منتدى ام السمائيين و الارضيين - عرض مشاركة واحدة - موسوعة الأباء البطاركة الأقباط حسب ترتيب التاريخ
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-16-2013, 12:37 PM   رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية ملاك حمايه جرجس
 

 

 
6011 تابع تاريخ الاباء بطاركة الاسكندرية





الآباء بطـــارقة القرن التاسع عشــر






البابا بطرس الســابع
الطريرك الـ 109
( من 1809 - 1852م )

الوطن الأصلي : الجاوليه
( الجولى ) مركز منفلوط

الأسم قبل البطريركية : منقريوس قبل الرهبنة و مرقوريوس بعدها
الدير المتخرج منه : دير المحرق
تاريخ التقدمة : أول مسرى 1094 للشهداء - 25 يوليو 1378 للميلاد
تاريخ النياحة : 5 طوبه 1125 للشهداء - 31 ديسمبر 1408 للميلاد
مدة الأقامة على الكرسي : 30 سنة و 5 أشهر و 6 أيام
مدة خلو الكرسي : 3 أشهر و 20 يوما
محل أقامة البطريرك مدة الرئاسة : حارة زويلة
محل الدفن : الأنبا رويس باخندق
الملوك المعاصرون : على شعبان المنصور و جاجى بن شعبان الصالح
السلطان برقوق و فرج بن برقوق الناصر و عبد
العزبز بن المنصورو فرج بن برقوق


+ يدعى البابا بطرس الجاولى إذ أنه من قرية الجاولى مركز منفلوط.

+ ترهبن بدير الأنبا أنطونيوس ، وكان زاهداً ناسكاً قديساً فرسموه قساً فقمصاً على الدير.
+ رسمه البابا مرقس الثامن مطراناً على بيعة الله المقدسة واسماه ثاوفيلس.
+ ولما خلا الكرسى المرقسى رسموه بطريركاً فى 16 كيهك سنة 1526 ش.
+ كان أباً وديعاً متواضعاً حكيماً عالماً لاهوتياً.
+ فى مدة رئاسته عاد إلى الكرسى الإسكندرى كرسى النوبة والسودان ، بعد أن
انفصل مدة خمسمائة عام.
+ رفض وضع الكنيسة القبطية تحت الحماية الروسية.
+ ولما أكمل سعيه تنيح بسلام فى الثامن والعشرين من شهر برمهات سنة 1568 ش ،
وأقام على الكرسى المرقسى 42 سنة و3 شهور و12 يوماً.
صلاته تكون معنا آمين.





السيرة كما ذكرت في كتاب السنكسار

نياحة البابا بطرس السابع البطريرك الـ109 (28 برمهات)

في مثل هذا اليوم من سنة 1568 ش. (5 أبريل سنه 1852 م. ) تنيَّح القديس البابا بطرس السابع البطريرك الـ109 ولد هذا الأب بقرية الجاولى مركز منفلوط، وكان اسمه أولا منقريوس. زهد العالم منذ صغره فقادته العناية الإلهية إلى دير القديس العظيم أنطونيوس فترهب فيه وتعمق في العبادة والنسك والطهارة كما تفرغ إلى مطالعة الكتب الكنسية وتزود بالعلوم الطقسية واللاهوتية الأمر الذي دعا إلى رسامته قسا علي الدير ففاق أقرانه في ممارسة الفضائل وتأدية الفرائض وقد دعي القس مرقوريوس، ثم رقي قمصا لتقشفه وغيرته وطهارة قلبه.
ولما وصلت أخباره إلى مسامع البابا مرقس الثامن استدعاه إليه. وكان قد حضر جماعة من الأثيوبيين من قبل ملك أثيوبيا يطلبون مطرانا بدل المتنيَّح الأنبا يوساب مطرانهم السابق ومعهم خطابات إلى حاكم مصر وإلى البابا مرقس الثامن فبحث البابا عن رجل صالح وعالم فاضل فلم ير أمامه إلا القمص مرقوريوس فاختاره لمطرانية أثيوبيا فرسمه مطرانًا، إلا أنه في وقت الرسامة لم يقلده علي أثيوبيا بل جعله مطرانا علي بيعة الله المقدسة وسماه ثاوفيلس ورسم بدلا منه الأنبا مكاريوس الثاني مطرانا لمملكة أثيوبيا في سنة 1808.
وبعد رسامة الأنبا ثاؤفيلس مطرانا عاما استبقاه البابا معه في القلاية البطريركية، يعاونه في تصريف أمور الكنيسة وشؤون الأمة القبطية.
ولما تنيَّح البابا مرقس الثامن في يوم 13 كيهك سنة 526 ش. (21 ديسمبر سنة 1809 م.) وكان الأساقفة موجودين بمصر فاجتمعوا مع أراخنة الشعب وأجمع رأيهم علي أن يكون خليفة له فرسموه بطريركا في الكنيسة المرقسية بالأزبكية بعد ثلاثة أيام من نياحة البابا مرقس أي في يوم الأحد 16 كيهك سنة 1526 ش. (24 ديسمبر سنة 1809 م.). ودعي أسمه بطرس السابع واشتهر باسم بطرس الجاولي وكان أبا وديعا متواضعا حكيما ذا فطنه عظيمة وذكاء فائق وسياسة سامية لرعاية الشعب والكتب المقدسة. وقد وضع كتابا قيما دافع فيه عن الكنيسة وتعاليمها كما قام بتزويد المكتبة البطريركية بالكتب النفيسة وفي عهده رفرف السلام علي البلاد فنالت الكنيسة الراحة التامة والحرية الكاملة في العبادة وتجددت الكنائس في الوجهين القبلي والبحري.
. وفي مدة رئاسته عاد إلى الكرسي الإسكندري كرسي النوبة والسودان، بعد أن انفصل مدة خمسمائة عام. ويرجع فضل عودة النوبة إلى الحظيرة المرقسية إلى أن عزيز مصر محمد علي باشا الكبير فتح السودان وامتلك أراضيه وضمها إلى الأقطار المصرية فعاد كثيرون من أهل السودان إلى الدين المسيحي، كما استوطن فيه الكثيرون من كتاب الدولة النصارى ورجال الجيش وبنوا الكنائس. ثم طلبوا من البابا بطرس أن يرسل لهم أسقفا ليرعى الشعب المسيحي بهذه الأقطار فرسم لهم أسقفا زكاه شعب السودان من بين الرهبان اسمه داميانوس. وقد تنيَّح هذا الأسقف في أيام البابا بطرس فرسم لهم أسقفًا غيره. ومن ذلك الحين تجدد كرسي النوبة الذي هو السودان. وقام هذا البابا في مدة توليه الكرسي الإسكندري برسامة خمسة وعشرين أسقفا على أبرشيات القطر المصري والنوبة، كما رسم مطرانين لأثيوبيا: الأول الأنبا كيرلس الرابع في سنة 1820 والثاني في سنة 1833 م.

صلاته تكون معنا آمين.


معلومات إضافية

ولد في قرية الجاولى التابعة لمركز منفلوط، ترهب في دير القديس انطونيوس وكان اسمه العلماني منقريوس، ورسم قسا في دير مرقوريوس ثم رقى لدرجة القمصية. لما لاحظه فيه رئيس الدير الكثير من التقشف والاستقامة، وقد وصلت سمعته إلى مسامع البابا مرقس فاستدعاه إليه وكان في حاجة شديدة إلى رجل صالح يرسمه مطرانا للحبشة بناء على طلب الملك الحبشي إجوالا سيون Egwale Seyon ولقبه نوايا ساجاد Newaya Sagad وأرسل وفدا إثيوبيا لهذا الغرض وكان يطلب راهبا تتوافر فيه الجمع بين الدين والسياسة، فأنتخبه البابا لهذا المنصب، غير أن عناية الله اختارت رسامته لكي يفوز بما هو أسمى، حيث سيم مطرانا عاما على الكنيسة في مصر باسم (وكيل الكرازة المرقسية باسم تاوفيلس، فأقام مع البابا مرقس في الدار البطريركية وشاطره القيام بجمع مصالح الأمة إلى أن توفي البابا مرقس فأجتمع رأى الكل على إقامته بطريركًا، وقد تمت رسامته في يوم الأحد 16 كيهك 1526 س 1810 م. بعد وفاة سلفه بثلاثة أيام، في عهد الوالي محمد على باشا، وهو أول من وضعت عليه الأيدي في مركز البطريركية.

