لا يهمهم الجسد الحال في شيء‏,‏ مادام بعد موته ستحل روحه في جسد آخر‏,‏ لذلك كانوا يحرقون أجسادهم‏,‏ ثم يحتفظون بجزء من رمادها في قارورة صغيرة كتذكار‏,‏ وقد رأيت هذا بنفسي في إحدي مدن الشرق الأقصي‏,‏ زعيم الهند المهاتما غاندي الذي كانوا يقدسونه للغاية‏,‏ حرقوا جسده أيضا وألقوا رماده في النهر المبارك‏.‏

بقيت نقطة أخيرة يلزم أن أقولها في أهمية الجسد وهي‏:‏

أهمية الجسد في التناسل وتتابع الأجيال‏.‏

فلولاه ما بقي أحد من البشر‏,‏ من أبناء آدم وحواء‏!!‏

المصدر: منتدى ام السمائيين و الارضيين - من قسم: جريدة الاهرام منذ عام 2006

---

hg[s] ig i, lw]v ;g o'dm lrhg d,l hgHp] 1-10-2006

يا اختى بنت مارمينا