منتدى ام السمائيين و الارضيين - عرض مشاركة واحدة - نزل إلي الجحيم من قبل الصليب
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-09-2011, 01:16 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية ابو بيشو
 

 

 
افتراضي







ما هذا الصمت الشديد الذي يُخيّم علي الأرض في هذا اليوم.

صمت شديد وهدوء قاتل. الصمت شديد لأن الملك نائم،

الأرض خشعت وهدأت لأن الإله المتجسد رقد بالجسد.

وأقام الذين رقدوا منذ بداية الدهر. مات الإله – بالجسد - فارتعد الجحيم،

رقد الإله – بالجسد - قليلاً فأنهض الذين في الجحيم.



أيها المخالفون، أين الاضطرابات والأصوات والضجّة التي أُثيرت ضد المسيح؟

أين الجماهير والثوار والجنود والفِرَق والأسلحة ؟

أين الملوك والكهنة والقضاة المُدانين؟

أين المشاعل الموقدة والسيوف والصرخات المُدَوِّية؟

أين الجماهير المزمجرة والحرّاس غير المحتشمين؟



لقد ثَبُتَ – في الواقع وبالحقيقة - أن كل ما دبرّوه كان باطلاً ولا نتيجة له.

لقد ارتطموا بحجر الزاوية – المسيح - فتحطموا.

ضربوا الصخرة الصلبة، لكنهم تلاشوا كتلاشي الأمواج عندما ترتطم بالصخور.

دقوا علي السِّندَان الصُّلب فتشتتوا إلي أجزاء متفرقة. رفعوا حجر الحياة علي خشبة، فتدحرج عليهم وقتلهم. قيَّدوا الإله العظيم، فكانوا كَمَن يريدون تقييد شمشون الجبَّار،

ففك المسيح الرباطات الأزلية، وعتق الغرباء والمخالفين. وضع المسيح في باطن الأرض فكان كالشمس التي تغيب، وبالتالي نزل علي اليهود ظلام حالك.



اليوم تم الخلاص من ناحيتين، للذين هم علي الأرض وللذين هم - منذ الدهر-

تحت الأرض.

اليوم خلاص العالم بأسره، المنظور وغير المنظور.

اليوم حضور السيد في ناحيتين؟

اليوم صار التدبير لجهتين.

اليوم تم نزول وتنازل ثنائي؟

اليوم تضاعفت محبة الله للبشر.

اليوم صار الافتقاد مزدوج.



نزل الإله من السماء إلي الأرض، ومن الأرض إلي ما تحتها. أبواب الجحيم تُفتَح، فتهللوا أيها الراقدين منذ الدهر، أيها الجالسين في الظلمة وظلال الموت

استقبلوا النور البَهِيّ بفرح.

فالسيد يأتي بين عبيده، والإله بين الأموات، والحياة بين المائتين،

والبريء بين المذنبين، والنور الذي لا يغيب بين الجالسين في الظلمة،

المُحَرّر بين الأسري، والذي هو أعلي من السموات يأتي تحت الأرض.

ونحن نؤمن أن المسيح بيننا علي الأرض. وأنه كان بين الأموات.

إذن فلننزل معه ونتعلّم مما نعلم عن ما هناك من أسرار. ولنعرف العجائب الخفيّة،

الغير منظورة، التي تحت الأرض، ولنتعلّم كيف كُرزَ للذين هم أيضاً في الجحيم.

ولكن، ماذا سيحدث عندما ينزل المسيح إلي الجحيم؟

أبنزول الإله إلي الجحيم يَخلُص الجميع بدون استثناء؟

لا. لأنه كما علي الأرض، هكذا أيضاً هناك يخلّص الذين آمنوا به.




فبالأمس (الجمعة العظيمة) رأينا ما لتدبيره، واليوم نري ما لسلطانه.
بالأمس رأينا آلامه واليوم نشهد لسيادته المطلقة.