اتصف هذا البابا بالتقوى والورع والتقشف والزهد، قليل الكلام مع هيبة ووقار، يقضي يومه منكبًا على المطالعة، أو مواظبًا على الصلاة من أجل سلام الكنيسة، ويروى أحد المقربين إليه أنه احتاج إليه في أمر فدخل عليه حجرته فوجده يصلى والدموع ملء عينيه وليس عليه من الملابس إلا ما يستره، ومن هنا أمر تلميذه بألا يدخل عليه أحد وهو منفرد.
لم يكن يهتم بما يأكل أو يشرب، حتى أنه اشتهى يومًا طعامًا فأحضروه له، فأمر بإبقائه حتى انتن، ومن ثم أكله مرغما مشمئز النفس، ليزيد النسك لنفسه وتبكيتا لها، ولم يكن يلبس عليه سوى الخشن من الصوف ولا ينام إلا على الأرض في الصيف وعلى دكة خشب في الشتاء، وكان يجدل الخوص أثناء فراغه
كان لا يتعرض إلى أمر من أمور السياسة، ولا يخرج من دار البطريركية إلا إذا دعته الحاجة وإذا سار في الطريق وضع على وجهه لثامًا أسودًا، وإذا تكلم كان صوته منخفضا ولا ينظر إلى وجه سامعه، ولم يكن يرغب في حضور الأكاليل في المنازل، وإذ دعي لذلك دعا العروسين لحضور القداس في الكنيسة أولى لهما.

البطريرك الدارس:

كان الأنبا بطرس منذ أن كان راهبا محبا للدراسة ومطالعة الكتب على اختلاف أنواعها، فلما تولى مقاليد الرياسة لم يكن للدار البطريركية مكتبة بالمعنى المعروف نظرا لما تعرضت له الكنيسة في ألازمنه السالفة من نهب وتخريب، فأخذ يجمع المراجع التاريخية والإسفار اللاهوتية والطقسية من جهات متفرقة، حتى حصل منها على مجموعة ثمينة، كان من بينها عدد من المخطوطات النادرة التي لا تقدر بمال، ولما ازداد رصيده من هذه المجلدات النفيسة أعد لها مكانا في المقر البابوي يتناسب مع قيمتها، وأخذ بنفسه يرتبها ويرصها، ووضع لها سجلًا خاصًا.

كما كلف عددا من مشاهير النُسَّاخ بنسخ الكتب الفريدة التي جاء بأصولها من دير القديس الأنبا انطونيوس ومن الكنائس الأثرية في القاهرة، كما كتب عدة مقالات في التثليث والتوحيد لتثبيت المؤمنين.
أضاف هذا البابا إلى صفاته هذه صفة الحلم في الرئاسة والحكمة في التصرف وفي الكلام، فأصبح موضع احترام لدى الكل، ورضي عنه محمد علي وبذلك حصل للأقباط على الأمن والرفاهية، ونجح الأقباط في عهده في الوصول إلى المناصب الإدارية الرفيعة وإقامة شعائرهم الدينية وباشروا عبادتهم في حرية وكانوا يخرجون موتاهم وأمامهم الصليب بدون خوف.
وكان في النوبة 17 إيبارشية أيام أن كان أهلها يدينون بالمسيحية، فلما خضعت لمصر بعد الفتح العربي ودخلها الإسلام ابتدأت بحكومة إسلامية، ولما فتحها محمد علي باشا 1820 كان لا يزال فيها آلاف من الأقباط، وعاد الذين تظاهروا بإنكار الديانة المسيحية إلى الاعتراف بها، وطلبوا أن يرسم لهم أساقفة، فرشم لهم البابا بطرس أسقفين.

حارب السيمونية ورسم كثيرًا من الأساقفة والكهنة، وفي مدته تجددت كثير من الكنائس في الوجهين البحري والقبلي ومطرانين للحبشة ومن أشهر الأساقفة في عهده:

الأنبا يوساب الاطينتى - الأنبا أثناسيوس الغمراوى - الأنبا توماس المليجى - الأنبا سرابامون المتوفي الشهير بابى طراحة.

أهم الأحداث في عهده:
حدث أن اشتكى إليه أقباط بلدته الجاولى من قسوة بعض العائلات المسلمة معهم في التعامل، فلكي يحل هذه المشكلة في محبة، استدعى إليه أكابرهم وكلفهم بانتقاء، مائتي فدان من أفضل أراضيهم وإهدائها لشريف باشا، وكان يرمى من وراء ذلك أن يعين لها الباشا متى دخلت حوزته مندوبا من قبله ليرعاها ويشرف أيضًا على شئون البلدة وبذلك يحسم هذا الحاكم الموقف بين الطرفين مع إعطاء الأقباط حقوقهم، وكان أن أشار البابا على شريف باشا بتعيين هذا المندوب وهو قبطي اسمه المعلم بشاى من أسيوط، فوافق شريف باشا على ذلك وأعطى المعلم بشاى 36 فدانا ليعيش فيها من هذه الأرض مقابل عمله، وبهذا استطاع الأقباط أن يعيشوا في سلام. وفي عهده أجرى الله على يدين كثيرا من المعجزات بين الناس وبين الحكام، منها أن قل فيضان النيل في سنه 1525 ش وجعل كل المصريين يصلون من مسلمين ويهود وأقباط، إلا أنه أقام قداسًا وألقى بمياه غسل الأواني المقدسة في النيل فارتفعت مياهه.
إلا أن عدو الخير لم يترك البابا في علاقته الطيبة مع محمد علي إلى المنتهى، وإنما دفع بعض الأشرار ليشوا به لدى إبراهيم باشا ابن محمد علي وكان قائدًا فذًا في طريقه لفتح بلاد الشام فقالوا له أن ما يدعيه المسيحيون من ظهور النور على قبر السيد المسيح في القدس هو زور وبهتان، فصدق إبراهيم باشا هذه الوشاية، وزادوه شكا أن هذا النور لا يظهر إلا على أيدي بطاركة الروم الأرثوذكس، ولما كانت ثقة إبراهيم باشا وأبيه بالبابا بطرس كبيرة، استدعاه إليه من مصر وكان حينئذ في القدس، فسار البابا إليه، فاستقبله إبراهيم بات وحاشيته معه، وافهمه بالأمر وطلب منه أن يصلى ليخرج النور على يديه، وهو يريد بذلك عدم الإيقاع ويحضر هو معهما فرافقهما، وكانت الكنيسة مكتظة بالمصلين فأمر إبراهيم باشا بإخراج جميع الفقراء والزوار إلى الخارج.
وكان البابا واقفا يصلى وهو مقدر سوء العاقبة أن لم يظهر النور،
أمر ليس في يده، وكان قد قضى ثلاثة أيام صائما مصليا مع مطران الروم، وانطلقت أصواتهما بالصلاة كالمعتاد، وفي الوقت المعتاد انبثق النور فضجوا (النور النور) بصوت كل الجماهير فذهل ابراهيم باشا وكاد يسقط على الأرض قائلًا: "آمان بابا آمان"، وزاد تكريمه للبابا.

البابا والعلاقات الخارجية:

لما كان محمد علي موفقًا في فتوحات شرقًا وغربًا خشيت الدول الأجنبية من هذا، ومنها روسيا التي قدرت سوء الموقف لو استمر في فتوحاته، ففكرت أن تستعين بالأمة القبطية في الوصول إلى أهدافها ضد محمد علي باعتبار مسيحيتها، فأرسلت أميرًا روسيًا يعرض على البطريرك قبول حماية قيصر الروس لشعبه.

