المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عصير الكتب (من كتاب جذور الشهوة للراهب كاراس المحرقى) مركز الشهوة في حياتنا


ابو بيشو
07-18-2012, 06:52 PM
عصير الكتب (من كتاب جذور الشهوة للراهب كاراس المحرقى)


مركز الشهوة في حياتنا

ويتساءل البعض عن مركـز الشهوة في حيـاتنا ؟ فنجيب بأنَّ للشهوة علاقة وثيقة باللذة والألم، وهى بذلك يكون لها علاقة بشتّى الدوافع والميول التي تصدر عنها كل أفعالنا! فمن المعروف أنَّ الإنسان شأنه شأن الحيوان، يسعى إلى كل ما يجلب له اللذة، ويبتعد عن كل ما يُسبب له الألم، وبهذا تكون الشهوة هي المُحرك الذي يُحرك الإنسان، فإذا استسلم لنداء شهواته وشعر فيها بلذة، فما أسهل عليه أن ينسى الله ومحبته ووصاياه... بل ينسى نفسه! لأنَّ " اَلشَّهْوَةُ الْحَاصِلَةُ تَلُذُّ النَّفْسَ " (أم19:13)، وهذه اللذة تُغطّي على كل شيء، وتبسط غشاوة على العقل والقلب فلا يعود ينظر، وإن نظر فهو ينظر بعين الشهوة! ولهذا يقول القديس يوحنا الأسيوطيّ: " كما أنَّ القشور تُخـفي عن العين حسن الألوان وجمال الزهور، هكذا أيضاً شهوات الجسد تُعطّل الإنسان عن رؤية غنى نفسه وحسنها ".

حقاً إنَّ الشهوة كامنة في أعماق الإنسان، وهى لا تُرى، إلاَّ أنَّها تظهر من خلال أفعاله وأقواله! وكما قال أحد الآباء: " صٍنّارة النفس هي محبة ذاك الشيء الذي ارتبطت النفس بشهوته "، فإذا اشتهى إنسـان المال صار له المال صنارة تجذبه على الدوام، أمَّا حديثه فيكون دائماً عن الممتلكات والثروات.. فالكلام ليس مجرد ألفاظ ينطق بها الإنسان، وكأنَّما هى ذبذبات هوائية سرعان ما تذهب عبر الرياح، إنَّما الكلام هو سلوك لفظيّ، يحمل صورة أفكارنا وأعمالنا.. التي نود لو استطعنا أن نعملها، إنَّه نشاط بشريّ ينقل للآخرين صورتنا غير المرئية، ويُسجل طابعنا الخاص في صميم العالم الذي نحيا فيه، وقد قيل عن " سقراط " الفيلسوف أنَّه كان يتحاور مع جماعة من الشبان، وبينما كانوا يناقشونه بقى أحدهم صامتاً، فتقدم نحوه سقراط وصاح فيه قائلاً: تكلم حتى أراك!
لقد أصبح الإنسان بعد السقوط مرتبطاً بطبيعة مبتورة، تُحركه الشهوات وتقوده الأهواء! جهازاً مُفككاً ما أسهل أن تختل حركاته لأتفـه الأسباب! يتردد بين النـور والظلمة، يسعى إلى الخير ولكنه يجد قَدَميه تتجهان نحو الشر دون أن يرغب! ألم يقل مُعلّمنا القديس بولس الرسول: " لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ " (رو7: 19).
ولعل أعظم دليل على هذا التناقض الذي قد أصاب الكائن البشريّ، هو ذلك الصراع القائم بين النفس والجسد فعلى الرغم من الارتباط الوثيق بينهما، إلاَّ أنَّ الحياة أثبتت لنا أنَّ بين هذين الصديقين علاقة مضطربة يسودها التناقض والتعارض! " لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهَذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ " (غل5: 17)، إنَّهما أشبه بزوجين كل منهما يريد أن يجعل الآخر يسير على هواه! فهما لا يستطيعان أن يعيشا سوياً في انسجام ومع هذا لا يملكان الانفصال!
إنَّها قمة المأساة عندما يحيا الإنسان في تناقض وجدانيّ، خاصة عندما يجد نفسه عاجزاً عن الاستغناء عمّا يكرهه، ويريد لو استطاع أن يتخلّص منه! " لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ " (رو7: 15)، ولكن سواء أردنا أو لم نُرد فنحن مضطرون أن نحيا هذا التناقض، فإنَّ وجودنا في صميمه ما هو إلاَّ توتر بين حياتنا على الأرض والحياة الأبدية، بين النفس والجسد، الوحدة الفردية والتعددية الجماعية.. وإن كنَّا نسعى جاهدين في سبيل حل ما في حياتنا من تلك المتعارضات الأليمة ، إلاَّ أننا نشعر بأنَّ الثنائية ضريبة باهظة فُرضت علينا! بوصفنا كائنات قد خُلقت من طين ونور، الطين هو تراب الأرض، والنور هو نفخة الله المقدسة!

