![]() |
الصلاة وحراسه القلب
+ الصلاة وحراسة القلب[1] " الذي يتهاون بصلاته ، ويظن أن ثَّمة باب آخر للتوبة ، فهو مخدوع من الشياطين " (مار إسحق السرياني) " الصلاة هي رجوع التائب إلي الله ، هي بكاء الساقط أمام الله ، هي انسكاب شعور القلب في طلبات وتضرعات وتنهدات الإنسان الساقط الذي قتلته الخطية " (الأسقف أغناطيوس) " ضبط العقل هو علامة التوبة الصادقة ، هو التجاء النفس إلي ذاتها ، هو كره العالم والارتقاء إلي الله ، هو نبذ الخطية واقتناء الفضيلة ، هو حق غفران الخطايا الأكيد ، هو بداية التأمل أو بالحرى صفته الضرورية ، لأن بواسطة ضبط العقل يقترب الله ويظهر ذاته للعقل ، ضبط العقل هو صفاء العقل أو بالحرى وقوفه الثابت غير الجائل بواسطة موهبة رحمة الله ، ضبط العقل يعني بتر الأفكار ، هو مسكن ذكر الله وكنز القوة ليتحمل الإنسان كل ما يصيبه . ضبط العقل إذن هو مصدر الإيمان والرجاء والمحبة " ’’ لنفتش عن كنز الكائن في داخل قلوبنا ، وعندما نجده ، يجب أن نضع أيدينا عليه بقوة حتي نحافظ عليه ونحميه ‘‘ (القديس نيسيفورس المتوحد) سأل أحد الأخوة أنبا أغاثون : ’’أخبرني أيها الأب ، أيما أعظم ، العمل الجسماني أم حراسة القلب ؟ ‘‘ أجاب الأب : ’’ يشبه الإنسان شجرة ما ، العمل الجسماني هو بمثابة الورق ، وحراسة القلب هو الثمر وقد جاء في الكتاب المقدس .. كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقي في النار (مت10:3) . إذن من الواضح أن يكون كل اهتمامنا بالثمر ( أي بحراسة العقل) ، ومع ذلك فالأوراق التي تغطي وتزين الشجرة (أي العمل الجسماني) مهمة أيضاً ‘‘ . بهذا الأسلوب أدان القديس كل هؤلاء الذين لا يحرسون عقولهم ، ويفتخرون بممارسة الفضائل فقط . ’’ إن حراسة الأفكار شيء ، وحراسة العقل شيء آخر . كبعد المشرق عن المغرب ، هكذا يكون ارتفاع الأخيرة عن الأولي ، لكنها بدون مقارنة أكثر صعوبة تماماً . فاللصوص عندما يرون أسلحة الملك علي أتم الاستعداد في مكان ما ، لا يهاجمون هذا المكان باستخفاف . كذلك من يقوم بأداء الصلاة المنبثقة من القلب ، ليس من السهل أن تغريه وتسلبه لصوص العقل ‘‘ (يوحنا الدرجي) كان القديس يوحنا سابا (الشيخ الروحاني) يطلب من تلاميذه الرهبان أن يحرسوا عقولهم أول كل شيء ، ولم يسمح لهم بأن يعيشوا في قلاية منفردة إلاَّ عندما يكتسبون مهارة حراسة العقل . والآن بعد أن علمنا أهمية حراسة القلب ، وأنها ضرورة حتمية لكل امرئ يحارب من أجل السيد المسيح ، وأنها تحرر النفس من العواطف الجّياشة ، وبالمحبة تضمنها مع الله . نريد أن نعرف الآن ماهية ضبط العقل ؟ وكيف نحصل عليه ؟ !! يجب أن نعلم أنه لا يستطيع أحد أن يضبط عقله بنفسه ، ما لم يضبطه الروح القدس ، لأنه لا يمكن ضبطه . ليس من أجل طبيعته المتحركة ، لكن لأنه بواسطة الإهمال يكتسب العقل عادة الجولان والدوران هنا وهناك ، وبواسطة التعدي علي وصايا الله أصبحنا منفصلين عنه ، وفقدنا إتحادنا به ودمَّرنا في شعورنا الإحساس الروحي به . ولا توجد طريقة لاسترجاع ثباته إلا بالتوبة إلي الله ، والاتحاد به عن طريق الصلوات المستمرة في طول أناة ، والإعتراف له روحياً كل يوم بخطايانا ، حتي نعترف علي يد آبائنا الروحيين في سر الإعتراف ... بهذا تستقر الصلاة