فذهب هذا المندوب الروسي إلى الدار البطريركية ظنا منه أنه سيرى رئيس أكبر أمة مسيحية في أفريقية بحالة تدل على عظمة، وكانت أخبار هذه الزيارة قد وردت إلى البابا من قبل ولكنه لم يأبه، ولما وصله المندوب الروسي رأىإنسانًا بسيطا يحمل الكتاب المقدس بين يديه يقرا فيه وهو يرتدى زعبوطا خشنا جالسا على دكة خشبية وحوله مقاعد مبعثرة، ولم يبال به فسأله في شك: "هل أنت البطريرك"؟!
فلما عرف منه طلب إليه أن يجلس بجواره، فجعل المندوب يتفرس فيه وهو لا يصدق أنه يجالس البطريرك وبدأ المندوب يسأله لماذا يعيش بهذه البساطة ولا يهتم بمركزة في العالم المسيحي فأجابه البابا (ليس الخادم أفضل من سيده، فأنا عبد يسوع المسيح الذي اتى إلى العالم وعاش مع الفقراء ولأجلهم، وكان يجالس الخطاة ولم يكن له ابن يسند رأسه، أما أنا فلي مكان أقيم فيه وأحتمى فيه من حر الصيف وبرد الشتاء، لم يكن للمسيح ارض ولو أنه ملك السماء والأرض ولم يكن له مخزن فيه موؤنة، وها أنا آكل وأتمتع فهل هناك أفضل من هذا؟ فبعد تعجب من المندوب، بدأ يعرض على البابا في بساطة: وهل ملككم يحيا إلى الأبد؟ قال له: لا يا سيدي البابا بل هو إنسان يموت كما يموت سائر البشر. فأجابه: "إذن أنتم تعيشون تحت رعاية ملك يموت وأما نحن تحت رعاية ملك لا يموت وهو الله". حينئذ لم يسع المندوب الروسي إلا أن ينطرح تحت قدميه واخذ يقبلها وتركه وهو يشعر بعظمة هذا الرجل البسيط وقال " لم تدهشني عظمة الأهرام ولا ارتفاع المسلات، ولم يهزني كل ما في هذا القطر من العجائب بقدر ما هزني ما رأيته في هذا البطريرك القبطي. ولما وصل نبأ هذه المقابلة إلى مسامع محمد علي سر جدا وذهب إليه ليهنئه على موقفة وما أبداه من الوطنية الحقة، فقاله له البابا (لا تشكر من قام بواجب عليه نحو بلاده) فقال له محمد علي والدموع في عينية (لقد رفعت اليوم شأنك وشأن بلادك فليكن لك مقام محمد علي في مصر، ولتكن مركبة معدة لركبك كمركبته).
+ حصل خلاف بين الأنبا سلامة مطران الحبشة وبين ملكها بسبب أنه لما فتح محمد علي السودان سنه 1820 طلب النجاشي من البابا بطرس رسم الكهنة على الحدود للحبشة، فَلِبُعد المسافات كلف الأنبا سلامة باختيار الكهنة، فرسم الأنبا سلامة من العلمانيين الأقباط العدد المطلوب على الطقس القبطي، فلم يرض بهم الكهنة الأحباش الذين معه ونصحهم ليعودا إلى معتقدهم الصحيح فرفضوا، فهددهم بتطبيق شريعة الكنيسة وعقوباتها، فحاولوا شكايته لدى البابا فشجعه البابا على موقفه.
فدار الأحباش من ناحية أخرى ليلعبوا بمسألة دير السلطان بالقدس، مستغلين شقاقًا وقع بين الأحباش والرهبان في الدير، حتى وصلت إلى الشجار بالأيدي، فأخرج الرهبان الأقباط الأحباش خارج الدير وأغلقوا الباب، فحاول الأحباش الدخول عنوه، ( أنظر ستجد الكثير عن تاريخ الآباء البطاركة الأقباط هنا فى منتدى أم السمائيين والأرضيين) ، فذهبوا إلى القنصل الإنجليزي ليشكوا الأقباط، وكانت بريطانيا تكره محمد علي والأقباط والمصريين جميعا فناصرهم القنصل الإنجليزي لدرجة أنهم ادعوا ملكية الدير وأن الذي أسسه هو ملك الجيش، وأوعز القنصل للجيش بأن يرفعوا تظلماتهم إلى السلطان العثماني، وكان السلطان في تلك الفترة يكره المصريين فسار منهم مجموعة إلى القسطنطينية وأراد البابا أن يحتوى الموقف فأرسل مندوبا عنه إلى ملك الحبشة، لأنه أراد أن يذهب هو بنفسه ولكنه كان شيخا لم يستطيع السفر فأرسل بدلا عنه القس داود (كيرلس الرابع فيما بعد) على أساس أنه إذا نجح في مسعاه يرسمه مطرانا هناك.
إلا أنه ما أن وصل إلى هناك حتى مرض البابا بطرس وأوشك على الموت ونصح بأن داود هو الذي سيخلفه، فأرسلوا إليه يستحضروه من الحبشة فحضر بعد وفاته بأكثر من شهرين.

وتنيَّح البابا بطرس الجاولي في سنة 1852 م.

صلاته تكون معنا آمين.
ولربنا المجد دائما أبديا أمين







البابا كيرلس الرابع ( أبو الاصلاح )
الطريرك الـ 110
( من 1853 - 1862م )



الوطن الأصلي : الصوامعه مركز أخميم
الأسم قبل البطريركية : داود
الدير المتخرج منه : دير أنبا أنطونيوس

تاريخ التقدمة : 11 بؤونه 1570 للشهداء - 17 يونيو 1854 للميلاد
تاريخ النياحة : 23 طوبه 1577 للشهداء - 30 يناير1861 للميلاد

مدة الأقامة على الكرسي : 6 سنوات و 7 أشهر و 13 يوما
مدة خلو الكرسي : سنة واحدة و 4 أشهر و 16 يوما
محل أقامة البطريرك مدة الرئاسة : المرقسية بالأزبكية

محل الدفن : كنيسة مارمرقس بالأزبكية

الملوك المعاصرون : عباس الأول و سعيد باشا
+ ترهب بدير الأنبا أنطونيوس سالكاً طريق النسك الزائد والصلاة الحارة.

+ رسمه البابا بطرس الجاولى قساً وعينه رئيساً لدير الأنبا أنطونيوس.
+ أقاموه بطريركاً فى 28 بشنس سنة 1571 ش.

+ أنشأ المدرسة القبطية الكبرى بالبطريركية ، وفتح مدرسة أخرى فى حارة السقايين وشدد
فى تعليم اللغة القبطية فيهما.
+ اشترى مطبعة كبيرة طبع فيها جملة كتب كنسية.
+ ولما أكمل سعيه المبارك تنيح بسلام فى 23 طوبه سنة 1577 ش.
صلاته تكون معنا آمين.



السيرة كما ذكرت في كتاب السنكسار
نياحة البابا كيرلس الرابع أبي الإصلاح الـ 110 (23 طوبة)
في مثل هذا اليوم تنيَّح الأب العظيم الأنبا كيرلس الرابع بابا الإسكندرية العاشر بعد المائة. وقد ولد هذا الأب ببلدة الصوامعة الشرقية من أعمال جرجا من أبوين تقيين حوالي سنة 1816 م.، وأسمياه داود باسم جد أبيه، واعتني والده بتربيته وتعليمه. وفي الثانية والعشرين من عمره قصد دير القديس أنطونيوس لزهده في أباطيل الحياة. وهناك سلك طريق الفضيلة والنسك، مما جعل القس أثناسيوس القلوصني، رئيس الدير وقتئذ أن يلبسه ثوب الرهبنة، فدأب منذ ذلك الحين علي الدرس والمطالعة. وبعد سنتين من ترهبه تنيَّح رئيس الدير، فأجمع الرهبان علي اختيار هذا الأب رئيسا، فرسمه الأنبا بطرس الجاولي البابا المئة والتاسع قسا وعينه رئيسا علي الدير، فاهتم بشئون الدير والرهبان أبلغ اهتمام. وكان حاد الذكاء وعلي قسط وافر من الإلمام بالمسائل الدينية، ولذلك فإنه لما نشب خلاف بين الأحباش في بعض الأمور العقائدية، استدعاه الأب البطريرك الأنبا بطرس الجاولي، وكلفه بالذهاب إلى البلاد الحبشية لفض هذا النزاع. فقام بمهمته خير قيام. وعاد الأب داود من الحبشة في يوم السبت 13 يوليه من سنة 1853 م. وكان قد تنيَّح البابا بطرس الجاولي في 15 أبريل سنة 1852 م. وعند الشروع في اختيار خلف له، اختلفت أراء الشعب، فالبعض اختار الأب داود، والبعض اختار غيره. ثم استقر الرأي علي رسامته مطرانا عاما سنة 1853 م. واستمر سنة وشهرين، أظهر خلالها من حسن التصرف، ما جعله أهلا لأن يقام بطريركا، فتمت رسامته في 28 بشنس سنة 1571 ش. ( 1854 م.). وقد أفرغ قصارى جهده في سبيل تهذيب الشبان وتعليمهم. فقد أنشأ المدرسة القبطية الكبرى بالبطريركية، وفتح مدرسة أخرى في حارة السقايين وشدد في تعليم اللغة القبطية فيهما، كما اشتري مطبعة كبيرة طبع فيها عدة كتب كنسية. وعموما فإن إليه يرجع الفضل في تقدم الأقباط، وقد هدم كنيسة البطريركية القديمة وشيد غيرها، ولكنه لم يتمكن من إتمامها لتغيبه في البلاد الحبشية للمرة الثانية. وكان هذا الحبر العظيم عالما شديد الاعتصام بقوانين الكنيسة، وكان محسنا ذا عناية شديدة بذوي الحاجة ومحبوبا من رعيته، وتنيَّح في 23 طوبة سنة 1577ش (1861 م.).