بالأمس تبينّت ما لطبيعته البشرّية، واليوم ما للإلهية.
بالأمس لطموه، واليوم – ببرق لاهوته - يَشُقّ الجحيم المظلم.

بالأمس قيدّوه، واليوم هو الذي يُقَيِّد الطاغية (الشيطان بقيود لا تنحل).

بالأمس حكموا عليه، واليوم يُنعِم بالحريّة علي المحكوم عليهم (من قِبَل الخطية).

بالأمس استهزأ به كل مَن في حاشية بيلاطس، واليوم رأوه بوابو الجحيم فارتعدوا.



أيها الإنسان تطلّع إذن إلي آلام المسيح التي تعجز الكلمات عن وصفها،
تَطلَّع إليها وسَبِّح، تَطلَّع وسَبِّح، تَطلَّع ومَجِّد، تطلَّع وتحدّث بعجائب الله العظيمة.

انظر كيف أن الناموس يمضي وأن النعمة تُزهِر؟!

كيف تتراجع الرموز وتغيب الظلال وتَعُمّ الشمس كل المسكونة؟!

كيف يَبلَي القديم وتتأكد صحة الجديد؟!

كيف تمضي الأمور القديمة وتُزهِر الجديدة؟!



لقد كان هناك. في زمن آلام المسيح، في صهيون، شعبين معاً،

الشعب اليهودي كما كان هناك مَلِكَين: بيلاطس وهيرودس،

ورئيسي كهنة: حَنَّان وقيافا.

هكذا يتم الفصحان معاً، ينتهي الفصح اليهودي، ليبدأ فِصح المسيح.

في تلك الليلة قُدَّمَت ذبيحتان، تّم فيهما خلاصان: خلاصاً للأحياء وخلاصاً للأموات.

فمن ناحية، قَبَضَ اليهود علي حَمَل الذبيحة ليذبحوه، ومن جهة أخري قَبَضَ بعض الأممّيين علي الله المُتَّخِذ جسداً، وبينما بقي اليهود في الظلال سَعَت الأمم إلي رحمة الله.

اليهود يقيّدونه ويطردونه خارجاً، والأمم تَقبَله بكل فرح!

اليهود يقدّمون ذبيحة حيوانية، والأمم يفرحون بذبيحة الإله المُتَّخِذ طبيعة بشرّية.

اليهود يقدّمون ذبيحة الفصح تذكاراً لخروجهم من أرض مصر،

والأمم – باحتفال القيامة - يعلنون خلاصهم من الضلال.

وأين يحدث هذا؟ يحدث في صهيون مدينة الملك العظيم، حيث تّم الخلاص في وسط الأرض، بيسوع ابن الله، المولود من الآب الحّي ومن الروح القدس المحيّي.

الله هو الحياة من الحياة، وهو مُعطي الحياة بطبيعته، هو الذي وُلِدَ في مذود

بين حيوانين (الثور والحمار) وبين الملائكة والبشر،

هو الذي جعل شعبين يجتمعان فيه كحجرٍ الزاوية،

وهو الذي كُرِزَ به في الناموس والأنبياء.



هو الذي ظَهَر علي جبل (تابور) بين موسى وإيليا.

هو الذي بينما كان مُعَلَّقاً بين اللصين اعترف به اللص اليمين إلهاً.

هو الذي يجلس علي كرسيه كديّان أبدي ليس في وسط هذه الحياة الحاضرة فقط،

بل وفي وسط الحياة الآخرة.

هو الذي بوجوده بين الأحياء والأموات يمنح الحياة والخلاص معاً،

وهو يمنح أيضاً حياة ثانية، وولادة ثاني


إذن، تَطَلَّع إلي ما يحدث وكَرِّم ولادة المسيح – المزدوجة والعجائبية -

من الآب ومن العذراء بالروح القدس.

ملاك يُبَشِّر مريم والدة الإله بميلاد المسيح، وملاك آخر يُبَشِّر مريم المجدلية

(بقيامة المسيح) من القبر.