ربَّما أعجب ما في الإنسان أنَّه يستطيع أن يسمو بفكره فوق الطبيعة، ويسبح بخياله فوق الموجودات! ولكن كل هذا لن يدوم ثوانٍ، وكأنَّ الشهوات تشُدُّنا إلى الأرضيات! لتُشعرنا بأننا لا يمكن أن نخرج عن الواقع الذي نحياه! فلا يلبث الإنسان أن يشعر في حسرة وخيبة أمل، بأنَّه لمِن المستحيل للموجود الأرضيّ الخاضع للزمان، أن ينفذ إلى سر الأزلية التي لا بداية لها، أو أن يخترق حُجُب الأبدية التي لا نهاية لها! وقد نتمرد على قيودنا وننزع إلى تخطّي حدودنا، ولكن سرعان ما نتحقق من أنَّه هيهات للطير أن يضرب بجناحيه في الفضاء، ما لم تكن لـه جاذبية أرضية يستند إليها في صعوده!
إنَّ الشهوات هي التي تُشعرنا دائماً بما فينا من ضعف ونقص.. وعبثاً يُحاول الإنسان أن يوهم نفسه بأنَّه كامل، وهو ليس في حاجة إلى غيره أو أنَّه قادر على كل شيء! فالإلهام قد يُتيح للعبقريّ أن يكتب ويسبح بخياله فوق كل الأشياء، ولكنّه لا يُحرره من ضرورات الحياة وقد تعلو بنا أفعال البطولة، ولكنَّها لا تعفينا من قوانين الحياة ولا من قضاء الموت!
لقد دخل الإنسان بسقوطه في دائرة العيب، والتي بمقدار ما تُشبعه تُزيده جوعاً! انهار البار جسدياً وأخلاقياً وأصبح خاضعاً للألم والمرض... صار فرح المرأة بالولادة ممزوجاً بألم المخاض، في لحظة يحيا بفكره مع الله وفى نفس اللحظة يفكر في الماديات، مسكين هذا الإنسان المُتقلّب الذي في لحظة يترنح من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، من أقصى الخير إلى أقصى الشر، فما هذه الشهوة بل ما هذه العبودية‍؟!

