الأم صوفيا ، ناسكة السيدة
الأم صوفيا ، ناسكة السيدة .. وُلِدت صوفيا ساوليدي " ناسكة السيدة " من أبوين هما أماناتيو وماريا ساوليدي ، في قرية ترابيزود من أعمال البنطس في آسيا الصغرى ، وذلك سنة 1883 . هناك وبعد عدة سنوات سنة 1907، تزوجت من يوردانوس هورتوكوريدو ، الذي اختفى بعد سبع سنوات من زواجِهما ( على الأغلب رغماً عنه ) ، وذلك سنة 1914، فأصبحت وحيدة مع طفلٍ حديث الولادة الذي سرعان ما توفِّي . ساهمت هذه المآسي في تشكيل روحها التُّقوية التّائبة ، مما جعلها تتَّكلُ بالكامل على الله . بدأت نسكها الرهباني في منطقة البنطس ، على جبلٍ بعيد من أقاربِها , هناك ، ظهر لها يوماً ، ( القديسُ جاورجيوس ) طالباً منها أن تُحَذِّرَ القرويين من اضطهادٍ مُقبِلٍ لكي يتواروا ، وهكذا أَنقَذَتِ القرية . كانت نفسُها تَلهجُ بالمسيح ووالدةِ الإله ، بمحبتها البسيطة المتواضعة لهما . كانت تقولُ عن المسيح والعذراء : " واحدٌ هو الله وواحدةٌ هي السيدة ، وما نحن إلا أنسباء لهما " . كانت معلِّمَةَ البساطة ، خاصّة للنساء ، فكل كلمة تخرج من فمِها كانت تحمل التواضعَ والمحبة . وكما كان الأمرُ في الماضي ، مع " المتبالهين من أجل المسيح " ، لم يكن المتكبرون والمتعلِّمون يعرفون قيمتَها بالقَدْرِ نفسِه الذي كان يحدث مع أصحاب القلوب المتواضعة . جاءت إلى اليونان كمنفيَّةٍ ، سنة 1919.وكانت السفينةُ التي أتت بها على اسم ( القديس نيقولاوس ) . لذا ، عندما وصلوا إلى اليونان ، ظهرت لها والدةُ الإله وقالت : " تعالي إلى بيتي " . فسألَتْها صوفيا : " أين هو بيتُكِ ..؟ " . أجابت العذراء : " أنا أقيم في كلايسورا " . لذا ذهبتْ واستقرَّت في دير ميلاد والدة الإله في كلايسورا التابعة لكاستوريا ، وكانت في الرابعة والأربعين من العمر . كان رئيسُ الدير هناك ، غريغوريوس ماغداليس ، وهو راهبٌ آثوسيٌّ ذو فضائل . تعلَّمَتْ صوفيا الكثيرَ منه ، وكانت تَذكر اسمَه دائماً ، بكثير من الاحترام . عاشت صوفيا ، بناءً على أمرِ والدةِ الإله ، في موقد الدير في المطبخ ، وكان يُستعمَلُ أيضاً لإعداد الطعام . كانت تنام هناك ، ساعتين كل ليلة ، وتُمضي ما تبقّى من الليل ساجدةً على ركبتيها . كان المكان بارداً ، خاصّةً في الشتاء ، حيث كانت قطراتُ مياهُ المطر تتساقطُ عليها , أحياناً كانت تُشعلُ ناراً ، لكن ذلك لم يكن كافياً . عند النافذة , كانت توجد دائماً شمعةٌ مضاءةٌ أمام الأيقونة الجدارية للفائقة القداسة . هناك كانت تأكل وتمضي وقتها . وحين كان يأتيها زائرون ، كانت تقول أسماءهم حتى قبل أن يُعَرِّفوها بنفسِهم . كان الناسُ يأتون من تسالونيكي والمناطق المحيطة بها ، أو حتى من مناطق بعيدة كأثينا ، فقط لكي يشاهدوها . دائماً ما كانت تَذكُرُ أسماء الأشخاص ومشاكلَهم العائلية دون أن تُبَلَّغ بذلك . من بين أولئك