صلاته تكون معنا آمين.

معلومات إضافية

ولد في عام 1532 ش. / 1816 م. بقرية نجح أبو رزقالي من الصوامعة سفلاق (الصوامعة الشرقية) أخميم، مديرية جرجا (محافظة سوهاج الآن) وكان اسمه داود بن توماس بن بشوت بن داود، وكان أبوه أميا لا يعرف القراءة والكتابة، إلا أنه اعتنى كثيرا بتعليم ابنه حتى صار ملما بالقراءة باللغتين العربية والقبطية وشيء من الحساب، ولما كبر اشتغل داود مع أبيه بالزراعة، وفي هذه الأثناء اختلط بالعربان المجاورين لقريته، فتعلم منهم الفروسية وركوب الخيل والهجن (الجمال).

ومنذ نشأته لم يعبأ بمهام هذه الحياة كأن العناية كانت تجهزه لعمل أشرف ولغاية أعظم بل كان عفوفًا تقيا ورعا محبا للفقراء، وكان يميل إلى العزلة والتفكُّر في سير القديسين.

ولما بلغ الثانية والعشرين من عمره أحب الرهبنة وعزم على الرحيل من وطنه فمنعه أبواه، ولكنه أصر على الرحيل وانتهز الفرصة وودع أصحابه وهرب سنه 1554 ش. إلى دير القديس انطونيوس في الوشن حيث توجه إلى عزبة الدير، وقابل هناك القمص أثناسيوس القوضى رئيس الدير وعرض عليه نيته أن يكون راهبا، فظل فترة تحت الاختبار، ولما نجح في هذا الاختبار انضم إلى رهبان دير الأنبا أنطونيوس بجبل العربة بالصحراء الشرقية.

وقد أظهر محبة كبيرة للرهبان والذكاء والورع والميل لدراسة الكتاب المقدس، وكان يجمع أخوته الرهبان ويقرأ عليهم الكتاب المقدس ويشرحه لهم ويحببهم في دراسته، فسر منه رئيس الدير، ولما ذاع صيته بين الرهبان ووصل إلى آذان البطريرك البابا بطرس السابع، استدعاه إليه، ولما حضر بين يديه رأى فيه ما أكد له نبوغه وعبقريته فباركه ودعا له بالتوفيق وكان ذلك في حضور الأنبا صرابامون أبو طرحة أسقف المنوفية، ورسمه قسا.

وبعد أن قضى الراهب داود سنتين في دير الأنبا انطونيوس تنيَّح القمص أثناسيوس القلوض رئيس الدير عام 1840، وعلى الرغم من حداثة عهد داود بالرهبنة، إلا أن الرهبان اجمعوا على تزكية رئيسا للدير، ورفعوا الأمر إلى البابا بطرس فوافق على ذلك، ومنذ ذلك الحين بدأ يتألق بنور مواهبه، فوضع نظاما للدير حرم به على الرهبان مغادرته إلا لضرورة قاطعة وأخذ في إصلاح أحواله الأدبية والمادية والروحية، وفي نفس الوقت وسع من ثقافته هو بالقراءة والدراسة والإطلاع.

اهتم القس داود بدراسة اللغة العربية نحوا وحرفا، فاكتسب منها ما ضبط ألفاظه، كما عني بتعليم الرهبان، فخصص من العزبة بناحية بوش مديرية بنى سويف، التي كانت مقرا للدير مكانا جمع فيه كثيرا من الكتب بالإضافة إلى ما كان موجودا، ودبَّر حلقات للدرس والمناقشة في الموضوعات الدينية والأدبية والتاريخية على السواء، كما افتتح كتابا في بوش لتعليم الأولاد اللغتين العربية والقبطية.

سفره الأول إلى الحبشة:

اختلف الأحباش في بعض القضايا اللاهوتية والطقسية مع مطرانهم الذي كان البابا بطرس السابع قد رسمه في 20 أغسطس 1815 باسم الأنبا كيرلس، وإذ لم يستطيع الأسقف تقويم رعاياه حسب المفهوم الكنسي حرم عددا منهم، واعتدى بالضرب على الآخرين، فلما سمع البطريرك بذلك كتب إليه يأمره بالإقلاع عن هذا الأسلوب الجاف، وينصحه باستعمال الرأفة والليونة ولكن الأسقف لم ينجح في علاج الموقف، واستمر الوضع هكذا، حتى اغتاله رجل اسمه سبغيدس في مدينة عدوة بالحبشة، فأرسل إليهم البطريرك سنة 1841 مطرانا آخر هو الأنبا اندراوس وكان قد تعلم اللغة الإنجليزية في مدرسة ليدرس الإنجليزية بالقاهرة.

ولما وصل الأنبا أندراوس إلى إثيوبيا وجد المشاكل التي تركها سلفه متفاقمة، فكتب للبطريرك بطرس السابع يشرح له أوجه الخلاف، ويسأله المعونة في تصفية هذه المشاكل، فأرسل إليه القس داود رئيس دير الأنبا انطونيوس وحمله رسالتين واحدة للمطران والأخرى للشعب الاثيوبى (الحبشي) فسافر القس داود الصوامعى سنه 1815 واصطحب معه القس برسوم الانطونى الذي صار فيما بعد مطرانا للمنوفية باسم الأنبا يؤانس، وقد حاول القس داود أثناء وجوده في الحبشة أن يحل المشاكل العقائدية القائمة بين المطران والشعب، وأن يضع حدا حاسما لمشكلة دير السلطان الذي تتنازعه الكنيستان، إلا أنه لم يتوصل إلى تسوية قاطعه في كلا الأمرين، وكان للأسف للقنصل الإنجليزى يدًا في هذا النزاع، لدرجة أنه أثار النجاش عليه فأخر موعد عودته إلى مصر وضايقه إلى حد ما، ثم سمح بعد ذلك بالسفر، فعاد إلى القاهرة في 17 يوليو 1852 بعد أن قضى هناك سنه وبضعة أشهر.

وفيما بعد نقم الأحباش على الأنبا اندراوس فأودعوه السجن حيث ظل فيه إلى أن تنيَّح بسلام 1867.


ترشيح القس داود للبطريركية:

كان البطريرك بطرس السابع قد وعد القس داود بترقيته إلى رتبة المطران إذا نجح في تسوية المشكلة الاثيوبية، ولكن داود عاد إلى القاهرة بعد نياحة البابا باثنين وسبعين يوما، ووجد الشعب يعمل لترشيح بطريرك جديد، وقد انقسمت صفوفه إلى ثلاثة أحزاب هي:
الحزب الأول: كان ينادى بترقية الأنبا يوساب أسقف جرجا وأخميم إلى رتبة بطريرك
الحزب الثاني: قال بصلاحية القس داود الصوامعى إلى منصب البطريركية على أساس توصيه البابا الراحل بذلك
الحزب الثالث: رأى أن الأنبا أثناسيوس أسقف أبو تيج هو رجل المهام الصعبة الذي يليق بالموقف الراهن حينئذ.
وقد تزعم أنصار أسقف أخميم الأرخن "جاد افندى شيحة" وآخرون من وجهاء الأقباط الذين عمدوا إلى ترديد شائعة تقول "أن أصحاب الدجل وعلوم المطالع يؤكدون انه لو صار داود بطريركا فسوف يكون قدومه شؤما على الحاكم والمحكومين!!