في القلب وتبدأ في حفظ العقل . ومع ذلك ، قد يحدث جولان للأفكار حتي بعد هذا ، لأن الأفكار لا تخضع خضوعاً تاماً إلا للكاملين فقط في الروح . يقول القديس سمعان اللاهوتي الجديد[2] ’’ من الصعب علي الإنسان الذي يتلو كلمات كثيرة في الصلاة أن يكون علي وعي بكل ما يتلوه ، لكن الإنسان الذي يصلّي بكلمات قليلة ، يدري ويعي ما يقوله في الصلاة . هؤلاء الذين لا يدرون تماماً بكل ما يقولون ، تعلّموا أن يقولوا أشياء كثيرة ، لكن الإنسان الذي يتعلم أن يكون علي وعي بما يتلوه في الصلاة ، لا يستطيع أن يقول أشياء كثير خشية أن يصير عقله مشوشاً‘‘ . من أقوال الأب كاليستوس بطريرك القسطنطينية ، وزميله الأب أغناطيوس كسانتوبولس [3] ’’ بداية كل عمل يرضي الله ، هو أن ندعو بإيمان اسم مخلص الحياة ربنا يسوع المسيح ، كما قال هو نفسه ’’بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً‘‘ (يو5:15) . مع السلام والمحبة المصاحبين لهذا النداء . هذان الاثنان _ السلام والمحبة[4] _ لا يجعلان فقط الصلاة موافقة ، بل هما يتجددان ويتلألآن من هذه الصلاة ، كالأشعة الإلهية غير المنفصلة التي تزداد وتصل إلي درجة الكمال . قال القديس مكاريوس الكبير ’’ من يريد أن يأتي إلي الله ليستحق الحياة الدائمة ، وليكون مسكناً للسيد المسيح ويمتلئ من الروح القدس ، ينبغي أولاً أن يكون له إيمان ثابت بالله ، وأن يتفرغ لعمل وصاياه ، ويرفض شهوات العالم بالكمال . فإن كان عقله مشغولاً بشيء مما يري فحينئذٍ عليه أن يلازم الصلاة ، ويكلِّف نفسه القيام بكل عمل صالح . وإن كان قلبه لا يريد _ أما لسبب قتال أو لتأصل عادة رديئة أو لعجز وقلة صبر _ فليجاهد ليخطف ملكوت السموات ، لأن الغاصبين يخطفونه ‘‘ قال مار إسحق : ’’ من أقتني الفضائل العظيمة مثل الصوم والسهر وخلافه .. ولكنه لم يقتن حراسة القلب واللسان ، فإنه في الباطل يتعب ويعمل . إذا وُضعت كل أعمال التوبة في ناحية ، والحفظ في ناحية أخري ، فإن الحفظ يرجح . زبل (سماد) وماء التوبة هما الضوائق والمحقرات والتجارب . وموتها حب الأرباح والكرامة والراحة . 1) يوجد ثلاث تعبيرات تبدو متداخلة ، حراسة الأفكار وحراسة العقل وحراسة القلب . حراسة الأفكار المقصود بها ضبط الفكر ، أي عدم السماح لأي فكر أن يدخل إلي العقل بدون إرادة الإنسان ، بل يسيطر الإنسان علي فكره ، ليجعله يفكر في الأمور الروحية فقط . أما حراسة العقل وحراسة القلب فالمقصود بها إتحاد العقل مع القلب لتقديم صلاة نقية لله خالية تماماً من الأفكار والتشتت . 2) (949-1022) أحد كبار رهبان الكنيسة اليونانية . أُدخل البلاط الإمبراطوري في التاسعة عشر من عمره ، إلا أنه سرعان ما هجره ليدخل الدير ، وكان رئيساً لدير ماماس لمدة 25 سنة . 3) هو بطريرك القسطنطينية لبضعة أشهر من عام 1397م وكان قد تدرب علي الزهد في جبل آثوس كراهب . ألّف مع صديقه إغناطيوس كسانتوبولس رسالة في حياة الزهد . 4) عادة ما يصاحب صلاة القلب ( صلاة يسوع ) شعوراً داخلياً عميقاً بالفرح والسلام الداخلي والمحبة نحو كل الخليقة . |
مرسي على الموضوع المميز ولتعب محبتكم و لخدمتكم الممثمرة
|
الساعة الآن 05:29 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات ام السمائيين و الارضيين