في الليل يُلد المسيح في بيت لحم، وفي الليل أيضاً يُولَد من جديد

(من بين الأموات) في صهيون.

يُلَفّ بالأقمطة عند ولادته، ويُلَفّ بالأكفان عن موته.
في ميلاده يَتَقَبّل الأطياب (من المجوس). وعند القبر توضع الأطياب علي جسده.

هناك يوسف خطيب مريم يخدمه، وهنا يوسف الرامي يَتَطَوّع لدفنه وهو حياة الكل.

كان مكان ميلاده مذود في بيت لحم، وكان القبر له كمذود وُلد فيه من جديد.

أوّل من بشّر بميلاد المسيح كانوا الرعاة، وأول من بشروا بولادته الجديدة

من بين الأموات هم تلاميذ المسيح الذين هم رعاةً أيضاً.

هناك هتف الملاك قائلاً للعذراء: "افرحي"، وهنا هتف المسيح ملاك المشورة العظمي قائلاً للنسوة: "افرحن".

بعد أربعين يوماً من ميلاده دخل المسيح أورشليم الأرضية، أي إلي الهيكل، ولأنه البكر قدّم لله زوج حمام، وأيضاً بعد أربعين يوماً من قيامته دخل المسيح إلي أورشليم السمائية –التي لم يفارقها - إلي قدس الأقداس

ولأنه البكر بين الراقدين قدّم لله الآب زوج حمام بلا عيب أي النفس والجسد البشريين.

هناك في السماء تَقَبَّله قديم الأيام، الله الآب في حضنه الأبدي، بطريقة لا تُوصف ولا يعبّر عنها، كما في هذا الهيكل علي الأرض حين تَقَبَّله علي ذراعيه سمعان الشيخ
في وقار وخشوع.
وإن لم تؤمن بهذا فإن الأختام المحفوظة تدينك.

الأختام الموضوعة علي القبر السيّدي الذي منه خرجت الحياة الجديدة.

وكما وُلِدَ المسيح من العذراء وأختام البتولية محفوظة،
هكذا أيضاً قام المسيح ثانية من القبر وأختام القبر لم تُفَك.
كيف، متي، ومَن دَفَنَ المسيح الذي هو الحياة؟
لنسمع ماذا تقول الكتب المقدسة: "لما كان المساء جاء رجل غني من الرَّامة اسمه يوسف، وكان هو أيضاً تلميذ ليسوع، فهذا تَقَدّم إلي بيلاطس

وطلب جسد يسوع".



دخل المائت (يوسف الرامي) إلي المائت (بيلاطس) ليطلب

أن يأخذ الإله مُعطي الحياة!

جُبلة تطلب من جُبلة أن تأخذ جابل الكل!

عُشب يطلب من عشب أن يأخذ النار السماوية !

وكأن قطرة ماء تطلب من قطرة أخري أن تُعطيها المحيط كله !

مَن رأي؟ ومَن سمع هذا الذي لم يُسمع به من قبل؟
إنسان (مخلوق) يهب خالق الكل لإنسان (مخلوق) مثله !

إنسان بلا ناموس يَعد بأن يهب واضع الأحكام والنواميس !

وقاضي بلا قضاء حَكَمَ بأن يوضع قاضي القضاة في القبر !

ويقول الكتاب: "لما كان المساء جاء رجل غني اسمه يوسف".

إنه بالفعل غني، إذ أنه أخذ شخص الرب بكامله،

بالحقيقة غني، لأنه أخذ طبيعتا المسيح (متحدتين في شخصه)

من بيلاطس.

غَنِي، لأنه استحق أن يأخذ اللؤلؤة الثمينة.

غَنِي، لأنه أخذ بين يديه خزينة تحتوى بكاملها الذخيرة الإلهية.