ولكن هذه الأمور وغيرها لم توهن من عزيمة أنصار القس داود، بل أخذوا يزدادون نفوذًا وعددًا، حتى أصبحوا يمثلون صوت الشعب القبطي برمته، وخدمتهم الظروف بانسحاب الأنبا أثناسيوس من المعركة.

أما أتباع أسقف جرجا فلما رأوا أن فوز مناهضيهم قد أًصبح وشيكا، ادعى عميدهم أنهم اخذوا أمرا شفويا من عباس باشا الأول بتنصيب أسقف أخميم بطريركا وتأهبوا لرسامته يوم الأحد الموافق 10 ابريل 1853، ولكن أنصار القس داود أصرّوا على رسامته رغم وقوف عباس الأول في صف الآخرين خصوصا بعد أن أرجفوه بما قاله الدجالون من أن رسامته مستجلب الخراب على البلاد.

ولما كاد الشقاق يستعلى استعان أنصار القس داود بالمستر ليدر احد مرسلى جمعية التبشير الإنجليزية وطلبوا منه التوسط لدى قنصل انجلترا في مصر لتعليم عباس الأول في قبول القس داود بطريركا، وفعلا كلمه فوعد ولكنه ماطل في وعده حتى قدم من الحبشة قس حبشي ومعه كثير من الهدايا وكتاب من النجاش لعباس باشا، فقابله عباس ومكث الرجل لدية أياما، فأشيع أيامها أن القس داود سار إلى بلاد الحبشة ليستعين هو وأتباعه بالنجاش على الخروج على طاعة عباس، فاستدعى القس داود إلى دار المحافظة واستجوب في شأن هذه الإشاعة على ما كان بينه وبين نجاش الحبشة، وكان الباشا قد أمر أن يذهب به إلى مجلس الأحكام بقلعة الجبل، فكانوا يأتون أمام المجلس كل يوم مرة أو مرتين، ويضيقون عليه الخناق في التحقيق، أما هو فكان هادئا ثابتا يتكلم برزانة وتعقل، فاغتاظ عباس باشا، واشتد غضبه على الأقباط، فأمر بفصل الموظفين منهم من خدمة الحكومة، ونفي الأعيان منهم إلى ستار في السودان ودارفور، وأذل الباقين في مصر كلها وعاشت الكنيسة والشعب في اضطهاد رهيب.

استدعى بعد ذلك كتخدا باشا (في مرتبة رئيس الوزراء الآن) جاد أفندي شيحة وأعلمه برغبة الباشا في اختيار بطريرك غير القس داود، وطلب منه التعجيل في ذلك خشية تدخل القنصل الإنجليزي، فجمع جاد أفندي الأساقفة وعرض الأمر: فكثرت آرائهم وحججهم، في الوقت الذي اتفق فيه حزب أسقف أخميم على تنفيذ رغبتهم بالحيلة. وكانت حيلتهم أنهم يجتمعون ليلا في دير ليرسموه بطريركا، فإذا أصبح الصباح وجد أنصار القس داود أن السهم قد نفذ، فيرضخون مكرهين أمام الواقع، وكما قبل من قيل أن جاد أفندي شيحة قد حصل على أمر شفهي من عباس الأول برسامته.

اجتمع الأساقفة بالدار البطريركية ويتبعهم الغوغاء سرا ومعهم أسقف أخميم وجاد أفندي وبعض أقاربه، وأغلقوا عليهم الأبواب، ووضعوا عليها حراسا، وبدأوا يتممون الرسامة في الداخل سرا، ولكن حيلتهم لم تتم. إذ بينما هم كذلك ظهر أحد العميان العرفان وجعل يطوف في شوارع المسيحيين والحارت والأزقة وينادى أن قوموا من نومكم يا قوم، ففي هذه اللحظة يتممون رسامة أسقف أخميم. وظل ينادى ويصيح حتى استيقظ الناس وانطلقوا مسرعين إلى الدار البطريركية فتصدى لهم الحراس فاقتحموا الأبواب، وكثر الهياج، وكان في البطريركية بعض الأحباش نيام فاستيقظوا وسألوهم الخبر، فأوعزوا إليهم بإخراج الأساقفة من الكنيسة بالقوة، فأمسكوا القس وكسروا أبواب الكنيسة، واخرجوا الأساقفة رغما عنهم، واختلطت الأصوات وتعالى الصياح، واستمر الهياج خارج الكنيسة وداخلها وفي الشوارع المؤدية إليها حتى مطلع الفجر!!

ولما خابت جهود المتشعين (المُناصِرين والذين وراءه) للأسقف جعلوا يختلقون الأقاويل على القس داود، فأشاعوا انه في مدة إقامته بالحبشة تزوج من إمرأة حبشية وله منها ولدان، وكان أصل هذه الإشاعة قسيس حبشي كان مغتاظا منه بسبب ما ذهب إلى الحبشة من أجله، وكان قد أتى ليشي به بهذا القول إلى البطريرك ليعطل رسامته فوجده قد تنيَّح، ولما استقصى الناس عن حقيقة هذا الإشاعة أتضح كذب القس الحبشي.

ورأى القنصل الإنجليزي أن الفتنة كادت تعم، فحذر عباس باشا من سوء العاقبة، وكان الخلاف قد ظل قائما عشرة أشهر، انتهى بتوسيط الحكومة الأنبا كيرلس مطران الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة في الصلح بين الفريقين، ولم يوفَّق أولًا، لكنه أعاد الكرة ونجح أخيرا في إقناع الطرفين برسامة القس داود مطرانا عاما أو مطرانا لبابليون على رأى بعضهم، فإن ثبتت كفاءته قلدوه البطريركية بعدئذ، وان لم تثبت فيظل مطرانا لمصر، ويتجه الأقباط بعد ذلك إلى مرشح آخر، ثم كتبت له تزكية بذلك ووقع عليها كل من: الأنبا صرابامون أسقف المنوفية، الأنبا ابرام أسقف أورشليم، الأنبا باكوبوي (ياكوبوس - يعقوب) أسقف المنيا والاشمونين، الأنبا أثناسيوس أسقف منفلوط، الأنبا مكاريوس أسقف أسيوط، الأنبا يوساب أسقف جرجا واخميم، الأنبا إبرام أسقف قنا وقوص، الأنبا ميخائيل أسقف إسنا، الأنبا اسحق أسقف الفيوم والبهنسا والجيزة.

ومن رؤساء الأديرة: القمص عبد القدوس رئيس دير السريان، والقمص حنا رئيس دير البراموس، والقمص جرجس كاهن دير أبو مقار وإذ كان جماعة الأحباش لا يحبون القس داود ولم يرضوا عن رسامته اجتمعوا مع بعض العامة وبأيديهم العصي ودخلوا الكنيسة قبل إتمام الرسامة، وصاحوا في وجوه المصلين بالسب والشتم، واشتد الهياج، فهرب الأساقفة، وتعقب الأحباش القس داود ليقتلوه فاختفي، ولكن الكتلة كانت قد اتحدت على رسامته مطرانا، فرشم في اليوم الثاني باسم كيرلس وكان ذلك في يوم 10 برمودة 1569 / 1853 م.

وقد لاقى في أيامه هذه أسوأ معاملة وأسوأ مقابلة (فقام خصومه وحالوا بينه وبين إنجاز مصالح الطائفة، واشتدوا عليه شدة بالغة، حتى كان إذا أراد النوم لا يجد لرأسه وسادة ينام عليها، ولا لجبينه فراشا، وإذا جاع لا يقدمون طعاما إلا ما يسمحون به له، وإذا زاره احد لا يسمحون له بلقاؤه، أما هو فكان ساكن البال، رائق الحال لا يألوا جهدا في تأليف القلوب المتفرقة والنفوس المتنافرة، حتى طرحوا الخلاف جانبا، ومنذ ذلك الحين أخذ يباشر أعمال الطائفة.