علاقة الحياة الشهوانية بالمرض النفسيّ
والآن نقترب من السؤال الهام: هل الحياة الشهوانية تتسبب في إصابة الإنسان بالأمراض النفسية ؟ أو بمعنى آخر ما هي العلاقة بين الشهوانية والأمراض النفسية؟‍!
ينشأ المرض النفسيّ نتيجة الصراع العنيف الذي يحدث بين رغبتين متضادتين، فالإنسان يُريد أن يُحقق شيئاً، لكنَّ الظروف الخارجية تقف حائلاً وتعوق انطلاقه! هنا ينشأ الصراع النفسيّ، فالذي يحدث هو أنَّ النفس بمجرد حدوث الصراع تلجأ إلى كبت إحدى الرغبتين، وينتج عن ذلك أن تبدأ الرغبة المكبوتة حياة جديدة شاذة داخل الإنسان في ما يُعرف بالعقل الباطن، وتبقى هناك محتفظة بطاقتها وتظل تبحث عن مخرج لإطلاق طاقتها المحبوسة، وليست حركات الإنسان وألفاظه سوى تعبير عن ذلك الصراع.
هذه الرغبات المكبوتة هي تلك الشهوات، التي بعنف تضغط على الإنسان ملتمسة الخروج بطريقة أو بأُخرى، حقاً إنَّ هناك رغبات إيجابية كثيرة كالتفوق والنجاح... يمكن أن تُتعب الإنسان إن لم تتحقق، ولكنها ليست مثل الشهوات في تحطيمها للإنسان! والحق إنَّ الشهوة هي المصدر الأعظم لغالبية ضغوط الحياة، لأنَّ الشهوة هى رغبة قوية تجاه شيء معين، وكل منَّا يحمل في أعماقه جمهرة من الشهوات التي تلتمس التحقيق، وما الجسد إلاَّ الأداة التي عن طريقها تتحقق تلك الشهوات فإن لم يُحقق الإنسان شهواته سيتعب، أمَّا الحكيم فيستطيع أن يسمو بشهواته ويُحسن استخدامها، فالغضب شهوة تكون إيجابية عندما نغضب على الشر، وسلبية عندما نثور على أقل أو أتفه الأسباب.
إنَّ الضغط في أبسط معانيه يُشير إلى كل ما يسبب ضيقاً أو ألماً.. للإنسان، ومن المعروف أنَّ الضغوط لا تؤدي إلى الإصابة بالأمراض النفسية الجسدية فقط، بل قد تؤدي بالإنسان إلى الموت! فقد حقن أحد العلماء فئران بمواد سامة، فما كان على الفئران إلاَّ أنَّها حشدت جميع وظائفها الجسمية فنشطت الغدد وتزايدت إفرازاتها، ونتيجة لهذا النشاط الزائد تحوّلت الأنسجة إلى جُلوكوز، يمد الجسم بطاقة تجعله في حالة استعداد دائم لمواجهة الخطر، إلاَّ أنَّه قد ثبت أنَّ تعرُّض الحيوانات للضغوط المستمرة، يجعلها عاجزة عن المقاومة لمدة طويلة، فالإحساس بالضغط الواقع يمر بالمراحل التالية:
- في البداية مشقة تتطلب حشد الطاقة لمواجهة الخطر.
- تمر فترة يعتاد فيها الإنسان الضغط وبشدة يُقاومه.
- بعد هذه المقاومة يشعر الإنسان بالإجهاد الشديد.
- ثمَّ أخيراً لو استمر الضغط فإنَّه " يموت ".
ومن المعروف أنَّ لكل إنسان - شأنه شأن الحيوان - طاقة مُعينة للتكيف والاحتمال، إلاَّ أنَّ التعرّض المستمر للضغوط يؤدّي تدريجياً إلى فقدان هذه الطاقة وانهيارها، ومن ثَمَّ تضعُف قدرة الجسم على المقاومة، فتحدُث الأمراض والموت..! ولهذا يقول الدكتور أحمد عكاشة:
" الضغط النفسيّ يعني أنَّ هناك أشياء تُسبب لطمات وضربات علي الجهاز العصبيّ، وهناك محور في المخ يتلقى هذه الضربات ويتحرك ليفرز مواد تُساعد على اتزان حياة الإنسان، وعندما يتعرّض هذا المحور لضربات كثيرة يختل، ونتيجة لاختلاله يحدُث المرض النفسيّ، ولكل إنسان طاقته، فهناك من يتعرض لـ (20) لطمة في جهازه العصبيّ ثمَّ يُصاب بمرض نفسيّ وهناك من يتعرّض للمرض من لطمة واحدة " .
إذن كل المُعطلات التى تعوق نمو الإنسان، قد تتسبب في إصابته بكثير من الأمراض الجسدية والنفسية، ولأنَّ الشهوانية تُعد أكبر حاجز يقف في طريق نموه الروحيّّ والنفسيّ والجسديّ، فهي إذن تتسبب في كثير من الأمراض.