الزوّار ، كان هناك الأب ليونيداس باراسكيفوبولوس ، الذي صار فيما بعد مطراناً ، والذي كان يقول : " لديكم هناك ، كنزٌ لا يُقَدَّرُ بثَمَن " . كانت ثيابُها رَثَّةً ، وبطانيتُها مليئةً بالثُّقوب ، وكذلك الأمرُ مع صندَلِها . كان الناس يُقدّمون لها الثّياب بعد رؤيتهم معاناتَها من البرْد والرّطوبة ، لكنها كانت تتسلَّم الثياب بيَد وتُعطيها للفقراء باليد الأخرى . كانت دائماً تضع على نفسِها وشاحاً أسود ، وهي لم تستحمَّ منذ أن كانت في البنطس . كانت مثابِرةً في صومها ، ولم تسمح لنفسها بالزَّيت سوى في نهاية الأسبوع . لم يكن اهتمامُها فيما ستأكل ، فالطعام هو فقط للاستمرار ، أما فيما يخص النظافة فكان اهتمامُها أقلّ ، حتى أنها تتناول الطعام دون غسلِه . ورغم الجراثيم والديدان ، فقد حافظت على صحَّة جيّدة . غالباً ما كان الزوّار يقدمون لها المال ، وهي كانت تخبِّئه في أي مكان تصل إليه . وحين يحتاجُ أحدُهم إليه ، سرعان ما كانت تأتي به وتقدمه له . لقد شاهدَتِ العديدَ من الأمور المُخزية التي قام بها الكهنة والعلمانيون ، إلا أنها لم تنتقدْ أحداً . كانت تقول : " أُستُرْ ما تراه يستُرْكَ الله " . سرعان ما ارتفعت شعبيتُها ، إذ كان الناسُ يأتون لرؤيتِها ، ليس فقط من كل أنحاء اليونان ، بل من أمكنة أخرى كفرنسا وفلسطين . إلا أن بعضَ القرويين كانوا يتناولونها بالسُّخرية ، فينعَتونها بـ " صوفيا المجنونة " . الكثيرون كانوا يعتبرونها مثل مريم المصرية بسبب نحولها , فتبدو مثل هيكل عظمي ، وكذلك بسبب جلدها الشديد الجفاف . فهي على أي حال ، كان لها الجمالُ الداخلي نفسُه الذي كان للقديسة مريم . حوادثُ عجائبية . عظيمةً كانت محبتُها لله وللبشر ، فقد كانت لها خبراتٌ مؤثِّرة مع العذراء والقديسين . عندما كانت السفينةُ تَنقلُ الرُّكّابَ من آسيا الصُّغرى ( تركيا حاليّاً ) إلى اليونان سنة 1919، ضربتْها عاصفةٌ مما عرَّضَ المسافرين لخطرٍ كبير . في النهاية ، انحسرت العاصفةُ ونَجا الجميعُ ، لكنَّ القبطانَ قال ، بعد أن رسم إشارةَ الصَّليب : " لا بد أنه يوجد بينَكم شخصٌ صالحٌ وهو كان سببَ نجاتكم " . فنظر الجميعُ إلى صوفيا التي كانت ، كلَّ الرحلة ، واقفةً في زاوية السفينة تُصَلّي . لقد سُجِّلت هذه الحادثة على شريط فيديو ، حيث رَوَتْ ما حدث : " كانت الأمواجُ مَلأى بالملائكة ، وقد ظهرت العذراءُ وقالت : سوف تتعرّضُ الإنسانية للخسارة ، لأن الناس خاطئون " . فقلتُ : " أيتها الفائقةُ القداسة ، فَلأكُن أنا مَن يتم خسرانه لأنني خاطئة ، ودَعي العالم يَخلُص " . سنة 1967 تفاقم مرضُ صوفيا وتعاظَمت آلامُها , كانت معدتُها مليئةً بالتقرُّحات وذات رائحة كريهة . تعاملت مع ألَمِها بشجاعةٍ وقالت : " ستأتي العذراءُ لتُزيلَ ألمي ، فهي قد وعَدَتني " .