أعماله بعد الرسامة:

بعد أن استقر الأنبا كيرلس في منصبه كمطران عام لجميع تخوم الكرازة المرقسية بدأ بهمة لا تعرف الكلل في تنفيذ مخططه الإصلاحى دون حساب لما يدور حوله، فوجه اهتمام إلى نشر التعليم بين أبناء شعبه، وكتب في ذلك منشورا مطولا ينتقد فيه طرق تعليم النشئ في الكتاتيب التي يديرها عرفاء فاقِدوا البصر، وجعل يحث الأراخنة والمعلمين وأرباب الحرف على المساهمة في جمع المال لإنشاء المدارس النظامية لتهذيب البنين والبنات ونشر المعارف الصحيحة في كل البلاد، فاستجاب الشعب لرغبته وانهالت العطايا عليه، فبلغ ما جمعه من تبرعات لهذا المشروع 44106 فرشا، وبالطبع كان لهذا المبلغ قيمته في تلك الفترة.

وكان أول عمل باشره هو بناء المدرسة الكبرى للأقباط وكانت إلى فترة وجيزة موجودة في فناء البطريركية القديمة بالدرب الواسع، كما اشترى عدة منازل وهدمها وأقام على أنقاضها مدرسة مسيحية ويقال أنه أنفق في بنائها 600 ألف قرشًا، فكان بناؤها موجبا لإجماع الجميع على اختياره بطريركا، وطلبوا من قنصل انجلترا معاونتهم على ذلك لدى عباس باشا الأول، واخذ فعلا موافقته بحضور الأساقفة ما عدا أسقفي أخميم وأبو تيج ورسم بطريركا ولقب بكيرلس الرابع في 28 بشنس 1570 س / 1854 م.

ومما هو جدير بالذكر أن الذين كانوا يوصَفون بالزايرجة وأصحاب الطوالع الفلكية من مرشحي الأنبا يوساب كما أسلفنا أشاعوا انه لو جاء كيرلس بطريركا فسوف يكون شؤمًا على حاكم البلاد، وتلعب الصدفة دورها ويقتل عباس الأول في قصره بينها في 14 يوليو 1854 أي بعد رسامته بطريركا بأربعين يوما فقط، فعمد البعض إلى تصديق هؤلاء الدجالين!


+ وكان من إصلاحاته المبكرة أيضا أن أصدر أيام أن كان مطرانا على مصر منشورا في 23 أغسطس 1853 يوصى فيه بالآتي:

1- منع الكهنة من عمل عقد أملاك عند إجراء الخطوبة حتى تترك فترة للتعارف.

2- تحذير الكهنة من تزويج البنات القاصرات.

3- تحذير تزويج النساء المترملات المتقدمات في السن من الشباب.

4- تحتيم أخذ رضاء وموافقة الزوجين قبل الإكليل المقدس.

ولما تمت رسامته بطريركا باحتفال عظيم قدمت عليه الوفود للتهنئة، أما هو فسعى لجمع قلوب الناس على المحبة وإزالة أسباب النفور حتى تم له ما أراد، ثم عكف على العمل لما فيه رقى الأمة القبطية، فنظم إدارة البطريركية والأوقاف، وأتم بناء المدرسة ليجعل التعليم في متناول الجميع بعد أن كان قاصرا على مدارس الدولة التي كان قد أنشأها محمد على واقتصرت على أبناء الوجهاء، وبعد جلوسه على الكرسي البابوى وسع مساحتها حتى تستوعب أكبر عدد من التلاميذ وافتتحها رسميا بحضور وجهاء الدولة في سنة 1855، وكان يقوم بكل مطالب التلاميذ من دفع مرتبات المدرسين واختارهم من المهرة في تعليم اللغات الحية من عربية وتركية وفرنسية وإنجليزية وإيطالية مع كافة المواد الأخرى التي أقرتها برامج المدارس الحكومية، وجعل فيها التعليم والكتب والأدوات بالمجان.

ومن شدة اهتمامه بها كان يزور غرف التدريس دائما كل يوم مرة أو مرتين، ويستمع لالقاء المدرسين للدروس، ثم أنشأ بالمدرسة قاعة يستقبل فيها الزوار لاسيما الأجانب الذين كان يكلفهم بفحص غرف التدريس وإبداء ملاحظاتهم عليها وما يؤول لنجاحها.

وكان يقوم هو نفسه بإلقاء بعض الدروس التاريخية والأدبية على الطلبة مما يناسب إدراكهم وسنهم، وجعل تعليم اللغة القبطية إجباريًا مع الإشراف على ذلك بنفسه، وإذ رأى أن بعض الطلبة من جهات بعيدة يتكبدون مشقة الحضور إلى المدرسة أنشأ لهم مدرسة بحارة السقايين كان يزورها كل أسبوعين، كما أنشأ بحارة السقايين مدرسة أخرى للبنات فكانت أول لفته في مصر لتعليم البنات، حيث كانت البنات تعانى من قبل من الجهل وعدم العناية بها.


مشكلة في طريق التعليم:

لقد كان إقبال الأقباط -رغم ذلك- على التعليم في مدرسة الأزبكية (الأقباط الكبرى) قليلا، فلم يزد عدد طلبتها على مائة وخمسين طالبا، وكان المشار إليهم في تعليم الأطفال حينئذ جماعة من العرفان، فلما أحسوا بما أجراه البطريرك سعوا يلقون بالفتنة ضده في البر، وجعل هؤلاء العرفاء يوهمون أهالي الأولاد بأن بين البطريرك والوالي عقدا على أن يجند له من الأولاد ألوفًا، وكان إذا وصل الدار البطريركية شيئ من الأدوات المدرسية بكوا وناحوا، وقالوا هذه آلات للحرب وإذ رأى البابا كيرلس الرابع هذا الخطر يتزايد من جراء إشاعات هؤلاء العرفان، بدأ يستميلهم بأن أشركهم في مراحل التعليم الأولى في الدارس التي أنشاها، فلم تمض مدة حتى بدأوا يرتلون بحمده ويستديروا مائة وثمانين درجة!!

ولقد أنجبت المدارس أبناء كثيرين تكلموا باللغات المختلفة، وكانوا من الأقباط المسيحيين منهم عبد الخالق ثروت باشا رئيس الوزراء في العشرينات من هذا القرن، وكان يدعو سنويا كبار القوم ليوزع الجوائز الفاخرة على التلاميذ النابغين تشجيعا لهم وتنشيطا لسواهم.

وقد كلف أحد قسوس الكنيسة الكبرى بالأزبكية (القمص تكلا) وكان يجيد الألحان بأن يختار من بين التلاميذ عددا من ذوى الأصوات الحسنة، وعهد إليه بتعليمهم، وأعد لهم ملابس خاصة ليقوموا بالخدمة في الكنيسة، مما دفع الأهالي للإعجاب بالمشروعات ودفعوا أولادهم على الالتحاق بمدارسة والانتظام فيها.

وبعد قليل تخرج من هذه المدرسة عدد كبير، واتفق إنشاء مصلحة السكك الحديدية بمصر فدخلوها موظفين، وانتشروا في محطاتها، وكانوا يؤدون أعمالهم باللغة الإنجليزية، وعمل بعضهم في البنوك وعند التجار لمعرفتهم باللغات الأجنبية.

كان اهتمامه عظيما باللغة القبطية وإحيائها، فطبع منها عدة كتب، وبدأ الطباعة بلندن، فتعلمها أعضاء الكتبة القبطية، وتكلموا بها، فكانت في آخر أيامه من أهم اللغات التي كان يتكلم بها أبناء المدارس لديه، وقد أنشأ حوالي 12 مدرسة منها مدرسة للبنات علا فيها التدريب المنزلى من طهى ونسيج وخياطة وتطريز وبعض أعمال الخدمة الطبية إلى جانب علوم الدين واللغات.