كيف لا يكون غنياً وهو الذي حصل علي المسيح حياة وخلاص العالم.
كيف لا يكون يوسف غنياً بعد أن تَقَبَّل – كهدية - ذاك الذي يُطعم ويدّبر كل الخليقة !



"لما كان المساء"

لقد غاب شمس البرّ في الجحيم. لذلك جاء رجل غني اسمه يوسف الرامي –
وقد كان مختبئاً خوفاً من اليهود - وجاء معه نيقوديموس
الذي كان قد جاء هو قبل ذلك أيضاً إلي يسوع ليلاً.

إنه سرّ الأسرار الخفيّة: يأتي تلميذان في الخفاء ليُخفِيّا يسوع في القبر.

وبنفس طريقة الخفاء هذه يَعلمان السرّ الخفي في الجحيم،
سرّ الله الذي توارى في الجسد. الواحد ينافس الآخر في رغبة خدمة المسيح، نيقوديموس يُحضر الطيب والدهن بكل سرور، ويوسف الذي يستحق كل مدح

– إذ نزع من نفسه كل خوف – تَقدّم بجرأة وشجاعة وطلب جسد يسوع من بيلاطس، ولكي يصل إلي هدفه المنشود استخدم كل حكمة وحِذق في الكلام.
لذلك لم يكن حديثه مع بيلاطس (عن يسوع)، حديثاً مليئاً بعبارات الإعجاب بأعمال المسيح المُعجِزِيّة، لئلا يُغضبه ويفشل هو في تحقيق غايته،

ولا قال له: "أعطني جسد يسوع الذي منذ قليل جعل الشمس تُظلِم، والصخور تتشقق والأرض تتزلزل، والقبور تتفتح. وحجاب الهيكل ينشق.
لم يقل شيئاً من هذا لبيلاطس، لكن ماذا قال له؟

"لي طلبٌ عندك. طلبٌ صغير يا سيدي أطلب إليك تحقيقه، وهو طلب بسيط جداً..

وهو أن تعطني أن أدفن جسد ذلك المائت الذي حَكَمت عليه بالموت، جسد يسوع الناصري، يسوع الفقير الذي لا بيت له، يسوع (المصلوب) مُعلّقاً، وعُرياناً،

يسوع المُزدرى، يسوع ابن الإنسان، يسوع المربوط (علي الصليب)،
يسوع المصلوب في العَراء، والغريب المجهول بين الغرباء،
والمرزول بالأكثر بين المُعَلَّقين (علي الخشبة).



أعطني هذا الغريب، ففيما يفيدك جسد هذا الغريب؟
أعطني هذا الغريب، الذي جاء من كورة بعيدة ليُخَلِّص الإنسان المُتَغِّرب.
أعطني هذا الغريب الذي نزل إلي الظلام ليرفع الإنسان الغريب.
أعطني هذا الغريب، لأنه هو غريب بالفعل.
أعطني هذا الغريب، لأننا – نحن الغرباء – لا نعرف بلده.
أعطني هذا الغريب، لأننا – نحن الغرباء – لا نعرف أبيه.
أعطني هذا الغريب، لأننا – نحن الغرباء – لا نعرف مكان وطريقة ولادته.
أعطني هذا الغريب، الذي عاش حياة الغريب بين الغرباء.
أعطني هذا الغريب، الناصري، الذي ليس له أين يسند رأسه.
أعطني هذا الغريب، الغريب الذي لا بيت له بين الغرباء، المولود في المذود.
أعطني هذا الغريب، الذي تَغرَّب حتى عن هذا المذود لكي يهرب من هيرودس.
أعطني هذا الغريب، الذي وهو مازال في الأقمطة تَغرَّب في أرض مصر فصار
بلا قرية، بلا منزل، بلا مأوي، غريباً في بلد أجنبي.
أعطني، سيدي، ذلك المصلوب علي الخشبة عُرياناً، لأستر عُرى طبيعتي.
أعطني هذا المائت، الذي هو بالحقيقة إله، لأنه هو الذي ستر تعدياتنا.
أعطني يا سيدي هذا المائت، الذي دَفن خطيئتي في نهر الأردن.
أتوسل إليك من أجل مائت ظَلَمه الجميع، تَرَكه الصديق،
سلّمه التلميذ، طَرَده الإخوة، وضَربه العبد.