وليس أسهل على الإنسان من الاستسلام لغرائزه، وإطلاق العنان لطاقته الشهوانية، ولكن من المؤكد أنَّ كل اعتداء يقوم به الفرد، سواء في شخصه أم في أشخاص آخرين، يُعد بمثابة انتحار نفسانيّ يقضي على صاحبه بالشقاء! لأنَّ الشهوانية هي اعتداء على القوى البنّاءة لدى الآخرين، ومثل هذه الاعتداءات تُمثّل عدواناً ذاتياً يمس صميم حياتنا النفسية، كما أنَّها عدوان على القيم الروحية والمباديء الأخلاقية والوصايا الإلهية، ولهذا فهي تُعد تدميراً، أو بمعنى آخر انتحاراً للطاقات البشرية!
يجب أن نعترف بأنَّ كل سقطة، هى عملية هدم لذلك البرج الشامخ الذي يُراقب الإنسان، أعنى الضمير، بل هدم للفضيلة، للمبادئ، للقيم... والحق إنَّ الإنسان هو المخلوق الوحيد من بين جميع الموجودات الذي يجد لذة كبرى في أن يهدم لمجرد الهدم! حقاً إنَّ الطبيعة لا تخلو من عناصر هدّامة، فهناك البراكين والزلازل والأعاصير والسيول.. ولكن هذه كلها لا تخرج عن كونها ظواهر طبيعية، تجلب الدمار عن غير قصد، أمَّا الإنسان فهو الوحيد الذي بكامل حريته يُمارس نشاطه الهدّام، وحروبه المُدمّرة، واختراعاته الخبيثة، وكأنَّ مهمة الله أن يخلق كل شيء من العدم، ومهمة الإنسان أن يُحيل ما خلقه الله إلى عدم!
ولو نظرنا للرجل الشهوانيّ، لرأينا أنَّه يُحاول دائماً الهروب من نفسه، ألم يقل سليمان الحكيم: "اَلشِّرِّيرُ يَهْرُبُ وَلاَ طَارِدَ " (أم28: 2)، ولأنَّ الشهواني يعجز تماماً عن الاختلاء بنفسه، فهو لذلك يلجأ إلى الآخرين لقضاء أوقاته معهم، والعمل على تناسي ما لديه من ذكريات شهوانية مؤلمة، و لكنَّ الشهوانيّ لا يثق في أحد حتى أعوانه إن كان مسئولاً، بل لا يثق في نفسه! ولهذا تجده دائماً قَلِقاً، خائفاً، لأنَّه يشعر بأنَّ الجميع سيغدرون به كما غدر هو بهم وخانهم، ولهذا فحياة مثل هذا الرجل الذي أفلت منه زمام الشهوة، يمكن تشبيهها بحياة من تحيط به النيران من كل ناحية! وهكذا تنتشر جميع الرذائل في الوسط الشهوانيّ، إذ يسعى كل فرد لتحقيق مصالحه الذاتية..
ولو أردنا أن نصف حياة الشهوانيّ لقلنا: إنَّها سلسلة من " أعياد اللذة " سواء كانت مأكولات أو مُسكرات أو نساء... ومعروف أنَّ كل من يعيش لشهواته تكون حياته بلا قيم، كما أنَّ الرغبات تُوّلّد رغبات وعندما تضغط الرغبات بعنف، يسعى الشهوانيّ هنا وهناك باحثاً عن من يُشبع رغباته، دون أن يُقيم وزناً للأخلاق أو المباديّ، فهو لا يتورع عن ضرب أو قتل.. كل من يقاومه أو يقف ضد رغباته، وهكذا تظل حياته انتقالاً من شهوة إلى شهوة إلى أن يموت!
حقاً إنَّ الشهوانيّ يعرف ما هى الفضيلة، و لكن نظراً لعجزه عن ضبط نفسه، فإنَّه يندفع نحو اختيار بعض الموضوعات التي تجد لها هـوى في نفسه، مُفضّلاً إياها على تلك الموضوعات التي يعلم أنَّها حسنة، وسواء كان هذا ناتجاً عن استسلام أم ضعف أم تكاسـل، فإنَّه لابد من أن يُوّلّد في النفس نوعاً من الكراهية، حتى إنَّ بعض الضعفاء من الخطاة قد ينتحرون! هذا إلى أنَّ الشهوانيّ كثيراً ما يكون ضحية لنوع من التمزق الداخليّ، إذ يوجد في ذاته جانب يفرح لأنَّه حقق رغبته، وآخر يؤلم لشعوره بالإثم وتأنيب ضميره! ومن هنا فالخاطيء قلَّما ينعم بصُحبة ذاته، لأنَّ اختلاءه بنفسه لابد من أن يقترن بمشاعر الألم والقلق وعذاب الضمير..
نستطيع أن نقول: إنَّ أيّ إنسان مهما حقق غاياته الشهوانية، فإنَّه سيظل ضحيّة للمرض النفسيّ لأنَّ سلوكه انطوى على خيانة الحياة في شخصه وفي الأشخاص الآخرين، وعلى العكس من ذلك نجد أنَّ الشخص السويّ، الذي يتمتع بروحانية صافية ونفسية معتدلة، ويجاهد من أجل امتلاك غرائزه والتحكّم في شهواته، لا يملك سوى الإعجاب بمظاهر الحُب الساميّ، البعيد كل البُعد عن الأنانية أو الشهوانية!
دور الشيطان في الحياة الشهوانية