إصلاحاته الأخرى:

1- وجه عنايته إلى ترميم الكنائس وإعادة ما تخرب منها فأعادها إلى ما كانت عليه، ولما رأى صعوبة تحمل مساكن حارة السقايين والجهات القريبة منها المشاق لحضور الصلاة في الكنيسة المرقسية بالأزبكية سعى لدى سعيد باشا سنه 1572 س ليحصل على إذن ببناء كنيسة في تلك الجهة فصدر له في 5 ربيع الأول 1272 هجرية، فكرس مكانا بمنزل رجل شهرته القيصاوى ليكون كنيسة إلى حين التمكن من بناء جديد، وأقام أول صلاة شكر في تلك الكنيسة وبقيت كذلك إلى أن بنيت الكنيسة الحالية في عام 1881 م.

2- أما كنيسة البطريركية بالدرب الواسع بالأزبكية فقد وجد مبناها الذي كان قد بناه المعلمان إبراهيم وجرجس الجوهرى ضيقا متواضعا، وأن عمارتها ضعفت ومهدده بالانهيار فقام بهدمها من أساسها ووضع تصحيحا يليق بكاتدرائية كبرى تليق بمركز الرئاسة وترفع من شأن قومه أمام الجاليات الأجنبية، واحتفل بوضع أساسها يوم الخميس 6 مايو 1858 بحضور كثيرين من وجهاء مصر وكبار رجال الدولة إلا انه مات أثناء بنائها فأكملها خليفته وبمثريوس الثاني.


إنشائه للمكتبة:

عقب هذا التقدم والنجاح العلمي والديني، وجه نظره نحو إنشاء مكتبة تجمع الكتب النفيسة، فوجد في الدار البطريركية كثيرا من الكتب المهملة دون عناية، وبها كتب نفيسة للغاية، فجعل يصلح نظمها وتنظيمها ووضعها في مكان خاص بها أخذ يجمع من خزائن الأديرة الكتب الثمينة والسجلات المهمة لوضعها في المكتبة، كما أمر بتصحيح الكثير من كتب الكنيسة، حيث كانت تضم كثيرا من الحشاوي والتخاريف فأصلحها وضبطها.

إنشائه المطبعة:

عندما انتظمت مدارس البنين والبنات التي أنشأها، رأى أن رسالتها لا تكتمل إلا بوجود مطبعة تتولى طبع الكتب المدرسية، وما تحتاج إليه الكنيسة من الكتب الدينية على اختلاف أنواعها، وكانت حتى ذلك الحين تعتمد على الكتب المخطوطة التي حرفها النساخ أو كتبوها بخطوط رديئة تصعب قراءتها، فكلف صديقًا له يدعى رفلة عبيد الرومى بشراء مطبعة من أوربا وفعلا حقق له رفلة رغبته واشترى له مطبعة من إيطاليا، وصلت ميناء بولاق وكان يومها في دير الأنبا انطونيوس بالصحراء الشرقية، فكتب إلى وكيل البطريركية بالقاهرة بأن يستقبلها في زيه الكهنوتي ويكون الشمامسة بملابسهم الكهنوتية، وهم يرددون ألحان الفرح والسرور، ولما عابه البعض على ذلك بعد مجيئه من البرية، أجابهم لو كنت حاضرا فور وصولها لرقصت أمامها كما رقص داود النبي أمام تابوت العهد.

+ قام بتوسيع بعض الأديرة مثل دير السريان، وأرسل من قبله عمالا قاموا بقطع الأحجار من هضبة مجاورة، وزودهم بعربة لنقلها ونقل مواد البناء ومستلزماتها أثناء العمل.

+ نظرا لما كان يعرفه من خطورة بعض الكهنة وتأثير المادة عليهم، بدأ يصلح أحوالهم المعيشية وربط مرتبات شهرية لبعضهم حتى لا تقف المادة عائقا لخدماتهم، وبدأ في عمل مدرسة إكليريكية لتعليمهم.

+ كان راهبا صلبا، ولكنه بجانب عطفه على الرهبان الذين اختاروه رئيسا لهم في الدير إلا أنه كان قاسيا عليهم ليحد من حريتهم، فكان خشنا رسمى (أبو نبوت) فلم يسمح بخروج الراهب من ديره إلا للضرورة.

+ كانت المرأة تعد من سقط المتاع، إلا في مجال الأمومة، فجاء البابا كيرلس الرابع ليغيرها، فأصبحت شريكة الرجل في كل أطوار حياته، وعمل على تعليمها وتهذيبها في مدرسة خاصة بها وكانت الأولى في مصر، وقد اقتدت الحكومة به، ونظرت إليه كرائد اجتماعي وفتحت بعده مدارس البنات، كما حفظ للمرأة كرامتها فلم يكن يسمح بالطلاق إلا لعلة الزنا تطبيقا لمبدأ الإنجيل، كما كان يوصي أولاده المسيحيين بعدم التفريق بين الاثنى والذكر في الميراث فهم سواء لأن الله لا يميز بين روح الرجل وروح المرأة.

+ من الأعمال النافعة التي حققها أنه أقنع الحكومة باستعمال التاريخ القبطي، وقال في ذلك صاحب كتاب التوقيعات الإلهامية (في ابتداء 21 شوال سنه 1271 ه استعملت التواريخ القبطية بحسابات مصر) أي من أول أبيب 1571 شهداء الموافق 7 يوليو 1855، وبقى مستعملا إلى أن أبدل بالتوقيت الإفرنجي من أول ديسمبر 1875 م.

+ ومن تأثيره كذلك أنه نهض باللغة القبطية، وأصلح النطق بحروفها بمساعدة أحد مدرسي اللغة اليونانية في المدرسة العبيدية،

فنبغ في مصر وقتها كثيرون كان في مقدمتهم، المعلم عريان جرجس مفتاح - القمص فيلوتاوس إبراهيم عوض - برسوم إبراهيم الراهب - فانوس ميخائيل جرجس - الدكتور إبراهيم بك حلمي من مركز صحة السويس.

+ ولما صدر الفرمان السلطانى في 18 فبراير سنه 1856 بمساواة كل المواطنين والتمتع بكافة الحقوق، قام البابا كيرلس الرابع وتقدم إلى الوالي يطلب منه تطبيق نصوص الفرمان على جميع المصريين فوعده الباشا بذلك، ولكن عندما رآه يماطل في تنفيذه استاء من تهربه وتوجه إلى دير الأنبا انطونيوس ومعه الأنبا كلينيكوس بطريرك الروم الأرثوذكس الذي كانت تربطه به صداقة قويه، ومكثا هناك قرابة ستة أشهر، فانتهز قنصل فرنسا هذا الخلاف وعرض على البطريرك تسوية الأمر بينه وبين أمير البلاد شريطة أن يسمح للرهبان اليسوعيين بتأسيس مراكز تبشيرية في الحبشة إلا أن البابا رفض هذه الوساطة التي لا تتفق ومصلحة الكنيسة.

+ عندما تولى سعيد باشا الحكم واجهته مشاكل متعددة فيها الجيش والتجنيد، فجعل التجنيد إجباريا على كل المصريين، وشن نظاما للاقتراع يدعى بموجبه كل المصريين بلا فارق بينهم لحمل السلاح حتى الأقباط، وقد رحب البابا كيرلس بهذا ليكون القبطي مواطنا لأخيه المسلم ويكون هذا مبررا لرفع الجزية التي كانت تدفع بدعوى الدفاع عن المسيحيين، وان كان الأقباط قد خافوا ووقعوا ضده في هذا، إلا أنه استمر في موقفة وشجع سعيد باشا على هذا، ليكون للمسيحي شرف الجندية وشرف المواطنه كمصرى.


سفره الثانى إلى الحبشة:

وقع في أيام البابا كيرلس الرابع خلاف بين الحكومتين المصرية والحبشية بسبب تعيين الحدود بينها، وقيل أن السلطان عبد المجيد العثمانى هو الذي أوعز إلى سعيد باشا خديوي مصر بأن يرسل بطريرك الأقباط إلى البلاد الحبشة لعقد اتفاق بينه وبين ثيودور ملك الحبشة Tewodros II أو Theodore II الذي كان قد تعدى على بعض نقاط الحدود في إقليم هرر Harrar وحدثت مشاكل للتابعين في ذلك الوقت للحكومة المصرية العثمانية، فجهزت له باخرة، وقام البطريرك بهذه المهمة السياسية بدون أن يدرى به أحد إلا الذين رافقوه في السفر وبعض خدامه، وألفت النظر هنا إلى أن الكنيسة القبطية لا تعمل بالسياسة أصلا ولا تتدخل فيها إلا إذا طلب منها، وأن تنفيذها للسياسة في حدود ما تكلف به فقط ويقود إلى حياتها الدينية كما هو موضوع بها.