أتوسل إليك من أجل مائت متروك من تلاميذه، محروم حتى من أمه،

محكوم عليه مِمَّن حررّهم من العبودية، (وأيضاً) مِمَّن شفاهم.

أتوسل إليك يا سيدي من أجل مائت معلّق علي خشبة: بلا مأوى،

لا أحد يقف بجانبه، لا أب علي الأرض ولا صديق، ولا تلميذ، ولا قريب بالجسد،
ولا حتى إنسان مهتم بالدفن. وهو أيضاً وحده إذ هو الابن الوحيد،
الإله الذي لا إله سواه في هذا العالم.


وبمثل هذا الكلام كان يتحدث يوسف مع بيلاطس الذي أمر بأن يُعطى له جسد يسوع الكُلّي القداسة. ثم جاء يوسف إلي الجُلجُثة وأنزل الإله المتجسد عن الصليب،
وبَسَط الإله المتجسد علي الأرض وهو عُرياناً، الإله المتجسد
(وليس الإنسان المتعالي).



الذي جَذَب الجميع إلي فوق يُرى الآن مُمدَّداً تحت، هنا علي الأرض، الذي هو نَفَس وحياة الكلّ يبقي لفترة بدون نَفَس.
الذي خلق الشاروبيم المملوئين أعيناً، يُرى وقد أغمض العينين،
الذي هو قيامة الكلّ يرقد علي ظهره علي الأرض!
مات الإله بالجسد وهو الذي أقام الأموات. يصمت لفترة هدير كلمة الله (بالجسد).
الذي يمسك الأرض كلها بقبضته، ترفعه الأيادي البشرّية.
أَتَعرِف بالحقيقة؟، أَتَعرِف يا يوسف، بعد أن طلبت وأخذت،
أَتَعرِف مَن تَسَلَّمت؟ وبعد أن اقتربت من الصليب وأنزلت يسوع،
هل تعرف بالحقيقة مَن كنت تمسكه بيديك؟ إن كنت قد عَرِفتَ فعلاً
فإنك تكون قد أصبحت غنياً، وإلا كيف أتممت عمليّة الدفن الرهيبة،
أعني دفن يسوع الإله المتجسد؟

إنّ رغبتك (لإتمام هذا العمل) لهي أمرٌ جدير بكل مديح، لكن استعداد نفسك للقيام بهذا الأمر لهو الأجدر بالمديح. ألم ترتعد عندما حَملّت علي يديك هذا الذي يرتعد منه الشاروبيم؟ وأي خوف اعتراك وأنت تُعرِّي الجسد الإلهي من الثوب الذي كان يستره؟ وكيف كان خشوعك وأنت تغلق عينيه؟
ألم ترتعد وأنت تُحدِّق في الطبيعة الجسدية للإله الفائق الطبيعة؟
قل لي بالحقيقة يا يوسف، هل دفنت (يسوع)
المائت (ووجهه) ناحية الشرق وهو أصل كل شروق؟
هل أغلقت عينيه بأصابعك كما يليق بكل الأموات وهو الذي فتح بأصبعه المقدس
عيني الأعمى؟
هل أغلقت فم ذاك الذي فتح فم الأصم الأبكم؟
هل قَيَّدت حركة يدي ذاك الذي حرك اليدين اليابستين؟
أم انك ربطت رجلي يسوع وهو ميت، مع انه هو الذي حرّك القدمين اليابستين؟
ربما حملت على السرير ذاك الذي يحمل الأموات
والذي أمر المخلع قائلا: "احمل سريرك وامش"!
ربما سكبت طيباً على ذلك الذي هو الطبيب السماوي
عندما أخلي ذاته ليُقدّس العالم كله؟ هل يا تُرَى تجرّأت ومسحت جنب يسوع الدامي
وهو الإله الذي شَفَى نازفة الدم الحزينة؟ هل غسلت جسد الإله بالماء وهو الذي غَسل خطايا الكل ووهب التطهير للجميع؟
أي سراج أشعلت أمام النور الحقيقي الذي يُنير كل إنسان؟