بقى لنا أن نتحدث عن دور الشيطان في الحياة الشهوانية، لأنَّ الإنسان على الرغم من أنَّه يحمل جُرثومة الشهوة في داخله، وكثيراً ما يُثير شهواته بنفسه، إلاَّ أنّه في أحيان كثيرة يُحمّل مسئولية كل ما فيه من خطايا وفشل.. على شمَّاعة الشيطان، فكثيراً ما نسمع: إنَّ الشيطان هو الفساد الأكبر، والضلال الأعظم، والشر المحض.. ونحن لا نُنكر هذا، فالشيطان لهو أكثر مما يقولون، فمنذ أن خلق الله الإنسان هو قائم يُحارب بكل جهده، عسى أن يُلقي البشرية كلها تحت حكم الموت، فهو الذي أسقط أبوينا وتسبب في طردهما من الفردوس، وجلب الشقاء على البشرية كلها، وهو الذي أسقط أنبياءَ وأشخاصاً حل عليهم روح الرب مثل: داود وشمشون وشاول الملك.. فهو لا يقف ساكتاً أمام إنسان يحيا مع الله، بل يُحاربه ويُسمّى هذا بـ " حسد الشيطان ".
وقد وصفه مُعلّمنا بطرس الرسول بعبارة بليغة قال فيها: " إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ " (ابط 5 :8)، فالشيطان معروف بقوته لأنَّه كان أحد الملائكة " الْمُقْتَدِرِينَ قُوَّةً " (مز103 :20).
ويُعتبر الخِداع هو المبدأ الذي تنطوي عليه كل حيل الشيطان، فهو مُحتال في تزييف الحقائق، ويُكيّف نفسه حسبما تقتضي الأمور.. و لكن هناك شواهد تؤكد أنَّ الإنسان في مواقف كثيرة يكون هو نفسه الشيطان بل رئيس الشياطين! أليس الإنسان هو الذي ينشر الخصام والانقسام، ويفضّل الحرب على السلام، ويتفنن في خلق وسائل التعذيب والإجرام..؟!
إنَّ الشيطان قد يقرع على باب قلبك سنين طويلة دون ملل، و لكنَّ ثق أنَّه لن يقوى من تلقاء نفسه على فتح ذلك الباب، إنَّه ماكر وقاسٍٍ ويحمل كل الصفات الرديئة... لكنَّه لن يرتكب جريمة هتك حُرمة مسكنك، إلاَّ إذا فتحت له بابك وأذنت له بالدخول! فلا تفتح الباب لأنَّ لحظة واحدة تتأمل فيها منظره، تكون هي الكافية لهلاكك! أليس لإبليس قدرة أن " يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ ؟! " (2كو11: 4)، أمَّا أنت فهل لك القدرة أن ترى مثل هذا الجمال ولا تتأثر؟!
إننا كثيراً ما نُحاول تبرير ضعفنا وسقوطنا بالحديث عن قوة الشيطان وإغرائه، و لكنَّ الواقع أنَّ كلمة الغواية إنَّما هى كلمة ضعيفة، يستخدمها الإنسان لكي يبرر بها تصرفاته الشريرة ورغبته في السقوط فالشيطان قد يحوم حول رأسك كالغراب، ولكنَّه لا يملك القدرة أن يُعشعش فيها، إن لم تصنع منها بنفسك عشاً له!
إنَّ الشيطان أشبه بالمتسول الذي يطلب منا أن نأذن له بالدخول! فإذا رفضنا وقلنا له " لا " فسوف يهرب في الحال، وإن كان لا يتركنا‍! إنَّها عبارة جميلة تلك التي قالها السيد المسيح للشيطان عندما جاء ليُجربه " اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! "، يقول الكتاب المقدس: " ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ " (مت4: 10).
إذن فالاستسلام للشيطان هو في الحقيقة استسلام الإنسان لشهواته، فالإنسان بإيمانه وإرادته يستطيع أن يُقاوم كل الإغراءات، ومن ثَمَّ فلا عذر له ليبرر سقوطه في الخطية! أمَّا حينما نبرر سقوطنا بالحديث عن الغواية العنيفة، والإغراء القويّ، والسقوط المحتوم، زاعمين لأنفسنا أنَّه لابد من السقوط، فليس هذا إلاَّ اعترافاً بأنَّ إرادتنا قد أرادت لنفسها السقوط ، ولهذا تُذل الفتاة ليس لأنَّها قد وقعت ضحية لغاوٍ أثيم بلا مبادئ أو قيم، بل لأنَّها كانت تريد من صميم قلبها، أن تُجرّب وتعرف بنفسها ما يُسمّى بـ " لذة الخطية "، ومن ثَمَّ فإنَّها قد جعلت للغواية سبيلاً إلى نفسها!
إنَّ من قال " نعم " للذة فقد فتـح قلبه للشيطان، وترك نفسه نهباً للخطية، واعترف مُقدماً بالهزيمة، فيجب أن نعترف بأنَّ الإنسان هو سيد أعماله والمتحكّم في قراراته وأقواله.. ومن ترك للمؤثرات الخارجية أن تختار له فقد اختار لنفسه الخضوع والاستسلام!!

من كتاب (جذور الشهوة) للراهب/ كاراس المحرقى

ملاك حمايه جرجس
07-19-2012, 11:54 AM
أستاذ أبوبيشو
http://www.emanoeel.com/up/uploads2/images/emanoeel-93e4e08ec2.jpg