وقد سافر البابا كيرلس الرابع رغم أن السفر كانت تعلوه الكآبة ويشوبه التشاؤم من هذه السفرية، وكان يرافقه اثنان من أغوات المنزل (جمع أغا)، فانتهز فرصة طول السفر وتعلم منهم التركية.

ولما علم النجاش بقدومة خرج لملاقاته بموكب حافل على مسيرة ثلاثة أيام من عاصمة مملكته، وطلب منه أن يمسحه ملكا بحضور جميع ملوك الحبشة، وكان في الحبشة بعض من المرسلين الإنجليز المرسلين من (جمعية التبشير بالإنجيل) لبث تعاليم ما رتبه لوثر كينج البروتستانتية بين الأحباش، وقد تقربوا من النجاش بعمل المدافع وصنع الاسلحة لحبشة، وتعليمهم فنون الحرب والقتال، حتى سأل إليهم وأعطاهم الحرية ليجولوا في كل مكان، فكانوا يعبثون بطقوس الكنيسة القبطية، ولم يفلح مطران الحبشة في مقاومتهم، فانتهز فرصة وجود البطريرك ورفع أمرهم إليه، فبعد انقضاء الأفراح طلب البطريرك من النجاش أن يرد لبلاد مصر ما أخذه منها، فأجابه إلى طلبه بسرور زائد، ثم كلمه بشأن المرسلين الإنجليز وطلب منه ترحيلهم، فاعتذر بكونهم يعلمون جنوده فنون الحرب، فأفهمه أن الحال غير داعية للحرب، فأمر النجاش بإخراج المرسلين من بلاده، فحقدوا على البطريرك وعملوا على الانتقام منه.

وكان البطريرك قد بعث يطلب من سعيد باشا أن يسير إليه بعض الصناع والمعلمين، فدس إليه قنصل الإنجليز بأن كيرلس هذا يريد أن يسلم بلاده إلى النجاش، ومازال سعيد باشا حتى قام إلى الخرطوم بجيش عظيم، وفي الوقت نفسه كان الإنجليز يحيكون مكيدة أخرى ضد كيرلس لدى النجاش، فدسوا عليه أنه قدم لطرد الإنجليز الذين كانوا يعدون لك الآلات الحربية ليمكن والي مصر منه، وقد حمل إليه من قبل سعيد باشا كسو (كساء) مسموما إذا ما لبسته قضي عليه! وكان فعلا من بين الهدايا التي قدمها البابا كيرلس للنجاش برنسا مزركشا بالجواهر الكريمة فهاب النجاش الأمر، لاسيما لما علم بقدوم سعيد باشا بجيشه إلى الخرطوم، فأمر بسجن البطريرك وضيق عليه الخناق، وخشية من أن يفلت البطريرك، ويمسح ملكا آخر للحبشة سواه، اصطحبه معه، فكان يسوقه أمامه في كل مكان يحل به محاطا بالحراس وكان إذا جلس يقف أمامه، ويبكته بأغلظ الألفاظ.
تمكن البابا من أن يصل إلى والدة النجاش، وكانت تقية ورعة، وأفهمها بحقيقة الأمر، فتوسلت إلى ولدها من جهته، فسمح له أن يدافع عن نفسه، فتمكن من إقناعه بجليل مقاصده، ومن ثم طلب أن يلبس الثوب الذي ارتاب فيه فلبس البطريرك مدة يومين دون أن يصاب بأذى، ولبسه رجل محكوم عليه بالإعدام مدة ثلاثة أيام فلم يصبه سوء، وكان النجاش قد أمر بحرم البطريرك حيا، فعفي عنه، وأرسل البطريرك إلى سعيد باشا أن نجاحه متوقف على رجوعه من حيث أتى، فرجع سعيد باشا إلى مصر بقواته من الخرطوم، وهنا عرف النجاش حقيقة الموقف، واعتذر للبطريرك على سوء فعلته وذلك برفع حجر على رأسه كعادة الأحباش وكان قد مر أكثر من سنه منذ خرج الأنبا كيرلس من مصر ولم يرد عنه خبر أو يسمع عنه شئ،
( أنظر ستجد الكثير من سير الآباء بطاركة الكرسى المرقسى السكندرى هنا فى منتدى أم السمائيين والأرضيين ). وكان الناس قد قلقوا عليه كثيرا، وبعد سنه وأربعة اشهر حل مكتوب منه ينبئ بأنه وصل إلى الخرطوم ومعه اثنان من رجال حكومة الحبشة، أحدهما قسيس الملك والثاني وزيره، فسر الشعب بعد أن ظنوا أنه مات، ووصل إلى القاهرة في 17 أمشير 1574 ش. وقد استقبل استقبالا عظيما.


نهاية البابا كيرلس:

لم ينسى الإنجليز له موقفه هذا فدبروا له مأساة محزنه لقاء إيعازه للنجاش بطرد تابعيهم من الحبشة، ولم يمكنهم من أخذ السلطان، كما اشتد غيظ الإنجليز عندما علموا أنه ينوى توحيد الكنائس الأرثوذكسية، فبعد رحيل وزير نجاش إلى الحبشة شعر البابا كيرلس بتغير محمد سعيد باشا عليه واتفق انه اصطحب معه بطريركي الروم والأرمن إلى دير القديس انطونيوس كما أسلفنا ترويحا عن أنفسهم، فانتهز القنصل الإنجليزى ودس له عند سعيد باشا بأنه يريد توحيد الكنائس تحت حماية روسيا التي كانت مكروهة من السلطان ومن سعيد باشا، فأرسل سعيد باشا إلى مدير مديرية بنى سويف يأمره بأن يستدعى البطريرك فورا، فاستمهله أياما، فاشتد غيظ سعيد باشا، ويروى التاريخ أنه كان في أحد الأيام أن جاء إلى البابا رسول من قبل محافظ مصر يستدعيه إلى الديوان لأمر لا يتم إلا بحضوره، فلم يقبل الذهاب، وصرف هذا الرسول بالحسنى فعاد إليه مرة ثانية وثالثة، فلم ير البابا بدا من الذهاب، واصطحبه وغاب ساعة وعاد ووجهه يقطر منه العرق، وقد نزلت به حمى، فعرف العلة وأشار بالدواء، فلم يأته حتى أتاه طبيب محمد باشا بأمر منه، وأخذ في علاجه، وظل يعالجه أياما، وقد اشتدت عليه الحمى وعظم مرضه، وفقد الرشد وسقط شعر رأسه ولحيته على وسادته وانحل جسده.. ومات.

ويروى من كانوا حوله، انه لم يقبل السم في القهوة لأنه سمعهم يتكلمون بالتركية وكان يفهمها، ورجع إلى قلايته حزينا، حتى حضر إليه كل من صديقه ربيب الأرمن والخواجة حنا مسرة وأحضرا له طبيبا قالا عنه أنه أمين، ولكنه دس له السم في الدواء، ولما شعر به يمزق أحشاءه من الألم سلم أمره لله وجعل يردد

(لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، بل خافوا من يقتل النفس).
وكانت وفاته في ليلة الأربعاء 23 طوبه 1577 ش. / 1861 م. ودفن بقبره الذي كان قد بناه لنفسه بالكنيسة الكبرى، بعد أن قدم للكنيسة ولمصر كل هذه الأعمال الجليلة والإصلاحات الكبيرة ومن ثم دعي (أبو الإصلاح).

ولربنا المجد دائما ابديا امين .




تابع تاريخ الأباء بطاركة الأسكندريه فيما بعد.








التوقيع

آخر تعديل ملاك حمايه جرجس يوم 06-16-2013 في 03:20 PM.
رد مع اقتباس