أي لحن جنائزي أنشدت لذاك الذي تُرَنم له كل القوات الملائكية بلا فتور؟

هل بكيت على يسوع، كميت وهو الذي دَمَع وبكى وأقام لعازر

بعد أن ظلّ في القبر أربعة أيام؟
هل نُوحت على ذلك الذي منح الفرح للكل وأبطل حزن حواء؟
طوبى ليديك يا يوسف على كل حال،

لأنهما لامستا اليدين الإلهيتين وقدمي يسوع النازفتين دماً.

طوبى ليديّك اللتين مَسَّتا جنب الإله الدامي قبل أن تَمسَّه يدا توما فضوله الممدوح.

طوبى لفمك الذي شبع ممن لا يُشبع منه واتحد بفم يسوع،

فامتلأ منه بالروح القدس.

طوبى لعينيّك اللتين قابلتا عيني يسوع وأخذتا منهما النور الحقيقي.

طوبى لوجهك الذي واجه وجه الرب الإله.

طوبى لكفيك اللذين حملا ذلك الذي حمل الجميع.

طوبى لرأسك الذي اقترب من يسوع رأس الجميع.

طوبى ليديك اللتين أمسكتا ذاك الذي يُمسك الكُلّ بيديه.

طوبى لكما يا يوسف ونيقوديموس لأنكما أصبحتما شاروبيماً

مثل الشاروبيم عندما حملتما الإله ورفعتماه،

(وطوبى لكما أيضاً) لأنكما صرتما مثل السيرافيم ذي الستة أجنحة

عندما أكرمتما الإله وخدمتماه، وسترتماه، لا بالأجنحة بل بالأكفان.



والذي يَرتَعد منه الشاروبيم يحمله يوسف ونيقوديموس

على أكتفاهما وينقلانه مع كل الأجناد السماوية!



جاء يوسف ونيقوديموس ومعهما كل جوقة الملائكة،
الشاروبيم يقبلون السيرافيم يسرعون، (المسيح) تحمله العروش،
يستره الملائكة ذوو الستة أجنحة، يرتعد معها (الملائكة) الكثيرو الأعين
عندما يرون أن عينا يسوع (الجسديتان) لا ترى.

القوات الملائكية تلتف حوله والرؤساء ترنم له والطغمات تقف مرتعدة

والكل في دهشة وإنخطاف كبير وهم يتساءلون: ما هو هذا الأمر الرهيب،
الأمر المخيف الأمر المرعب، كيف يحدث هذا ؟

ما هو هذا المشهد العظيم المتناقض وغير المُدرَك؟

فالإله الذي لا نتجاسر نحن العديمي الأجساد أن ننظر إليه في السماء

بسبب رعدتنا، يظهر هنا على الأرض كإنسان عُريان مائت!

والذي يقف أمامه الشاروبيم بكل خشوع يدفنه يوسف ونيقوديموس بكل حماس.

متى نزل على الأرض هذا الذي لم يغب عن السماء؟

وكيف خرج خارجاً وهو الكائن في الداخل؟

كيف خرج خارجاً وهو الذي لم يزل داخلاً؟

وكيف جاء إلي الأرض وهو الذي يملأ الكل؟

وكيف تعرّى وهو الذي يستر الجميع؟







التوقيع

آخر تعديل ملاك حمايه جرجس يوم 09-13-2012 في 10:06 PM.
رد مع اقتباس