بعضُ الأشخاص من أثينا صوَّروها على شريط فيديو أثناء شرحها لما حدث بعد ذلك : " جاءت العذراء يرافقها رئيسُ الملائكة جبرائيل والقديس جاورجيوس ، إضافة إلى قديسين آخَرين " . قال لي رئيسُ الملائكة : " الآن ، سوف نَشُقُّكِ " فقلت : " إنني خاطئة ، عليَّ أن أعترفَ وأتناول ، وبعدها يمكنكَ أن تَشُقَّني " . فقال : " لن تموتي ، سوف نُجري لك عمليةً جراحيّة " . فقالت : " وبدأ بشَقّي " . كما مع القديسين ، كذلك كانت على علاقة مميَّزة مع الحيوانات المفترسة ، وخاصّةً الدُّبَبة ، ولكن أيضاً مع الحيّات والطيور . التقويم الجديد والتّقويم القديم .. منذ أن تغيّرَ التّقويمُ الكنسيُّ في اليونان ، ظلَّت صوفيا تتبع أعيادَ التقويمَين القديم والجديد ، وبذلك لم تُشكِّلُ عَثَرَةً لأحد . للأسف ، كانت هناك نزعةٌ لدى أتباع التقويم القديم لتشويه الحقائق مُعتبرين إياها من أتباعِهم ، ولكن ذلك لم ينسجم مع الحقيقة ، لأنها كانت تتناول باستمرار في الكنيسة . من أقوالها الروحية .. " يجعلُ خوفُ الله من الإنسان حكيماً " . ما خوفُ الله ..؟ " هو ليس الخوف من الله ، بل هو الخوف من أن نُسبِّبَ الحزن للناس ، أو الخوف من أن نؤذيَهم ، وأن لا نفعل الشر لهم ، أو أن نقوم بإدانتهم , هذه هي الحكمة , بعد كل ذلك ، سوف ينيرُكم اللهُ مرشداً إياكم إلى ما عليكم فعلُه في حياتكم " . " فَتّشوا عن الفقراء واجمعوهم وساعدوهم , هذه هي مشيئةُ الله ، لا أن تذهبوا إلى الكنيسة مُدَّعين الصلاة " . " يجب أن يكون الإحسان في الخُفية ، فالله وحدَه من يجب أن يعلم بذلك " . " آه لو كنتم تعلَمون ما حدث للربِّ يوم الأربعاء والجمعة ، فسوف لن تضعوا أيَّ شيء في فمكم ، لا الخبزَ ولا الزيت , حافظوا على صوم الأربعاء والجمعة " . " يتكلَّم الملائكةُ كلَّ يوم , فالله يرسلُهم لرؤية ما إذا كان الناسُ يتوبون " . " تبكي العذراءُ كلَّ يوم ، وتقول لابنِها : يا ابني وإلهي ، إمنح العالمَ الحكمةَ ، إصفح عنهم " " دعوا أفواهكم تصيرُ رياحين وورود " . وجهات نظر حول قداستها .. سنة 2009 ، قام ميتروبوليت كاستوريا بتنظيم نقاش حول موضوع " القديسون المكرَّمون في كاستوريا " . دار قسم كبير من النقاش حول حياة الأم صوفيا ، وقد عكسَ رأيُ ميتروبوليت كاستوريا سيرافيم رأيَ مؤمني كنيسة كاستوريا المحلِّيَّة بأنها قديسة ، فكُتِبَت الأناشيد ورُسمت أيقونةٌ لها ، وسوف تُسَلَّمُ مستوجَباتُ إعلان قداستها إلى البطريركية المسكونية . رقادها .. رقدت الأم صوفيا بالرب في أيار سنة 1974، وقد دُفنَت في أرض الدير . اشتُهرت كثيراً في منطقة مقدونيا ، إذ كان الكثيرون ممن عرفوها يأتون إلى قبرها للصَّلاة . لا تزال بقاياها محفوظةً في الدير ، وبإمكان المؤمنين تكريمها بعد أخذ الإذن من الرهبان . |
الساعة الآن 11:08 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات ام السمائيين و الارضيين